تتزايد الدلائل بين الأوساط الشعبية والاقتصادية الكويتية على أن البلد لا يزال يدير مسألة تطوير قطاع الأعمال بعقلية قديمة، حيث لم تسهم محاولات الحكومات المتعاقبة في الخروج من هذه المعضلة جراء بطء الإصلاحات والخلافات السياسية المستمرة. الكويت - لجأت شريحة من الكويتيين مؤخرا إلى الشبكات الاجتماعية للاحتجاج على سوء إدارة الحكومة للاقتصاد الريعي الذي يحتاج إلى تنويع موارده، حيث يرون أنه لا يمكن لأموال النفط وحدها أن تحقق تقدما لبلدهم. واختارت فاطمة الصانع التي تعمل في القطاع العام إبداء تذمرها بطريقتها الخاصة عبر الإنترنت بدلا من رفع شكاواها إلى سلطة محلية أو توجيه انتقادات ضد الحكومة. وتقول الصانع البالغة من العمر 42 عاما “لقد كانت مجرد رسالة حول الأزمة ذات الأولوية وضعف التعليم وضعف القطاعين الطبي والصحي.. لا تنمية”. وفي منطقة تمضي قدما في كل شيء بدءا من استضافة الأحداث الرياضية العالمية وبناء مدن جديدة بالكامل في الصحراء إلى إرسال مهمة إلى القمر، تبرز الكويت كمثال على التقاعس في اللحاق بركب الإمارات والسعودية وقطر. ولطالما كانت الكويت تحت رحمة السياسات المختلة، ففي العام الماضي وعد ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بتغيير الأمور على غرار نظيره ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ريم العيدان: نحن بحاجة إلى فتح الأبواب أمام العولمة والاستثمار ريم العيدان: نحن بحاجة إلى فتح الأبواب أمام العولمة والاستثمار ومع ذلك يقول كويتيون، أكثر من نصفهم تحت سن الخامسة والعشرين، إنهم ما زالوا ينتظرون، وهم يلقون باللوم على السياسيين الذين يخدمون مصالحهم الخاصة والقيادة المتصلبة في الشعور بالضيق في الداخل وفقدان النفوذ في الخارج. ولا تتعلق المشكلة بنقص المال، فالبلد يملك واحدا من أكبر صناديق الثروة في العالم، وهو واحد من أقل البلدان مديونية، ونظامه المصرفي القوي تاريخيا لديه الكثير من السيولة. وطوال العقد الماضي شجعت الحكومة، التي تنفق أكثر من نصف ميزانيتها السنوية على رواتب الكويتيين الذين يعمل أغلبهم في وظائف حكومية، مواطنيها على إقامة مشاريعهم الخاصة في محاولة منها لخلق قطاع خاص قوي بالبلاد. وكان الهدف تخفيف العبء عن الميزانية، وتقليل الاعتماد على العمال الوافدين، وكذلك المساعدة على تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط الذي يوفر 90 في المئة من الإيرادات، ولكنه يبقى غير مستقر في عالم متقلب. وتبدو كل الجهود التي تم بذلها لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتي تضمنت إنفاق نحو 500 مليون دولار من التمويل الحكومي على هذه الشركات، عرضة للضياع. وفي أغسطس 2021 قالت شركة المركز المالي الكويتية إن معظم تلك المشاريع التي يتراوح عددها بين 25 و30 ألفا كانت تعمل باحتياطيات نقدية محدودة، وحين انتشر الوباء تأثرت لأنها لم تكن مستعدة للتعامل مع توقف نشاطها. وتشير التقديرات إلى أن اقتصاد البلاد نما العام الماضي بنحو 8 في المئة بفضل ارتفاع أسعار النفط ومن المرجح أن يحقق فائضا بقيمة 23 مليار دولار في السنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس المقبل، وفقا لاقتصاديين في شركة شال الكويتية للاستشارات. ومع ذلك، تكافح ريم العيدان التي تدير شركة استشارية للتدريب على الحياة “بوزيتيف كوتشينغ” تركز على رائدات الأعمال، لتأمين الاستثمار لدعم المشاريع التي يمكن أن تساعد في بناء الاقتصاد غير النفطي. وينظر كويتيون إلى هذا الأمر على أنه بالغ الأهمية في جميع أنحاء منطقة الخليج كما يحاول العالم للابتعاد عن الوقود الأحفوري. وقالت العيدان وهي إحدى المواطنات اللاتي عبرن عن إحباطهن عبر الإنترنت لبلومبيرغ “نشعر بالحسد من النجاح من حولنا”. وأضافت “نحن بحاجة إلى فتح الأبواب أمام العولمة والاستثمار”. وأشارت