ثمة حكمة تقول إن الابتعاد عن المشكلات لا يعني البتة الضعف، وإنما القدرة على الاستمتاع بالحياة، وإن الصفح لا يغير الماضي، وإنما المستقبل، بيد أن السؤال الذي يطفو على السطح، هو كم منا يدرك معنى هذه الحكمة، ويسير على هديها، ليستلذ بحاضره ومستقبله، ويجني ثمر توظيفها في حياته، لا سيما في علاقته الزوجية؟! جميعنا يدرك أنه لا حياة مثالية، أو خالية من المنغصات والمشكلات، ومسببات القلق والضنك، وخصوصا في الحياة الزوجية، ولكن قلة قليلة ـ إن جاز لنا القول ـ تتقن فنون مواجهة هذه الخلافات، ولجم فيها، وليَّ ذراعها، وامتصاصها بإسفنجة الحكمة والصبر والعقلانية، ليس من باب الضعف كما ورد في الحكمة، وإنما حفاظا على لُحمة هذه العلاقة، وصيانتها، وحمايتها من التفكك والضياع، عطفا على تحري السعادة والاستقرار. في محاكم دبي، رصد قسم الإصلاح والتوجيه الأسري العام الماضي عدة أسباب للخلافات الزوجية من خلال الحالات الواردة إلى القسم، كان من أبرزها ضعف الانسجام بين الزوجين بواقع 1156 حالة، وفرق الثقافة الوارد بواقع 155 ملف خلاف زوجي بسبب، و271 مشكلة سببها ضعف لغة الحوار، و124 بسبب عدم الصراحة، إلى جانب 101 مشكلة سببها تدخل الأهل. منهجية غائبة يقول خليفة المحرزي خبير التدريب والعلاقات الزوجية، إن غالبية الأسر لا تملك منهجية واضحة في التعامل مع الخلافات الزوجية، وتعيش مشكلاتها بدل حلها، ويتجسد ذلك في الانفعال الزائد، والتوتر الشديد، والمزاجية، ورمي كرة المسؤولية في ملعب الآخر، وهي ردات فعل سريعة، غير مجدية في أن نزع فتيل هذه الخلافات التي ستزداد حدتها، وتنتقل إلى دائرة أوسع من النزاع والقسوة، والطلاق العاطفي، وعدم المسؤولية، والاتكالية، والابتعاد عن الطرق الأخرى. ويوضح المحرزي أن اغلب الأسر تواجه في حياتها ما يقارب 1300 مشكلة بين الأزواج خلال 10 سنوات، وفق دراسة إحصائية للمجلس الاستشاري الأسري في دبي، بينت أن 80% من الأسر ليست لديها المعرفة والمهارة الكافية في إدارة دفة الخلافات الزوجية التي تعد المصدر الرئيسي لتوتر العلاقة فيما بينهما، بما يجعل كلا الطرفين يفكر في إنهائها. ويلقي المحرزي بالمسؤولية عن تأزم الخلافات الزوجية إلى قلة مهارات الأزواج، وفقر ثقافته في فن احتواء هذه الخلافات والتعاطي معها بالصورة الإيجابية والصحيحة، وقتلها في مهدها قبل أن تتحول إلى وحش يهدد مصير الأسرة والأبناء بفعل الانفصال الذي ربما يكون نهاية لعقد الشراكة بين الزوجين. هذه الحصيلة تبرهن على عدم حرص الأزواج على اكتساب المهارات الأسرية التي تطرح عبر البرامج والدورات والندوات، سواء من خلال المؤسسات والجهات المختصة، أو من خلال وسائل الإعلام. كما تدلل هذه الإحصائيات على عدم معرفة الزوجين بنقاط الخلاف والوصول إلى التوافق والصيغة المشتركة لإدارة حياتهما بكل تفاصيلها ومعطياتها. ويرى المحرزي أن الثقافة الأسرية باتت أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى، وهي من المتطلبات التي ينبغي على الجهات المسؤولة الاهتمام بها وترسيخها على أرض الواقع من خلال طرح برامج ودورات ومحاضرات في المدارس والجامعات لتوعية الأجيال بالمفهوم