مسؤولٌ مالي يرصد عبر «الراي» أضواء خافتة في النفق اللبناني المُظْلِم

  • 1/5/2023
  • 14:31
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تتسع مساحةُ الانحراف المالي في لبنان سنة بعد سنة، مكتسباً قوةَ دفْعٍ أقوى وأشدّ إيلاماً بفعل التشظي السياسي الذي يعوق تجديد تكوين السلطة التنفيذية انطلاقاً من رأس الهرم الرئاسي، وليس انتهاءً بمهمات العمل العادية في المؤسسات العامة والمستقلّة التي تعاني بدورها «شغوراً» وظيفياً يستمد مشروعيته من تآكل الرواتب والأجور، بحيث يتكفل التضخم المتفلّت بـ«ابتلاع» أي زياداتٍ او معونات طارئة قبل استحقاق دفْعها. وإذ أضحت مصطلحاتُ الانهيار والفقر وانعدام الخدمات العامة و«شطب» المدخرات الأكثر تعبيراً عن تطورات المشهد في الميادين الاقتصادية والنقدية والمعيشية، فليس من المستغرَب أن تنحو الترقّبات في بداية عامٍ جديد الى التسليم الجَماعي بتعذُّر وقف وتيرة التدهور الكارثي بأوجهه كافة، مقرونةً بتعويلٍ غير مسنَد بأي إشاراتٍ جدية حتى الساعة على توافقٍ داخلي ما، يتقاطع حُكْماً مع أجواء ومصالح خارجية ويُفْضي الى تحولات تنتشل البلد وناسه واقتصاده من المستنقع الموحل. وفي خلاصةٍ مقتضبة، حفِل العام المنصرم بما يتعدّى التوصيف الكارثي لجهة كثافة التطورات المُعاكِسة التي تنافستْ في تعميق عوامل التدهور، ولا سيما في الميدان النقدي، لتصيرأشد قسوة على كامل مكوّنات القطاع المالي وأكثر مرارة على أصحاب الحقوق من مودعين ومستثمرين. وبالفعل، فقد انتفت حاجة المؤسسات المالية الدولية الى المزيد من القرائن الدالّة على «فشل» الدولة وانغماسها الطوعي أو المتعمَّد في تعميق الكساد، كما يستخلص البنك الدولي. في المقابل، تبرز ومضات ضوء خافتة - حتى إشعار آخَر- لفتح كوة في الجدار السميك للأزمات المستعصية في البلد المنكوب. ففي قراءةٍ خاصة أجرتْها «الراي» مع مسؤول مالي، يجد فسحةً ولو ضئيلة، للتقدير بأن الفصل الأول من 2023 يحفل بمعطياتٍ يؤمل أن تحمل إحداثيات تقلب وجهة رادار التوقعات الغارقة بالسودوية. وهي جديرة، في حال ثبوتها، بإنتاج صدماتِ إنعاشٍ للوضع النقدي المُنْهَك والمُشْرِف على الموت السريري، بعدما بلغ انحدار سعر الليرة أقصى سرعته وبما يقارب الضعفين إزاء الدولار في العام المنصرم. فمع تأكيداتِ شركة «توتال» وتحضيراتها للبدء بحفر البئر الاستكشافي في حقل قانا الجنوبي وفق مندرجات اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل المنجَزة بنهاية العهد الرئاسي السابق، ينبغي، وشَرْطياً بحسب تحليل المسؤول المالي، الانتقالُ من واقع الهشاشة القابلة للاضطرابات والانفجار إلى تثبيت ركائز الاستقرار الداخلي المبني حُكْماً على إعادة انتظام السلطات. والميزةُ الوازنةُ أن هذا المنحى يتأسس ويستمر بتغطية صريحة من الأطراف الأكثر قوة وفعالية في تحديد مجمل المسارات الداخلية. وتزخر هذه الفرضية بأرجحيةِ توليد مناخاتٍ مختلفة تماماً عن وقائع العواصف العاتية والمظلَّلة بالغيوم الداكنة التي استقرت فوق البلد لثلاث سنوات ونيف، من ضمن مسارٍ يُفترض أن يكون محمياً تلقائياً