قانون المالية يعيد الجدل بشأن التهرب الضريبي في تونس

  • 1/5/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تصاعدت الدعوات إلى وضع ميثاق جبائي لمكافحة التهرب الضريبي في تونس، في ظل محدودية النتائج المحقّقة بشأن التصدي للظاهرة التي تنخر الاقتصاد الذي يعاني انهيارا غير مسبوق منذ عقود. تونس - أعاد قانون المالية لسنة 2023 الجدل بشأن التهرب الضريبي وغياب العدالة الجبائية، وهو ما دفع جهات إلى اقتراح حلول لمواجهة الظاهرة من بينها وضع ميثاق جبائي. ودعا مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة في تونس إلى وضع "ميثاق جبائي"، حاثّا "دافعي الضرائب وخصوصا المنظمات المهنية، على الضغط لوضع هذا الميثاق وعدم دفع الضريبة إلا إذا ما تم احترامه من قبل الماسكين بالسلطة". وانتقد المرصد في بيان أصدره، قانون المالية لسنة 2023 معتبرا أنه "لم يشذّ عن سابقيه من قوانين المالية المضرة التي عمّقت الهوة بين من يدفعون الضريبة ومن يتهربون من دفعها". واعتبر أن قوانين المالية أغرقت تونس في المديونية ووضعتها تحت وصاية الجهات الأجنبية المقرضة وحصنت المهربين والمتهربين من دفع الضريبة، وساهمت في قتل عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية التي صرحت بوجودها نتيجة للضغط الجبائي الكبير الذي يعد الأعلى اليوم في أفريقيا، حسب آخر الإحصائيات المنشورة من قبل منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي. محسن حسن: الضغط الجبائي في تونس هو الأعلى في أفريقيا محسن حسن: الضغط الجبائي في تونس هو الأعلى في أفريقيا وتساءل المرصد كيف يمكن لحكومة أن تتصدى للتهرب الضريبي وهي لا تعرف إلى حد الآن عدد الأشخاص المطالبين قانونا بدفع الضريبة في تونس، لافتا إلى أنه تم التقدم بمقترح يمكّن الحكومة من معرفة كل الأشخاص المطالبين قانونا بدفع الضريبة والمتمثل في فرض حمل "جواز جبائي" على غرار الجواز الصحي، لغاية الانتفاع بالمرفق العمومي والترشح للمناصب العامة، وكذلك مقترح "وضع سجل وطني للمهربين والمتهربين من دفع الضريبة وممارسي كل أنواع الجرائم الاقتصادية وبالأخص في حق المستهلك". وتتسبب عمليات التهرب الضريبي في تونس في خسائر تقدر بنحو 25 مليار دينار (8 مليارات دولار)، أي ما يعادل 43.3 في المئة من ميزانية الدولة لسنة 2022، و2.7 مرات حجم العجز في الميزانية، وفق مؤشرات كشفها الباحث في السياسات العمومية في مجال العدالة الاجتماعية والجبائية أمين بوزيان. وأكد بوزيان في تصريحات إعلامية سابقة أن “الحكومة مطالبة بالتدّخل لإيجاد حلّ هيكلي لهذه الظاهرة”، لافتا إلى أن الـ1 في المئة الأكثر ثراء يحتكرون ربع إجمالي الثروة والـ10 في المئة الأكثر ثراء يحتكرون 58.2 في المئة، بينما لا يملك الأقل ثراء سوى 4.8 في المئة من الإجمالي، وأكد أنّ هذه الفوارق تتطلب إصلاحات جبائية عاجلة. واعتبر أنّ إقرار ضريبة على الثروة "وسيلة فعالة للغاية لإعادة توزيع الثروة وتعبئة الموارد الذاتية للمجتمع، لكن للأسف تم تهميشها بشدة في السياسة الجبائية التونسية". وتساهم الضرائب بنحو 60 في المئة من الميزانية، ولكن في الواقع تعجز الحكومة وأجهزتها عن تحصيل الأموال من دافعي الضرائب. وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي "إن التهرب الضريبي هو مرآة عاكسة لنظام جبائي سيء جدا، ونسبة الضغط الجبائي عالية جدا، تجعل المواطن يتهرب، كما أن الثقة اهتزت بين دافعي الضرائب ومصالح الجباية". وأوضح لـ"العرب" أن "الخدمات الاجتماعية