الصحيح للزواج، وتسليحها بالمهارات التي تؤهلها لحل أية خلافات قد تواجهها بعد الزواج. مفهوم خاطئ حسن محمد الحمادي موظف يرى أن ثمة بونا شاسعا بين الأجيال الجديدة والقديمة، لجهة الخبرة والحنكة في التعامل مع الخلافات الزوجية. حسن محمد الحمادي موظف متزوج، يرى أن الغالبية العظمى من جيل اليوم لا تدرك المعنى الحقيقي للزواج، ولا قدسيته أو أهدافه أو مسؤولياته، في ظل عدم خبرة كل شريك بطبيعة وصفات وشخصية الطرف الآخر من الناحية الجسمية والفسيولوجية، عطفا على قلة الخبرة في قيادة شريك الحياة والأسرة والمنزل. ويقول إن ضعــف الوعي بمقاصد وفضائل الزواج، أفرز مشكلة أخرى وهي الإخفاق في رأب الصدع في العلاقة الزوجية عند وقوع خلاف بين الطرفين، وربما تفلت هذه العلاقة من عقالها، وتنزلق إلى مهاوي الطلاق والتشرد والتشرذم الأسري ما لم يتم إحكام الطوق عليـــها بمشدات الحوار والتفاهم والحكمة. الحمادي يعلق مسؤولية كبيرة في عنق الآباء والأمهات، ويؤكد على دورهم في توعية أبنائهم بكيفية صناعة وإدارة علاقة زوجية ناجحة آمنة من كل ما يمكن أن يهدد أمنها واستقرارها وديمومتها، والالتفات إلى أبنائهم بدل الانشغال بأمور جانبية فرضتها طبيعة الحياة، بيد أنه يتوقف عند مشكلة أخرى ذات صلة بهذا الأمر، وهي أن أبناء هذا الجيل يختلفون كليا في طريقة تفكيرهم ونظرتهم إلى الحياة، عن جيل الآباء والأمهات، الذين كانوا ينظرون إلى الزواج من زاوية أخرى ربما تكون أوسع وأشمل من تلك التي يطل من خلالها الأبناء على حقيقة الزواج في هذه الأيام، فقد كانت الحكمة والصبر والرضا والقناعة حاضرة في كل شؤون حياتهم. استشارات أسرية علياء السميطي موظفة وزوجة، تربط بين المشاكل الزوجية وغياب التوعية المجتمعية والأسرية إزاءها، والمفهوم الخاطئ للزواج لدى شريحة واسعة من الفتيات والشباب، الذين دعتهم إلى حضور المحاضرات التوعوية وطلب الاستشارات من المختصين، حول الزواج، وكيفية إنجاحه، وحمايته من المشاكل، والتدخلات الخارجية، خصوصا إذا كانت هذه التدخلات هدامة وليست بناءة. وبالرغم من إيمانها بان بروز المشكلات الزوجية أمر طبيعي بين الزوجين، وكثيرة التكرار، إلا أنها تؤكد على ضرورة توخي الحكمة والعقلانية في إدارتها، وتقديم التنازلات للطرف الثاني من اجل ديمومة العلاقة بين الطرفين، وعدم الانجرار للنزعات الشيطانية التي تقود صاحبها إلى الخسران والهلاك، خصوصا إذا كانت المشكلة طفيفة، ويمكن قتلها في مهدها قبل أن تكبر وتكبر مثل كرة ثلج. كلمة سر أحمد جبارين موظـــف مـــتزوج يؤكد أن كلمة السر في نجاح أي علاقة زوجية هي التفـــاهم، والتقارب العاطفي والفكري، وأن سوء اختيار الشريك منذ البداية هو أبرز أسباب مشكلات الأزواج التي يتفرع عنها مشكلات أخرى ذات صلة بفشل الطرفين أو أحدهما في رتق نــسيج العلاقة التي تربطهما، عند بروز أي خلاف بينهما. الحل أفضل أسلوب لإطفاء جذوة الخلافات الزوجية هو الجلوس على طاولة الحوار، والتعامل برحمة ومودة، والتزام الصمت في بداية اشتعالها، والابتعاد عن إذكائها بالتعنت والصراخ والإصرار على الرأي الواحد، إو باللجوء إلى طرف ثالث ورابع وخامس في حلها.
مشاركة :