على المستوى الدولي بحاجةِ العالم أجمع وأوروبا خصوصاً للغاز ومشتقات الطاقة. ومن البديهي في حال صدقت المسوحات الجيولوجية بوجود كميات تجارية واعدة، أن تتغير قواعد اللعبة والمَسالك الداخلية لتتماهى مع هوية البلد النفطي بالرغم من الواقع المتناقض تماماً لإدارة البلد التي تستعدي الحوكمة والإدارة الرشيدة وتمعن في تشريع الأبواب للفساد والهدر والسمسرات. وكشفت تجربة الانهيارات المستمرّة منذ خريف 2019، الأهميةَ الفائقة لتدفقات العملات الصعبة الواردة من اللبنانيين العاملين في الخارج والمغتربين. فمع التقلص الحاد للناتج المحلي إلى نحو 22 مليار دولار كمعدّل وسطي بين تقديراتٍ متباينة، شكلت التحويلاتُ الواردة موقع النواة الصلبة في الاقتصاد المتداعي مع بلوغها رسمياً نحو 7 مليارات دولار، أي ما يوازي ثلث الناتج، بينما هي تلامس نصفه مع احتساب الواردات الإضافية في موسميْ السياحة الصيفي ونهاية العام. وتكتسب هذه التدفقات أهميةً استثنائية في ظل التوقعات بزيادات وازنة ستطرأ عليها تباعاً مع تَمَرْكُز الدفعات الجديدة الواردة من المهاجرين قسراً بعشرات الآلاف سنوياً بسبب الضغوط الحياتية في الداخل. وثمة تقديرات أولية بأن التحويلات الخارجية من اللبنانيين ستشهد طفرات متتالية لا تقلّ نسبتها عن 10 في المئة سنوياً في المرحلة المقبلة. وهو ما يكفل التصحيح المؤثّر في الخلل الحاد الذي يصيب ميزان المدفوعات، ولا سيما مع عودة الأرقام الكبيرة للمستوردات التي شارفت عتبة 20 مليار دولار في 2022. ومع مساحةِ الأمل المشروطة بتصويب أسس كيان الدولة ونضوج توافقاتٍ تكفل إعادة تكوين المؤسسات واستعادة دورها وحضورها، يمكن الشروع بتقليص هوامش الانحرافات الخطيرة التي بلغتْها الأوضاع النقدية والمالية توطئةً للخروج المنظّم من قعر «جهنم». ومن المهمات الملحة، بحسب المسؤول المالي، إعادة هيكلة خطة التعافي بكامل مندرجاتها، وبما يشمل التحديد الموضوعي لخريطة طريق استعادة التوازن المالي وحفظ الحقوق والمؤسسات بمنأى عن استسهال تنصُّل الدولة من موجباتها المالية وتحميل أعباء الفجوة المقدَّرة بنحو 75 مليار دولار للمودعين من مقيمين وغير مقيمين، ما يتناقض تماماً مع استهداف إعادة بناء جسور «الثقة» معهم. بذلك، تصحّ المعادلة التي أطلقها أخيراً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ويجهر بمضمونها أمام زائريه وفي جولاته الخارجية بأن لبنان أمام مفترق طريق، فإما النهوض وإما المزيد من التدهور والانحلال. فالمشهد الماثل حالياً، بوقائعه وبمحطاته الدستورية والاقتصادية والمعزَّزة باستقرارٍ نقدي «مصطنَع» يمكن للبنك المركزي تأمينه بهدف شراء الوقت المكلف من احتياطات متبقية لا تتجاوز 10 مليارات دولار، تمنح لبنان، وفق المسؤول المالي، فرصةً ثمينة لتحقيق انقلاب حقيقي في وجهة المسارات، والتأسيس تالياً لحقبة استعادة النمو وبانطلاقةٍ واعدة يمكن أن تبلغ نسبتها 5 في المئة هذا العام، ومدعّمة لاحقاً باتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي يضمن الحد الأدنى من الإصلاحات الهيكيلة الكفيلة بفتح أبواب دعم المانحين الخارجيين. تتسع مساحةُ الانحراف المالي في لبنان سنة بعد سنة، مكتسباً قوةَ دفْعٍ أقوى وأشدّ إيلاماً بفعل التشظي السياسي الذي يعوق تجديد تكوين السلطة التنفيذية انطلاقاً من رأس الهرم الرئاسي، وليس انتهاءً بمهمات العمل العادية في المؤسسات العامة والمستقلّة التي تعاني بدورها «شغوراً» وظيفياً يستمد مشروعيته من تآكل الرواتب والأجور، بحيث يتكفل التضخم المتفلّت بـ«ابتلاع» أي زياداتٍ او معونات طارئة قبل استحقاق دفْعها.وإذ أضحت مصطلحاتُ الانهيار والفقر وانعدام الخدمات العامة و«شطب» المدخرات الأكثر تعبيراً عن تطورات المشهد في الميادين الاقتصادية والنقدية والمعيشية، فليس من المستغرَب أن تنحو الترقّبات في بداية عامٍ جديد الى التسليم الجَماعي بتعذُّر وقف وتيرة التدهور الكارثي بأوجهه كافة، مقرونةً بتعويلٍ غير مسنَد بأي إشاراتٍ جدية حتى الساعة على توافقٍ داخلي ما، يتقاطع حُكْماً مع أجواء ومصالح خارجية ويُفْضي الى تحولات تنتشل البلد وناسه واقتصاده من المستنقع الموحل. بوتين يمدّ يدَه لأردوغان... والأسد غير مُقْتَنِع منذ يوم بيار الضاهر «على الشاشة» الرئاسية في لبنان 1 يناير 2023 وفي خلاصةٍ مقتضبة، حفِل العام المنصرم بما يتعدّى التوصيف الكارثي لجهة كثافة التطورات المُعاكِسة التي تنافستْ في تعميق عوامل التدهور، ولا سيما في الميدان النقدي، لتصيرأشد قسوة على كامل مكوّنات القطاع المالي وأكثر مرارة على أصحاب الحقوق من مودعين ومستثمرين.وبالفعل، فقد انتفت حاجة المؤسسات المالية الدولية الى المزيد من القرائن الدالّة على «فشل» الدولة وانغماسها الطوعي أو المتعمَّد في تعميق الكساد، كما يستخلص البنك الدولي.في المقابل، تبرز ومضات ضوء خافتة - حتى إشعار آخَر- لفتح كوة في الجدار السميك للأزمات المستعصية في البلد المنكوب.ففي قراءةٍ خاصة أجرتْها «الراي» مع مسؤول مالي، يجد فسحةً ولو ضئيلة، للتقدير بأن الفصل الأول من 2023 يحفل بمعطياتٍ يؤمل أن تحمل إحداثيات تقلب وجهة رادار التوقعات الغارقة بالسودوية.وهي جديرة، في حال ثبوتها، بإنتاج صدماتِ إنعاشٍ للوضع النقدي المُنْهَك والمُشْرِف على الموت السريري، بعدما بلغ انحدار سعر الليرة أقصى سرعته وبما يقارب الضعفين إزاء الدولار في العام المنصرم.فمع تأكيداتِ شركة «توتال» وتحضيراتها للبدء بحفر البئر الاستكشافي في حقل قانا الجنوبي وفق مندرجات اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل المنجَزة بنهاية العهد الرئاسي السابق، ينبغي، وشَرْطياً بحسب تحليل المسؤول المالي، الانتقالُ من واقع الهشاشة القابلة للاضطرابات والانفجار إلى تثبيت ركائز الاستقرار الداخلي المبني حُكْماً على إعادة انتظام السلطات. والميزةُ الوازنةُ أن هذا المنحى يتأسس ويستمر بتغطية صريحة من الأطراف الأكثر قوة وفعالية في تحديد مجمل المسارات الداخلية.وتزخر هذه الفرضية بأرجحيةِ توليد مناخاتٍ مختلفة تماماً عن وقائع العواصف العاتية والمظلَّلة بالغيوم الداكنة التي استقرت فوق البلد لثلاث سنوات ونيف، من ضمن مسارٍ يُفترض أن يكون محمياً تلقائياً على المستوى الدولي بحاجةِ العالم أجمع وأوروبا خصوصاً للغاز ومشتقات الطاقة.