إلى أن صبر كثير من الناس بدأ ينفد وقد “أخبرني الكثير من الكويتيين أنهم يريدون الخروج”. نحتاج إلى أكثر من دفع عجلة التنمية نحتاج إلى أكثر من دفع عجلة التنمية وتبدو مسألة فطام الكويت عن النفط الخام الذي جعلها غنية مهمة ملحة رغم أنها صعبة عندما تظل الحياة مريحة لمعظم المواطنين، مما يعطي حافزا ضئيلا للتغيير الفوري. وبينما ضخت دول الخليج الأخرى المليارات في تطوير اقتصاداتها غير القائمة على الطاقة وأقرت قوانين لجذب الاستثمار الأجنبي، ركزت الكويت على الإجراءات الحمائية، حيث لا يفضل التنويع سوى أقلية وشركات أكثر ليبرالية. وكتب الصحافي الكويتي أحمد الصراف في أوائل ديسمبر الماضي عمودا قال فيه “جيراننا وإخواننا مبدعون في إيجاد طرق لإسعاد شعوبهم، والترحيب بالآخرين في بلدانهم، والاحتفال بالفرح!”. وقال الصراف إنه “بدلا من ذلك، أغلقت الكويت أبوابها في وجه العالم”، في إشارة إلى القواعد التي تحد من عدد الأجانب الذين يمكنهم العمل في بلد تقوده العمالة الوافدة. وأضاف “لقد نجحنا في جعل كره الآخر والضعيف أسلوب حياة”. ومنذ أن تم تسليمه معظم السلطات من قبل شقيقه أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، قام ولي العهد الكويتي بإصلاح مجالس إدارة كيانات الدولة التي يتعامل بعضها مع ثروة البلاد الهائلة وطرد مسؤولين مرتبطين بالقيادة السابقة أو مشتبه بهم في قضايا فساد. حمد البحر: الإصلاحات ستأتي قريبا والأعمال تزدهر رغم التحديات حمد البحر: الإصلاحات ستأتي قريبا والأعمال تزدهر رغم التحديات ولكن إذا كان هناك أي شيء، فقد ابتعدت الكويت عن الإصلاحات لتنويع الاقتصاد ولم تتجاوز الخطط التي تم التبجيل بها لتصبح مركزا تجاريا واستثماريا بحلول 2035 وبهذا فقد البلد قوة الدفع نحو الهدف. وبدلا من ذلك، أشرف الشيخ مشعل على المنح والتعويضات التي تصل إلى مليارات من الدولارات لأولئك من بين 1.5 مليون كويتي تمت مكافأتهم على خدمتهم أثناء الوباء واستجابة لارتفاع تكاليف المعيشة. وبحسب التقديرات، فإن قرابة 80 في المئة من سكان البلد البالغ عددهم 4.5 مليون نسمة هم من القوى العاملة النشيطة بالبلاد، غير أن أغلبهم يعملون في القطاع العام. وقال حمد البحر الشريك في منصة يو بايمنت دوت كوم الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية إن “نظام الرعاية الاجتماعية مثل الأب الذي ينفق على أطفاله، لكنه لا يتوقع منهم أن يعملوا”. وأشار البحر وهو مصرفي سابق في الثلاثينات من عمره إلى جهود السعودية لتخفيف دعم مواطنيها ببطء. ومع ذلك، يرى أن الإصلاحات الاقتصادية ستأتي قريبا، وأشار مثل الآخرين إلى وجود نظام مالي واقتصاد قوي. وقال إن “الأعمال تزدهر على الرغم من التحديات وها أنا أعيش في أمان مالي”. وفي القطاع الخاص، هزت التحركات الأخيرة لفرض السيطرة ثقة المستثمرين الدوليين والشركات المحلية، بحسب ما قاله مسؤول تنفيذي بشركة كويتية كبيرة لبلومبيرغ رفض ذكر اسمه. وقال المسؤول التنفيذي إن “موجة جديدة من ضوابط الأسعار أضرت بالشركات، وإن كيانات أجنبية في السلع الاستهلاكية وغيرها من القطاعات المعتمدة على الاستيراد تبتعد عن السوق الكويتية أو خفضت الشحنات وتركز على أسواق إقليمية أخرى”. ويرى محللون أنه كان من الأسهل بالنسبة إلى السعودية والإمارات وقطر استخدام دولاراتها البترولية لخوض مقامرة ضخمة، فقادتها الشباب مدفوعون بالمنافسة الإقليمية في الاستثمار والأعمال والتجارة وغيرها. ويقول بعض الكويتيين إن هذا ثمن يستحق الدفع في بلد من غير المحتمل أن يحدث فيه تحول مفاجئ لقيادة الأجيال الشابة في أي وقت قريب. وقال حمد الجاسر معلقا على حسابه في إحدى الشبكات الاجتماعية على الوضع إن “الكويت تتراجع ولا أحد يختلف معها”. ولكنه استدرك بأن هذا لا يعني أن جيران بلده هم النموذج الصحيح الذي يجب اتباعه.
مشاركة :