الصناديق الاجتماعية بتونس عالقة في مأزق تأخر الإصلاح

  • 7/8/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تشكو الصناديق الاجتماعية في تونس من عجز متواصل بسبب أزمتها المالية، حيث تفاقمت ديونها في الفترة الأخيرة، وسط غياب لسياسة إصلاح وتغيير واضحة من الذين في أيديهم مفاتيح تسيير دواليب الدولة. ودفع تجاهل تسع حكومات متعاقبة منذ العام 2011 الحفاظ على دور هذه الصناديق، الخبراء والمسؤولين في هذا المجال إلى التفكير في حلول موجعة تخرجها من دائرة المؤشرات السلبية. ولدى تونس ثلاثة كيانات، وهي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (سي.أن.آر.بي.أس)، وهو يستهدف مساهمات القطاع العام، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (سي.أن.أس.أس)، وهو يستهدف مساهمات القطاع الخاص، والصندوق الوطني للتأمين على المرض (كنام). وفي وقت سابق من هذا الأسبوع كرر وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي مقترحا قديما يتعلق بالرفع في سن التقاعد بالنسبة إلى القطاع الخاص بالاتفاق بين صاحب المؤسسة والموظف أو العامل إلى 62 عاما، مشددا على أن هذا الإجراء سيكون إجباريا في القطاع العام. شرف الدين اليعقوبي: لطالما ضغطت الحكومة على الصناديق أوقات الأزمات وأشار في تصريحات لإحدى الإذاعات المحلية الأربعاء الماضي إلى أن الصناديق تعاني من عجز مالي وأنها ليست المتسبب الوحيد في مشكلة نقص الأدوية بالسوق المحلية، ملقيا باللوم أيضا على وزارة الصحة. وأكد الزاهي أن الصيدلية المركزية مدينة للصناديق منذ فترة بملايين الدولارات. ورغم أنه لم يكشف عنها بدقة، لكنه لفت إلى أن العديد من المتعاملين لم يتمكنوا من سداد مستحقات تصل إلى ستة مليارات دينار (نحو 1.9 مليار دولار). وقال “عزّزنا الرقابة للتسريع في عملية استخلاص ديوننا والتقليص في التجاوزات المالية بتسهيل الإجراءات والإعفاء من غرامات التأخير”. وتراكم العجز المالي بشكل مطرد نتيجة تقاعس الحكومات المتعاقبة في وضع خطط إصلاح واضحة لتلك الصناديق وذلك مع تزايد عدد المتقاعدين وتهرب أو عجز عدد من المؤسسات عن سداد مساهماتها. وقال الزاهي إن حكومة نجلاء بودن عندما تولت مهامها وجدت الصناديق في حالة يرثى لها “وكأنه لم يتم القيام بأي سياسة إصلاحية”. وعبر عن أمله في أن تتحسن وضعيتها بما يُمكِن من إلغاء المساهمة التضامنية التي يتم اقتطاعها من المواطنين. ويرى خبراء الاقتصاد أن مشكلة الصناديق هيكلية بالأساس، فضلا عن سوء الحوكمة التي عمقتها الأزمات المختلفة بالبلاد. وقال شرف الدين اليعقوبي الخبير في الحوكمة ومكافحة الفساد إن “العجز أصبح هيكليا، خصوصا بالنسبة إلى صندوق سي.أن.أس.أس بسبب زيادة رواتب المتقاعدين وهو ما لا يخلق توازنا”. وأضاف لـ”العرب” أن “المشكلة الأساسية هي اقتصادية وهيكلية عمّقتها تداعيات أزمة جائحة كورونا في السنتين الأخيرتين، فضلا عن وجود مشاكل حوكمة داخلية، وهذه الصناديق لها ممتلكات كبيرة ولا بدّ من تنويع المداخيل”. وتابع اليعقوبي “الدولة تضغط على هذه الصناديق خصوصا في الأزمات على غرار تقديم المساعدات الاجتماعية للفئات الضعيفة زمن الجائحة والأزمات الاقتصادية، وهو ما أدى إلى عجزها”. ولم ينف إمكانية وجود شبهات ملفات فساد تتعلق أساسا بالتصرّف وإدارة الممتلكات وصفقات الصناديق، وهو ما يتطلب تدقيقا كاملا لتحديدها بهدف الحدّ من نسب العجز. حسن بن جنانة: يجب زيادة المساهمة الاجتماعية من 8 إلى 10 في المئة وكانت وزارة الشؤون الاجتماعية قد توقعت في مطلع الربع الثاني من هذا العام أن يصل عجز صندوق سي.