المتردية تجعل المواطن يتهرب من دفع الضرائب، وبالتالي عندما تطالب الدولة مواطنيها بدفع الضرائب، يجب عليها في المقابل تقديم خدمات لائقة". وعلى الرغم من ترسانة القوانين المتعلقة بالعدالة الجبائية والمساواة الاجتماعية، إلا أن الخبراء يجمعون على أن الدول لم تتقدم أشواطا تذكر في مكافحة التهرب الضريبي. وأفاد محسن حسن، الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق، "للأسف الشديد حجم التهرب الضريبي في تونس يقارب 50 في المئة من حجم الموارد الجبائية المتوقعة لسنة 2023، والحكومة توجهت للضغط بضرائب جديدة، وهذا فيه تشجيع على التهرب". وأضاف في تصريح لـ"لعرب" أن "الضغط الجبائي في تونس هو الأعلى في أفريقيا وهذا لا يتماشى مع مقاومة الظاهرة”، لافتا إلى أن “التوجه الأمثل يمر عبر تخفيض الضغط الجبائي وتشجيع المؤسسات والأفراد على القيام بواجبهم الجبائي، علاوة على التشجيع على الاندماج في الاقتصاد المنظم وتطوير الموارد المالية واللوجستية واستخدام الرقمنة". وتابع "لم نشاهد هذا التوجه من قبل الدولة والحكومات المتعاقبة باستثناء محاولة وحيدة من حكومة الحبيب الصيد في 2016". ويعد الضغط الجبائي في تونس الأعلى بين الدول العربية، ويعد ضعف الأجهزة الرقابية وفوضى السوق الموازية والتهريب من أهم أسباب عجز الدولة عن تحصيل أموال قد تغني عن اللجوء إلى الاقتراض الخارجي في كل مرة تختنق فيها المالية العمومية. سهام بوغديري: الحكومة تدرس مقترحا لفرض ضريبة على الثروة في عام 2023 سهام بوغديري: الحكومة تدرس مقترحا لفرض ضريبة على الثروة في عام 2023 ويتحمّل الموظفون الخصم من الموارد بقوة القانون، باعتبار أن صاحب المؤسسة يخصم آليا من الراتب الشهري لدفعه إلى خزانة الدولة. وتؤكد الإحصائيات الحكومية أن المداخيل المتأتية من الأفراد تشكل أكثر من 70 في المئة من حصيلة الضرائب السنوية الإجمالية للدولة، أي نحو 700 ألف موظف في القطاع العام وقرابة 1.5 مليون موظف في القطاع الخاص، وتجني الدولة منهم أكثر من 7 مليارات دينار (2.2 مليار دولار) سنويا. في المقابل، يضيع قرابة 50 في المئة من دخل الضريبة بسبب الأنشطة في السوق الموازية والتهريب، وأيضا بعض الشركات التي يتلاعب المسؤولون الماليون فيها بالكشوفات الحقيقية. وفي وقت سابق، أكد تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن التهرب الجبائي يشكل تقريبا نصف قيمة موارد الميزانية التي تبلغ في المتوسط 17.5 مليار دولار، أي ما يعادل أقل بقليل من نصف الناتج الإجمالي المحلي، والذي يبلغ 40 مليار دولار. وتضررت المالية العامة للبلاد جراء سوء إدارة الحكومات المتعاقبة خلال العشرية الماضية، فضلا عن الانعكاسات السلبية للجائحة على مجمل النشاط الاقتصادي وتداعيات الحرب في أوكرانيا، والتي تجلت في تدهور القدرة الشرائية للناس بشكل غير مسبوق. وقالت سهام بوغديري وزيرة المالية إن الحكومة "تدرس مقترحا لفرض ضريبة على الثروة في عام 2023، في إطار خطة حكومية لتحقيق العدالة الضريبية". وأقرت الوزيرة بوجود تأثيرات سلبية من اتخاذ الخطوة، والتي لم تحدد مقدارها بالضبط، حيث أشارت خلال حديثها إلى أن الضريبة المقترحة على الثروة ستؤثر على العقارات ورأس المال، لكنها لن تشمل الأرباح. ومنذ 2011، تواجه الدولة معضلة في تعزيز إيراداتها لمواجهة الاختلالات المالية المتزايدة، وخاصة في ما يتعلق بوضع حدّ للتهرب الضريبي الذي كبّد خزينة الدولة خسائر كبيرة، وفي ظل ضغوط داخلية وخارجية لاعتماد إصلاحات عاجلة.

مشاركة :