توقع 12 دولة الشهر المقبل على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ في نيوزيلندا منهية بذلك جولة طويلة من المفاوضات المستمرة منذ سنوات. ونقلت "الألمانية"، عن تود ماكلاي وزير التجارة النيوزيلندي أن بلاده وجهت الدعوة إلى وزراء الدول الأعضاء لتوقيع الاتفاقية، حيث سيكون بمقدور الدول بدء عملية التصديق عليها من جانب سلطاتها الوطنية وسيكون أمامها عامان لإتمام العملية قبل دخول الاتفاقية حيز التطبيق. وكان وزراء التجارة في دول "الشراكة عبر المحيط الهادئ" قد توصلوا إلى الاتفاقية أوائل تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في اجتماعات في الولايات المتحدة، وتتكون الاتفاقية من 30 فصلا وتشمل إلغاء أو تخفيض نحو 18 ألف رسم جمركي على السلع الصناعية والزراعية بما في ذلك المنسوجات والملابس وقواعد تجارة الخدمات والمنتجات المالية مع الالتزام بحرية التجارة الإلكترونية والإنترنت. وتتضمن قواعد براءات الاختراع وحماية العلامات التجارية وغيرها من موضوعات حماية حقوق الملكية الفكرية في منطقة التجارة الحرة بما فيها من بنود خاصة بصناعة الأدوية وتطبيق القواعد البيئية والعمالية. وتمثل منطقة التجارة الحرة لدول الشراكة عبر المحيط الهادئ نحو 40 في المائة من إجمالي الاقتصاد العالمي ويبلغ عدد سكانها أكثر من 800 مليون نسمة، وتأمل الولايات المتحدة في أن تسهم هذه الاتفاقية في تغيير موازين القوة في المنطقة بعيدا عن الصين. ويرى خبراء ومختصون أن إقامة شراكة لمواجهة بكين خطوة محفوفة بالمخاطر للغاية، على أساس أن الاقتصاد الصيني يشارك في معظم العمليات الاقتصادية لذلك فمن الصعب أن نتخيل تعاونا عالميا من دون الصين. وبينما يرى مؤيدو الاتفاقية أنها قد تدر مليارات الدولارات للدول المشاركة، يعتقد المعارضون أنها تتحيز لشركات، وذلك بسبب المفاوضات السرية التي شكلت ملامح الاتفاقية، والاعتقاد بوجود مخاطر تهدد شتى مجموعات المصالح من عمال صناعة السيارات في المكسيك إلى منتجي الألبان في كندا. وتضم الاتفاقية كلا من الولايات المتحدة وبيرو وتشيلي وكندا والمكسيك وبروناي واليابان وماليزيا وسنغافورة وفيتنام وأستراليا ونيوزيلندا، وقد بدأت المفاوضات في عام 2008، وانتهت بعد جولة مفاوضات استمرت أكثر من خمسة أيام في أتلانتا في ولاية جورجيا الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر) 2015. وكانت أبرز النقاط الصعبة تتعلق بحقوق الملكية الفكرية على الأدوية البيولوجية وواردات المنتجات المشتقة من الحليب الآتية من أستراليا ونيوزيلندا إلى كندا، وواردات قطع الغيار للسيارات اليابانية إلى أمريكا الشمالية. وحذرت مجموعات نقابية واجتماعية من احتمال أن يكون هذا الاتفاق مثل اتفاقية التبادل الحر في أمريكا الشمالية المبرمة في 1994 وأدت إلى انتقال آلاف من وظائف الأمريكيين إلى المكسيك وكندا. وبشكل عام يؤكد معارضو الاتفاق أنه ليس فعلا معنيا بتحرير التجارة، بل بإدارتها بحيث يكون عدد من الشركات والصناعات أكبر المستفيدين، حيث انتقدت منظمة "بابليك سيتيزن" التي تتخذ مقرا في واشنطن الاتفاقية، لأنها تطيل حماية الاحتكار بالنسبة إلى براءات تسجيل الأدوية، ولا سيما فئة متطوّرة منها تعرف بتسمية "الأدوية الحيوية". وصرح بيتر مايباردوك مدير برنامج الأدوية في المنظمة، أن كل من يريد أن يفهم سبب ارتفاع أسعار الأدوية إلى هذا الحد يجد جوابا مخيبا في مفاوضات اتفاقية الشراكة للمحيط الهادئ، فصناعة الصيدلة اشترت نفوذا كبيرا على القادة السياسيين. لكن الصين، الغائب الأكبر عن الاتفاق، الذي تعتبره محاولة أمريكية لصد نفوذها المتسع، استقبلت إعلان الاتفاق بحذر، وأعرب وزير تجارتها عن الانفتاح على أي آلية كفيلة بتعزيز التكامل الاقتصادي في منطقة آسيا-المحيط الهادئ.
مشاركة :