إثر قطيعة استمرت منذ اندلاع النزاع في سورية عام 2011، جمعت موسكو الأربعاء الماضي وزيري الدفاع التركي والسوري، في خطوة سبقتها مؤشرات على تقارب بين البلدين الخصمين من شأنها، وفق محللين، أن تضع القوات الكردية أمام خيارات أحلاها مرّ. ما هي أبرز المعلومات المتوافرة عن اللقاء؟ وماذا عن تداعياته المتوقعة على الإدارة الذاتية الكردية المدعومة أميركياً التي تلوّح أنقرة منذ فترة بشن هجوم برّي ضد مناطق سيطرتها في الشمال السوري؟ وما المؤشرات التي سبقت عقد الاجتماع؟ قبل اندلاع النزاع عام 2011، كانت تركيا حليفاً اقتصادياً وسياسياً أساسياً لسورية. وجمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقة صداقة بالرئيس السوري بشار الأسد. إلا أنّ علاقتهما انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات السلمية ضد النظام، وقمع دمشق التظاهرات بالقوة. وبعدما أغلقت تركيا سفارتها في دمشق في مارس 2012، كرّر أردوغان وصف الأسد بـ«المجرم»، بينما وصف الأخير نظيره التركي بأنه «لص» وداعم لـ«الإرهابيين». قدمت تركيا دعماً للمعارضة السياسية، واستضافت أبرز مكوناتها في إسطنبول، قبل أن تبدأ في دعم الفصائل المعارضة المسلحة وتؤوي قرابة أربعة ملايين لاجئ على أراضيها. ورغم أن تركيا شنّت منذ 2016 ثلاث هجمات ضد المقاتلين الأكراد، مكّنتها من السيطرة على أراضٍ سورية حدودية واسعة، إلا أنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع دمشق إلا بشكل محدود عام 2020، سرعان ما انتهت بوساطة روسية. بعد سنوات القطيعة، برزت مؤشرات تقارب تدريجياً، على هامش قمة إقليمية عام 2021، إذ أجرى وزيرا خارجية البلدين محادثة مقتضبة غير رسمية. وفي أغسطس، دعا وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو، إلى مصالحة بين النظام والمعارضة في سورية. وأقرّت أنقرة ودمشق بتواصل على مستوى أجهزة الاستخبارات. اللقاء ممكن! تزامناً مع تهديده بشن هجوم بري ضد الأكراد، قال أردوغان في نوفمبر، إن احتمال لقائه الأسد «ممكن». وجدد الشهر الماضي الإشارة إلى إمكان حصول اللقاء بعد اجتماعات على مستوى وزيري الدفاع والخارجية. وتلعب روسيا، وفق محللين، دوراً أساسياً لتحقيق التقارب بين حليفيها اللذين يجمعهما «خصم» مشترك يتمثل بالمقاتلين الأكراد. ماذا عن مضمون الاجتماع وتوقيته؟ أعلنت موسكو أن المحادثات بين وزراء الدفاع الروسي سيرغي شويغو، والتركي خلوصي أكار، والسوري علي محمود عباس، تطرّقت إلى «سُبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين»، وكذلك «الجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرّفة»، من دون تسميتها. وأشادت الدول الثلاث بـ«الإيجابية» خلال اللقاء. وشددت موسكو ودمشق على ضرورة «مواصلة الحوار» لإرساء الاستقرار في سورية. ويقول مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية، الدكتور بسام أبوعبدالله، لوكالة «فرانس برس» إن الاجتماع «رفع مستوى اللقاءات بين البلدين من مستوى أمني إلى مستوى وزاري»، مشدداً على ضرورة «محاولة الأطراف العاقلة في دمشق وأنقرة.. تهيئة الرأي العام لمزيد من اللقاءات على مستويات أعلى في المرحلة المقبلة». ويشير إلى ارتباط الاجتماع بـ«تطوّرات تتعلّق بالعملية العسكرية التركية، التي كانت مقررة في الشمال، وعملت موسكو على وقفها»، معتبراً