أن.أس.أس هذه السنة إلى 1.44 مليار دينار (474.9 مليون دولار)، فيما سيبلغ عجز سي.أن.آر.بي.أس 471 مليون دينار (نحو 155 مليون دولار). وفي حال استمر البطء في إعادة الهيكلة، فإن توقعات ترجح أن يبلغ العجز في سي.أن.آر.بي.أس 2.2 مليار دولار، بينما سيصل العجز في سي.أن.أس.أس إلى 1.76 مليار دولار بحلول 2030. وتولد حالة العجز هذه انعكاسات سلبية على المواطنين الذين يظلون فترة طويلة في انتظار صرف مستحقات استرجاع المصاريف. ويفسر الخبير الاقتصادي حسن بن جنانة أن أحد أسباب غرق الصناديق الاجتماعية في العجز المالي هو ارتفاع رواتب المتقاعدين نظرا إلى كون عدد العاطلين أكبر من عدد العاملين. وقال لـ”العرب” إن “هذه المنظومة لم تعد تكفي لتأمين رواتب المتقاعدين، وهو ما يتطلب زيادة سن التقاعد من 62 إلى 65 عاما أو زيادة نسبة المساهمة من ثمانية حاليا إلى 10 في المئة أو عبر الإدخار والاستثمار”. وأشار جنانة إلى أن الدولة لم تنتهج أي سياسة إصلاحية، فخطوات الإصلاح برأيه تتطلّب تشريك الخبراء والمتخصصين في المجال، فضلا عن توفّر الإرادة السياسية، لأن مشكلة الصناديق جزء صغير من مشاكل أعمق التي تشمل نظامي الجباية والدعم وغيرهما. وانعكس الركود وتباطؤ النمو في الكثير من القطاعات الإنتاجية خصوصا وسط ضغوط الجائحة على وضعيات الصناديق بعد أن باتت ترزح تحت مشكلات مالية مزمنة، إلى درجة أن الأوساط الاقتصادية تتحدث عن دخولها في إفلاس غير معلن. وخلال ذروة أزمة كورونا الأولى أقرت الحكومة مجموعة من التسهيلات لتخفيف الصعوبات على الشركات، حيث سمحت بعدم سداد مستحقات الصناديق مما زاد في تأزم وضعها المالي. وسبق أن انتقد الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية بالبلاد، مرارا سوء إدارة المسؤولين لهذا الملف الحارق. تباطؤ النمو في الكثير من القطاعات الإنتاجية خصوصا وسط ضغوط الجائحة انعكس على وضعيات الصناديق وقال الأمين العام المساعد بالاتحاد المكلف بالملف الاجتماعي عبدالكريم جراد في تصريحات صحافية قبل أسابيع إن “الإرادة السياسية لإصلاح الصناديق الاجتماعية الثلاثة لم تكن طيلة العقد الأخير في المستوى المطلوب”. ولفت إلى أن اقتراحات الإصلاح تتطلب مجهودات إضافية من الدولة على غرار المساهمة الاجتماعية التضامنية من خلال التأكيد على عدم الاكتفاء بالخصم على الموظف والمؤجر. كما طالب بتوسيع هذه القاعدة وإقرار بعض البنود الأخرى التي تدخل في قاعدة احتساب المساهمة الاجتماعية مثل إقرار مساهمة على الخمور والسجائر ليتم توجيهها إلى الصناديق. وبحسب جراد فإن الحكومات المتعاقبة ارتأت إقرار مجموعة من الإجراءات ووجهتها إلى الموازنة العامة وليس إلى الصناديق. ويرى أنه من الضروري التفكير في طريقة سداد ديون الصناديق الاجتماعية الثلاثة في ما بينها. وقال إن “صندوق الكنام له دين للصندوقين الآخرين يقدر بقيمة 6 مليارات دينار أي ما يعادل 4 في المئة من موازنة تونس لهذا العام”. وبدأ إصلاح الصناديق الاجتماعية خلال 1994 حيث تم اعتماد إصلاحات سريعة عبر زيادة في الاشتراكات وإعادة النظر في الآليات والمعاشات وخلال العام التالي تمت مراجعة التشريعات التي تتعلق بالتقاعد المبكر وسنوات العمل في القطاع الخاص.

مشاركة :