تناولت دراسة عن تزايد الطلب على المعادن وأنواع الأهداف لعام 2050 التي طرحتها الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وأجرت تقييما لمتطلبات تحقيق هذه الأهداف من أجل تطبيقات محددة، منها على سبيل المثال: المكونات المختلفة اللازمة لمنظومة الرياح البحرية أو المركبات الكهربائية. فالسيارة الكهربائية مثلا تحتاج نحاسا أكثر بمرتين ونصف على الأقل من المركبة ذات محرك الاحتراق الداخلي التقليدي. وخلص هذا التحليل إلى أن الطلب على النحاس لا بد أن يتضاعف بحلول منتصف الثلاثينيات من هذا القرن لتحقيق أهداف عام 2050. وتكمن نقطة الاختناق في جانب العرض. فمع المعدل الحالي لنمو العرض الذي يشمل المناجم الجديدة وتوسيع المناجم وزيادة الكفاءة وإعادة التدوير، وكذلك الإحلال ستكون كمية النحاس المتوافرة أقل بكثير من متطلبات الإمداد به فعلى سبيل المثال، تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن المنجم الجديد يتطلب 16 عاما بدءا من اكتشافه وصولا إلى باكورة إنتاجه. وتقول بعض شركات التعدين إن الأمر يتطلب أكثر من 20 عاما. ويعد إصدار التراخيص والقضايا البيئية من القيود الرئيسة في شتى أنحاء العالم. وكذلك فإن إنتاج النحاس متمركز بشكل كبير مقارنة بالنفط مثلا، فثلاث دول قد أنتجت 40 في المائة من النفط العالمي خلال عام 2021، وهي الولايات المتحدة والمملكة وروسيا ودولتان اثنتان فقط أنتجتا 38 في المائة من النحاس، وهما تشيلي وبيرو. انخفضت أسعار النحاس بنحو 20 في المائة من أعلى مستوى لها هذا العام. وهو ما يعكس دور المعدن الذي كثيرا ما يوصف بأنه Dr. Copper، إذ إن سعره ينبئ بحالات من تباطؤ النشاط والركود الاقتصادي. وبالفعل فقد تنبأ صندوق النقد الدولي بحدوث تباطؤ حاد في النمو العالمي خلال عام 2022، وتوقع أيضا حدوث تباطؤ خلال عام 2023 وركودا محتملا، مثلما تنبأت عديد من الجهات الأخرى المختصة في وضع التنبؤات. غير أن أسعار النحاس سترتفع مرة أخرى عقب الركود مع زيادة الطلب الناتج عن التحول في نظام الطاقة. وحسب النمط التاريخي، فمن المرجح أن زيادة الطلب والأسعار ستثير توترات جديدة بين الدول التي تمتلك الموارد وبين شركات التعدين، الأمر الذي سيؤثر بدوره في معدل الاستثمار. وعلاوة على ذلك، مع تزايد حدة السباق للوصول بالانبعاثات إلى الصفر الصافي، فثمة خطر بأن تشتعل المنافسة على المعادن فيما أصبح يعرف بأنه "تنافس القوى العظمى" بين الصين والولايات المتحدة. وتهدف الدراسة المعنية بالنحاس التي أجرتها "ستاندرد آند بورز جلوبال" إلى الإسهام في تقديم تحليل أكثر تعمقا للتحديات المادية أمام تحول نظام الطاقة، فصناعة طاقة الرياح تتمتع بما أسماه الداعم الإنجليزي للطواحين الهوائية في القرن الـ12 "المنفعة المجانية من الهواء". والطاقة الشمسية تستفيد مجانا من الشمس غير أن المدخلات المادية التي تدخل في استغلال طاقة الرياح والشمس لا تخلو من التكلفة. ومن المحتمل أن تواجه الجهود المبذولة لتحقيق جزء كبير من أهداف عام 2050 في عام 2030 قيودا مادية كبيرة. وسيكون لكل تحد من هذه التحديات الأربعة -أمن الطاقة والتأثيرات الاقتصادية الكلية والفجوة بين الشمال والجنوب والمعادن- تأثيرات كبيرة في كيفية تطور عملية تحول نظام الطاقة، كما أن التعامل مع أي منها لن يكون بالأمر اليسير وستتفاعل مع بعضها بعضا، ما سيفاقم من تأثيراتها، غير أن إدراكها سيسهم في إيجاد فهم أعمق للقضايا والمتطلبات خلال السعي لتحقيق التحول في نظام الطاقة.
مشاركة :