خطب وأم المصلين بالمسجد النبوي اليوم الجمعة 1444/06/06 الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم- إمام وخطيب المسجد النبوي- وبعد أن حمد الله عز وجل, بدأ خطبته قائلاً: أرسل الله رسوله محمداً بالهدى ودين الحق، على حين فترة من الرسل ودروس من الكتب، وتحريف للكلم وتبديل للشرائع، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها؛ وتألفت بها القلوب بعد شتاتها، وهدى الله به الخلائق، وأوضح به الطريق، فأقام به الملة العوجاء، وأوضح به المحجة البيضاء، وجعل الهدى والفلاح في اتباعه، والضلال والشقاء في معصيته.أرسله بأكمل رسالاته، وأفضل كتبه، وخاتمة شرائعه حجة على الخلق، وقطعاً للعذر، جاء من عند ربه بنور الوحي الذي يجلي كل ظلام، وبه حياة الأرواح قال تعالى: (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها). وتفاصيل الهداية إلى الحق والخير لا تعرف إلا من الوحي، قال تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا) والله سبحانه وتعالى أنزل على رسوله وحيين، وأوجب على عباده الإيمان بهما والعمل بما فيهما، فأقواله عليه الصلاة والسلام وأفعاله وحي من الله، فسنته وحي مثل القرآن، نزل عليه بها الروح الأمين جبريل عليه السلام، قال تعالى: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم).، والحكمة هي السنة باتفاق السلف، وقد عصم الله نبيه في أقواله وأفعاله، وحفظه من كيد أعدائه، حتى بلغ الرسالة أتم البلاغ. وأكمل فضيلته: عرّف صلى الله عليه وسلم أصحابه وسائر أمته معبودهم وإلههم أتم تعريف، حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، وعرّفهم الأنبياء وأممهم، وما جرى لهم، وما وقع على أممهم ويشاهدونه بأوصاف كماله معهم، حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرّفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبي لأمته قبله.وعقولنا تقصر عن إدراك مراد الله، وسُنَّتُه بيان للقرآن وشرح له، بها يعرف ما أُجمِلَ فيه، ومنها تؤخذ تفاصيل الشرائع، وتُنَزلُ آي الكتاب على وجوهها. وأضاف: ولولا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما اهتدى مسلم إلى عدد ركعات الصلوات، ولا مقادير الركعات، ولا صفة الحج والعمرة، ولا أحكام البيوع والأنكحة، وغيرها من تفاصيل الدين، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً، وإنما نفعل كما رأيناه يفعل»، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم موافق للعقول والأصول، لا ينكره عقلُ من عَلِم الموضع الذي وضع الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من دينه، وما افترض على الناس من طاعته، ولا ينفر منه قلب من اعتقد تصديقه فيما قال، واتباعه فيما حكم به.وكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر أو دلالة على خير، فالأخذ به واجب على العباد، وكل ما نهى عنه أو حذر منه وجب اجتنابه، وقد حث أمته على حفظ سنته وتبليغها إلى الخلق لتقوم بها الحجة. وأكمل الشيخ “القاسم”: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان إلا إذا ملأ اليقين قلبه بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به، ولم يتردد في الإذعان لشيء من أوامره، ولم يجد في نفسه حرجاً من التسليم بما أخبر به، ويجب على العبد أن يكون تبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم في جميع أموره، وأضافد.القاسم : الكتاب والسنة قرينان في الاحتجاج بهما، من فرّق بينهما وزعم أن القرآن يكفيه في أمر الدين فهو كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، فاتباع أحدهما اتباع للآخر، ولا يختلف الكتاب والرسول أبداً كما لا يخالف الكتاب بعضه بعضاً.ومن أعرض عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو ترفّع عن الأخذ بها، أو شكك في كلامه وما جاء به، أو اعترض عليه بالعقل أو الخيال أو الهوى تحسّر يوم القيامة على ما عملت يداه. قال سفيان بن عيينة رحمه الله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر، فعليه نعرض الأشياء، على خُلُقِه وسيرته وهديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل).ولا يُخرج الناس من ظلمات الحيرة، ولا يأخذ بأيديهم عند الفتن وكثرة الاختلاف بين الناس إلا التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولزومها في جميع الأحوال، واختتم الدكتور”القاسم” الخطبة بقوله: وتوفي صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر للأمة منه علماً، وعلمهم آداب النوم والقيام والقعود، والأكل والشرب، حتى التخلي، ووصف لهم العرش، والكرسي، والسماء، والملائكة، والجن، والنار، والجنة، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي عين.
مشاركة :