من الممكن أن تكون تدابير زيادة العرض والتشجيع على توفير الطاقة بديلا عن فرض حدود قصوى للأسعار. ويتمثل أحد الأسئلة في كيفية إجراء ذلك مع حماية المستهلكين أيضا والحد من الاختلالات غير الفاعلة اقتصاديا. وهناك سؤال آخر بشأن كيفية إجراء ذلك بطريقة تراعي تأثيرات سياسات كل دولة في الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي. والإجابة عن السؤال الأول الخاص بحماية المستهلكين والفاعلية الاقتصادية، قد تكمن في الجمع بين مدفوعات الدعم التي لا تتوقف على استهلاك الطاقة وبين الدعم الموجه للحد من الاستخدام، مع الاحتفاظ بإشارات سعرية لخفض الطلب. ومن الممكن أن يكون الدعم متناسبا مع معدلات الاستهلاك الأخيرة للطاقة. وهناك منهج آخر يتمثل في اتباع مبدأ التصميم المستخدم في برنامج "كبح أسعار الكهرباء" في ألمانيا، حيث يبدأ هذا المنهج بحساب احتياجات الطاقة للأسرة المعيشية المقتصدة التي تبذل جهدا معقولا لتوفير الطاقة. ويقوم البرنامج بعد ذلك بدعم سعر الكهرباء بالتجزئة وصولا إلى ذلك المستوى دون أن يتجاوزه. وبالتالي تكون تكلفة الكهرباء للاستخدام الإضافي أعلى بكثير من متوسط التكلفة، ما يشجع الأسر المعيشية على استخدام أقل عدد ممكن من الوحدات الإضافية. أما إجابة السؤال الثاني المتعلق بتنسيق السياسات فهي تكمن في إبرام صفقة كبرى تتفق فيها دول الاتحاد الأوروبي جميعا على بذل جهود مماثلة على نطاق واسع لخفض الطلب وزيادة العرض. وفيما يتعلق بمشكلة المستفيدين مجانا التي ستعقب ذلك، حيث قد لا يرغب كل بلد في بذل جهود مماثلة، أو قد يتجاهل التداعيات على الدول المجاورة، فينبغي حلها بالطرق السياسية والقانونية من خلال التشريعات. ومن المحتمل أن تتوافر حوافز مالية منها كالحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي. وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي الخطوات الأولى في هذا الاتجاه، ففي تموز (يوليو) التزمت حكومات الدول الأعضاء بخفض الطلب على الغاز بـ 15 في المائة خلال فصل الشتاء. وأقرت في أيلول (سبتمبر) تشريعا يلزمها بأربع مجموعات من الإجراءات على مستوى السياسات، وهي خفض الطلب على الكهرباء، ووضع حد أقصى لإيرادات منتجي الكهرباء ذوي التكلفة المنخفضة الذين يجنون فوائد من ارتفاع أسعار الكهرباء، "باستثناء أولئك الذين يحرقون الفحم" و"مساهمة تضامنية" من شركات الوقود الأحفوري، "بما في ذلك منتجو الفحم"، ودعم مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة. ويتعين على منتجي الكهرباء ذوي التكلفة المنخفضة إعادة الأرباح التي تتجاوز الحدود القصوى للإيرادات إلى الحكومات الوطنية، التي بدورها ستستخدم هذه الأموال في تمويل الدعم المقدم للمستهلكين. وتمثل تلك الإجراءات خطوة أولى مهمة، خاصة أنها تركز على خفض الطلب على الغاز والكهرباء بشكل منسق غير أنها تغفل جانب العرض. وهناك مجموعتان من المبادرات يمكنهما معالجة هذا الأمر. الأولى، أن يستفيد الاتحاد الأوروبي من قوته الشرائية بوصفه ثاني أكبر اقتصاد مجمع في العالم بعد الولايات المتحدة. فيمكن للكتلة الأوروبية أن تتفاوض كمشتر واحد مع موردي الغاز. وقد يشكل ذلك مكسبا لجميع الأطراف، إذ إن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تأمين الغاز بسعر معقول، في حين يحتاج الموردون أيضا إلى عقود طويلة الأجل لإدارة خطط الاستثمار بشكل أفضل. فالعيش دون الغاز الروسي يعني ضرورة إيجاد مصادر بديلة لكمية الغاز البالغة 150 مليار متر مكعب، التي اعتادت روسيا أن تصدرها سنويا إلى أوروبا. وأمام الاتحاد الأوروبي الفرصة لتجميع هذا الطلب الهائل والتفاوض على صفقات طويلة الأجل توفر للموردين إيرادات يمكن التنبؤ بها، مع ضمان أمن الغاز في أوروبا والقدرة على تحمل تكاليفه. الثانية، ضرورة أن يضاعف الاتحاد الأوروبي من إمدادات الطاقة المحلية في الأجل القصير. ويتطلب ذلك جهودا إضافية من دول مثل هولندا من خلال زيادة إنتاج الغاز، ومثل ألمانيا عبر مواصلة تشغيل محطات الطاقة النووية التي كان من المقرر إغلاقها. ورغم صعوبة تنفيذ هذه التدابير من الناحية السياسية، فإنها قد تصبح ذات جدوى عند تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل. وإضافة إلى ذلك، فقد ينظر في إنشاء صندوق مشترك للاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، وذلك لتحقيق أهداف من قبيل تعويض مواطني هولندا عن ارتفاع مخاطر الزلازل المرتبطة بزيادة إنتاج الغاز. ومن هنا يتضح أن أزمة الطاقة تشكل تحديا جسيما لا يمكن لأي بلد أوروبي أن يتغلب عليه بمفرده. فالتدخلات الطارئة مثل فرض حدود قصوى لأسعار الغاز من شأنها مفاقمة الوضع، خاصة إذا تم تنفيذها ضمن مزيج من السياسات الوطنية التي لم يتم التنسيق بينها. ويحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إبرام صفقة كبرى يستند فيها إلى قوته ككتلة اقتصادية وأن يحدد مسارا لسياسة الطاقة على مستواه. فالخيارات الحالية بشأن كيفية إدارة محدودية الإمدادات سترسم ملامح مستقبل منظومة الطاقة في أوروبا. ويمكن لأوروبا، من خلال زيادة التكامل بين دولها ودفع عجلة الاستثمار، أن تتغلب على هذه الأزمة.
مشاركة :