أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاقتداء برسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- في العبادات والمعاملات والأخلاق، ومن هذه العبادات الحج. وفيما يأتي بيان لصفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتفصيل: إحرام النبي بالحج حَجّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في السنة العاشرة للهجرة. وقد نُقِلت العديد من الآثار التي تُبيّن كيفيّة حَجّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها الحديث الطويل الوارد عن الصحابيّ جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-، والذي احتجّ العلماء واستدلّوا به في ما يتعلّق بتفاصيل أحكام الحجّ. حيث خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخامس والعشرين من ذي القعدة، بعد أن خطب في الناس وأعلمهم ماذا يلبس المحرم وكيف يكون الإحرام، وبقي بعدها في ذي الحليفة، وفي اليوم الذي يليه اغتسل ولبس لباس الإحرام ثم أحرم؛ أي نوى الدخول في نسك الحج من ميقات ذي الحليفة المعروفة الآن بأبيار علي. أعمال النبي في يوم عرفة في اليوم التاسع من ذي الحِجّة؛ جُعِلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- خيمةً في نَمِرَة، وخطبَ بالناس خُطبةً بليغةً جامعةً، ثمّ أدّى صلاة الظُّهر والعصر جَمع تقديمٍ، ثمّ توجّه إلى عرفة مُستقبِلًا القِبلة، مُتوجِّهًا إلى الله -سبحانه بالدُّعاء، والذِّكر، والتضرُّع إلى أن غابت الشمس. ثمّ شَدَّ رِحاله إلى مُزدلفة بخِفّةٍ وسكينةٍ، وصلّى فيها المغرب والعشاء جَمع تأخيرٍ، بأذانٍ واحدٍ وإقامتَين، واستراح -عليه الصلاة والسلام- في مُزدلفة إلى أنّ أدّى صلاة الفجر. أعمال النبي في اليوم العاشر وأيام التشريق توجّه النبي إلى المَشعر الحرام في مُزدلفة، واستقبل القِبلة، ودعا ربّه، وهلَّلَ، وكبَّرَ، ووَحَّدَ، ثمّ رمى الجمرة الكُبرى، بسبع حَصَياتٍ، وكبَّرَ في كلٍّ منها، ثمّ نَحرَ الهَدْي، وتَحلَّلَ من إحرامه، ثمّ توجّه إلى مكّة المُكرَّمة، وأدّى طواف الإفاضة، وصلّى الظهر فيها، ولم يسعَ بين الصفا والمروة؛ إذ إنّه أدّى السَّعي بعد طواف القدوم. ثمّ عاد إلى مِنى، وأقام فيها ثلاثة أيّامٍ؛ لرَمْي الجَمَرات؛ الجمرة الصُّغرى، ثمّ الوُسطى، ثمّ الكُبرى في كلّ يومٍ، ووقف مُتوجِّهًا إلى الله بالدعاء والتضرُّع بعد رَمْي الجمرتَين؛ الصُّغرى، والوُسطى فقط. وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة نزل في مكانٍ يُسمّى المحصّن بعد أن أدّى صلاة الظُّهر، ثمّ توجّه إلى المسجد الحرام، وأدّى طواف الوداع، وصلّى فَجر اليوم التالي، وارتحلَ عائدًا إلى المدينة المُنوَّرة. نوع حجة النبي تعدّدت آراء العلماء في نوع حِجّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إن كان قدّ أدّى الحَجّ قارنًا، أو مُتمتِّعًا، أو مُفرِدًا، استدلالًا بعدّة أحاديث، منها: ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: (تَمَتَّعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ وأَهْدَى)، وما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الحَجَّ). وفيما يأتي بيان تفصيل ما ذهب إليه كلّ مذهبٍ من المذاهب الفقهيّة: الشافعيّة: قالوا إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بدأ حَجّه مُفرِدًا، إلّا أنّه قَرَن وأدخل العُمرة على الحجّ، فأصبح حَجّه قارنًا، وقد نوّه الشافعيّة إلى عدم جواز إدخال العُمرة على الحجّ، إلّا أنّ ذلك جاز للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- فقط. المالكيّة: قالوا إنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أفردَ بالحَجّ، وأنّ الصحابة -رضي الله عنهم- أفردوا بالحَجّ أيضًا بَعده؛ كأبي بكرٍ، وعمر، وعثمان. الحنفيّة: قالوا إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أدّى الحَجّ قارنًا؛ إذ جمعوا بين ما استدلّ به كلّ فريقٍ، إضافة إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يعمل بما يُوحى إليه. الحنابلة: قالوا إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حَجّ قارنًا؛ استدلالًا بما أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُلَبِّي بالحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا). أُطلِقت على حجّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عدّة أسماءٍ، منها: حجّة الوداع؛ لأنّها كانت آخر حجّة له في حياته -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان قد ودّع الناس فيها، وبيّن لهم أحكام الحجّ، فكان يقول -عليه الصلاة والسلام-: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه). وسُمِّيت أيضًا حجّة الإسلام؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أدّى حجّ الفريضة فيها، وبيَّنَ للمسلمين كيفيّة أداء الحجّ. كما سُمِّيت حجّة البلاغ؛ بسبب الخُطبة التي ألقاها النبيّ؛ إذ تضمّنت قواعد دينيّةً أصوليّةً، وقِيَمًا اجتماعيّةً أوصى بإبلاغها إلى الناس كافّةً.
مشاركة :