أن «انتقال الاجتماعات إلى وزراء الدفاع يعني أن هناك عملاً ميدانياً عسكرياً لابدّ من تنسيقه بشكل دقيق بين الأطراف الثلاثة». وجاء الاجتماع بعد أسابيع من شنّ تركيا في 20 نوفمبر سلسلة ضربات جوية ومدفعية، استهدفت بشكل رئيس القوات الكردية، وتلويح أردوغان بشن هجوم بري لإبعادها عن حدوده. وتصنّف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، منظمة «إرهابية»، وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود. فشل الجولات السابقة وفشلت جولات محادثات متقطعة قادتها الحكومة السورية مع الإدارة الذاتية الكردية، التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشرق سورية، تضمّ أبرز حقول النفط ومساحات زراعية واسعة، تريد دمشق استعادتها عاجلاً أم آجلاً. ويقول الباحث في معهد «نيولاينز»، نيك هيراس، لـ«فرانس برس»: «يتعرض أردوغان لضغوط سياسية لشنّ عملية عسكرية في سورية، وإعادة أكبر عدد ممكن من السوريين من تركيا إلى بلدهم قبل موعد الانتخابات التركية في يونيو». ويضيف: «إذا منح الأسد أردوغان الضوء الأخضر لشنّ عمليات جوية ضد الأكراد، فإن حرب ستتبعها قريباً». وكان أكار أفاد الأسبوع الماضي عن تواصل مع موسكو لـ«فتح المجال الجوي» السوري أمام المقاتلات التركية. ما السيناريو الذي ينتظر الأكراد؟ تبدو الخيارات المتاحة أمام الأكراد الذين تصدّوا بشراسة خلال سنوات النزاع لتنظيم «داعش»، صعبة، في ظل وجود مصالح مشتركة بين الدول الثلاث لإنهاء نفوذهم وإضعاف داعمتهم واشنطن، التي اكتفت خلال الأسابيع الماضية بالتحذير من مغبة التصعيد. ويقول الباحث الفرنسي المتخصّص في الشأن السوري، فابريس بالانش، لـ«فرانس برس»: «الهدف المباشر للدول الثلاث هو القضاء على قوات سورية الديمقراطية». وتريد أنقرة، وفق بالانش: «القضاء على التهديد الكردي» قرب حدودها، بينما تسعى روسيا إلى «تصفية حليف للولايات المتحدة في سورية، أي قوات سورية الديمقراطية، وبالتالي تقوية حليفها بشار الأسد». أما دمشق فتريد «استعادة الأراضي، خصوصاً ثروتها النفطية» من الأكراد في شمال شرق البلاد، والذين تحمل عليهم علاقتهم مع واشنطن، وتنتظر من تركيا «القضاء على المتطرّفين في إدلب»، في إشارة إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، التي تسيطر مع فصائل أخرى على نحو نصف مساحة محافظة إدلب (شمال غرب) ومحيطها. وفي حال رفض الأكراد تلبية مطلب أنقرة المتجدد بالانسحاب لمسافة 30 كيلومتراً عن الحدود، فإن اللقاء الثلاثي سيشكل محركاً «لغزو تركي». ويوضح بالانش أن «الهجوم التركي ليس إلا مسألة وقت. يحتاج أردوغان إلى انتصار ضد الأكراد في سورية، في إطار حملته الانتخابية». • رغم أن تركيا شنّت منذ 2016 ثلاث هجمات ضد المقاتلين الأكراد، مكّنتها من السيطرة على أراضٍ سورية حدودية واسعة، إلا أنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع دمشق إلا بشكل محدود عام 2020، سرعان ما انتهت بوساطة روسية. • بعد سنوات القطيعة، برزت مؤشرات تقارب تدريجياً. على هامش قمة إقليمية عام 2021، إذ أجرى وزيرا خارجية البلدين محادثة مقتضبة غير رسمية. وفي أغسطس، دعا وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو، إلى مصالحة بين النظام والمعارضة في سورية. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :