العقبات أمام تحول نظام الطاقة «2 من 3»

  • 1/5/2023
  • 22:59
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في كتابي بعنوان "الخارطة الجديدة" 2021، بحثت في تحولات سابقة في نظام الطاقة، وتبين لي أن التحول الحالي فريد من نوعه فجميع التحولات السابقة كانت مدفوعة إلى حد كبير بالمميزات الاقتصادية والتكنولوجية وليس بالسياسة التي تشكل المحرك الأساس هذه المرة. وقد استغرق تحقيق كل تحول من التحولات السابقة قرنا من الزمان أو أكثر، ولا يتشابه أي نوع منها مع نوع التحول المتوخى حاليا. فالتحول الجاري لا يهدف إلى إدخال مصادر جديدة للطاقة فحسب، بل يهدف أيضا إلى إجراء تغيير شامل لأسس الطاقة في الاقتصاد العالمي الذي يبلغ حجمه حاليا 100 تريليون دولار، إضافة إلى تحقيق ذلك خلال فترة تزيد قليلا على ربع قرن. ويعد هذا طموحا كبيرا للغاية، إذ لم تحدث قط محاولة لتنفيذ أي عملية بهذا المستوى حتى الآن. ونظرا إلى ضخامة حجم التحول وتأثيره الكبير، نبه البعض إلى ضرورة إجراء تحليل أكثر تعمقا للأثر الاقتصادي الكلي. وقد لاحظ جان بيساني فيري الخبير الاقتصادي، الشريك المؤسس لمركز بروجل، وهو أحد مكامن الفكر الأوروبية الرائدة في مجال البحوث الاقتصادية، أن التعجيل كثيرا ببلوغ الأهداف الخاصة بخفض صافي الانبعاثات الكربونية قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية أكبر بكثير مما كان متوقعا عموما، وما أسماه "صدمة العرض المناوئة التي تشبه كثيرا صدمات السبعينيات من القرن الماضي". وكتب بيساني ـ فيري ببصيرة نافذة في 2021 قبيل حدوث أزمة الطاقة الحالية، أن التحول الحالي "من المستبعد أن يكون مواتيا، وينبغي لصناع السياسات التأهب لاتخاذ قرارات صعبة"، ثم أضاف في 2022 قائلا، "لقد أصبح العمل المناخي إحدى القضايا الاقتصادية الكلية الرئيسة غير أن الاقتصاد الكلي للعمل المناخي بعيد كل البعد عن مستوى الصرامة والدقة اللازم الآن لتوفير أساس سليم للمناقشات العامة وإرشاد صناع السياسات بشكل ملائم. ولأسباب يمكن تفهمها، في الأغلب ما كانت هذه الدعوة تستأثر بالأولوية على حساب التحليل غير أنه وفي هذه المرحلة من النقاش، باتت السيناريوهات المتراخية معوقة لبلوغ الأهداف. فالمحادثات بشأن السياسات تتطلب في الوقت الحالي تقييمات منهجية ومراجعة من قبل النظراء للتكاليف والمنافع المحتملة من خطط العمل البديلة". ويتمثل التحدي الثالث في ظهور فجوة جديدة بين الشمال والجنوب، تتخذ شكل اختلاف حاد بين الدول المتقدمة والنامية حول كيفية المضي قدما في التحول. أما الفجوة الأولى بين الشمال والجنوب في السبعينيات من القرن الماضي فقد كانت عبارة عن صدام بين الدول المتقدمة والنامية حول توزيع الثروات، خاصة تسعير السلع الأولية والمواد الخام. وقد انحسر هذا الانقسام مع قدوم العولمة وتقدم التكنولوجيا، مثلما يتضح في تغير التسمية إلى دول "الأسواق الصاعدة". وتعكس الفجوة الجديدة بين الشمال والجنوب اختلاف الآراء حول سياسات المناخ والتحول وتأثيرها في التنمية وتحديد الجهات المسؤولة عن الانبعاثات التراكمية والجديدة ومن الذي يعانيها. وازدادت الضغوط التي تتعرض لها الدول النامية جراء صدمات السلع الأولية العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة وما أعقبها من خفض لقيم العملات. وبالنسبة إلى الدول النامية، فما يبدو أنه اهتمام استثنائي بخفض الانبعاثات يتطلب تحقيق توازن مع الأولويات الملحة الأخرى، التي تتضمن الصحة والفقر والنمو الاقتصادي، فلا تزال هناك أعداد تبلغ مليارات من الناس تستخدم الخشب والنفايات في الطهي، ما يلوث الأماكن المغلقة ويؤدي إلى اعتلال الصحة. ويسعى كثير من هذه الدول إلى زيادة استخدام الهيدروكربونات باعتبارها عنصرا أساسيا في رفع مستوى المعيشة. وكما أشار دارمندرا برادان وزير النفط الهندي السابق، فهناك عدة مسارات لتحول نظام الطاقة. فالهند، وفي الوقت الذي تبدي فيه التزاما كبيرا تجاه مصادر الطاقة المتجددة، تعمل أيضا على إنشاء نظام لتوزيع الغاز الطبيعي بتكلفة تبلغ 60 مليار دولار. وتسعى الدول النامية إلى بدء استخدام الغاز الطبيعي وتوسيع نطاقه للحد من التلوث داخل الأماكن المغلقة وتعزيز التنمية الاقتصادية وصنع فرص العمل، والحد في كثير من الحالات من الانبعاثات والتلوث الناتجين عن حرق الفحم والكتلة الإحيائية... يتبع.

مشاركة :