ومن البديهي في حال صدقت المسوحات الجيولوجية بوجود كميات تجارية واعدة، أن تتغير قواعد اللعبة والمَسالك الداخلية لتتماهى مع هوية البلد النفطي بالرغم من الواقع المتناقض تماماً لإدارة البلد التي تستعدي الحوكمة والإدارة الرشيدة وتمعن في تشريع الأبواب للفساد والهدر والسمسرات.وكشفت تجربة الانهيارات المستمرّة منذ خريف 2019، الأهميةَ الفائقة لتدفقات العملات الصعبة الواردة من اللبنانيين العاملين في الخارج والمغتربين. فمع التقلص الحاد للناتج المحلي إلى نحو 22 مليار دولار كمعدّل وسطي بين تقديراتٍ متباينة، شكلت التحويلاتُ الواردة موقع النواة الصلبة في الاقتصاد المتداعي مع بلوغها رسمياً نحو 7 مليارات دولار، أي ما يوازي ثلث الناتج، بينما هي تلامس نصفه مع احتساب الواردات الإضافية في موسميْ السياحة الصيفي ونهاية العام.وتكتسب هذه التدفقات أهميةً استثنائية في ظل التوقعات بزيادات وازنة ستطرأ عليها تباعاً مع تَمَرْكُز الدفعات الجديدة الواردة من المهاجرين قسراً بعشرات الآلاف سنوياً بسبب الضغوط الحياتية في الداخل.وثمة تقديرات أولية بأن التحويلات الخارجية من اللبنانيين ستشهد طفرات متتالية لا تقلّ نسبتها عن 10 في المئة سنوياً في المرحلة المقبلة. وهو ما يكفل التصحيح المؤثّر في الخلل الحاد الذي يصيب ميزان المدفوعات، ولا سيما مع عودة الأرقام الكبيرة للمستوردات التي شارفت عتبة 20 مليار دولار في 2022.ومع مساحةِ الأمل المشروطة بتصويب أسس كيان الدولة ونضوج توافقاتٍ تكفل إعادة تكوين المؤسسات واستعادة دورها وحضورها، يمكن الشروع بتقليص هوامش الانحرافات الخطيرة التي بلغتْها الأوضاع النقدية والمالية توطئةً للخروج المنظّم من قعر «جهنم».ومن المهمات الملحة، بحسب المسؤول المالي، إعادة هيكلة خطة التعافي بكامل مندرجاتها، وبما يشمل التحديد الموضوعي لخريطة طريق استعادة التوازن المالي وحفظ الحقوق والمؤسسات بمنأى عن استسهال تنصُّل الدولة من موجباتها المالية وتحميل أعباء الفجوة المقدَّرة بنحو 75 مليار دولار للمودعين من مقيمين وغير مقيمين، ما يتناقض تماماً مع استهداف إعادة بناء جسور «الثقة» معهم.بذلك، تصحّ المعادلة التي أطلقها أخيراً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ويجهر بمضمونها أمام زائريه وفي جولاته الخارجية بأن لبنان أمام مفترق طريق، فإما النهوض وإما المزيد من التدهور والانحلال.فالمشهد الماثل حالياً، بوقائعه وبمحطاته الدستورية والاقتصادية والمعزَّزة باستقرارٍ نقدي «مصطنَع» يمكن للبنك المركزي تأمينه بهدف شراء الوقت المكلف من احتياطات متبقية لا تتجاوز 10 مليارات دولار، تمنح لبنان، وفق المسؤول المالي، فرصةً ثمينة لتحقيق انقلاب حقيقي في وجهة المسارات، والتأسيس تالياً لحقبة استعادة النمو وبانطلاقةٍ واعدة يمكن أن تبلغ نسبتها 5 في المئة هذا العام، ومدعّمة لاحقاً باتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي يضمن الحد الأدنى من الإصلاحات الهيكيلة الكفيلة بفتح أبواب دعم المانحين الخارجيين.

مشاركة :