بعد أن كتبت مقالي الماضي عن الوظائف للنساء، وبقية الواقفين في الطابور، علق عليه عدد من الذين يهمني سماع رأيهم، منهم من يرى أن الحلول المطروحة ضعيفة النتائج، ومنهم من يلمس تحولا إيجابيا مهما في سوق العمل. الموضوع يمس كل بيت، ولا يخص السوق السعودية وحدها، بل كل المنطقة، فالبطالة مشكلة عامة، اجتماعية واقتصادية وسياسية. والحكومة في الأخير مسؤولة ومساءلة. ونتفهم أن مهمة الحكومة اليمنية صعبة، لأنها بلا موارد، وكذلك الحكومة المصرية، لأن عليها إطعام نحو ثلاث مرات من البطون ما على الحكومة السعودية تأمينه. حول الموضوع أيضا سألت من هم على الآخر، مثل الصديق محمد العقيل رئيس مجلس إدارة شركة «جرير»، لكونه يعرف أكثر، بحكم معايشته الميدانية، وتجربة مؤسسته الناجحة التي بدأت من الصفر.. يرى أن وزارة العمل غيرت سوق العمل، وحققت نتائج إيجابية، يقول: «نرى نتائجها على الأرض، في مكتباتنا، وفي السوق عموما». وأكثر م[]ن اقتصادي استدل بالإحصاءات الرسمية، تلك التي لا تشرف عليها وزارة العمل.. مصلحة الإحصاءات تظهر أرقاما إيجابية بعد القرارات الماضية، بطالة الذكور أكثر قليلا من ستة في المائة، وهي نسبة مقبولة، أما بين النساء فهي مخيفة، نحو 35 في المائة. وهناك من لا يشكك في الأرقام بل في تفسيرها، أحدهم قال لي: هذه أرقام صماء، قد تكون مخادعة، لأن هناك تسجيلا وهميا كبيرا في السوق بهدف إرضاء شروط وزارتي العمل والتجارة. وقال إن أدوات الإحصاء الرسمي ضعيفة، خاصة في غياب وجود ضرائب على الناس والشركات التي تعطي الدولة قدرة على معرفة تفاصيل مداخيل كل ساكن في البلاد.. ماذا يفعل، وكم يجني، وكم ينفق. أيضا، أنا لا أريد أن أجادل رقميا، فما دام هناك شباب عاطلون ونساء مؤهلات قاعدات في بيوتهن، تبقى الحاجة إلى حلول. وطموحاتنا ليست وظيفة لكل شاب وفتاة، بل أن تكون وظيفة مفيدة ومنتجة للبلد، وتمنح العيش الرغيد لا العيش الكافي للمواطن. الإمكانات ضخمة، والفرص ممكنة لبناء سوق قادرة على أن يكون المواطن يحصل على أكثر ما يحصل عليه السنغافوري في بلده. ما الذي ستفعله وزارة العمل خلال ثلاث سنوات مقبلة، بعد أن تكون الجامعات قد خرجت الـ900 ألف طالب الذين يدرسون اليوم في أربع وعشرين جامعة محلية؟ ما الذي ستقوله عندما يعود أكثر من 140 ألف متخرج ومتخرجة من الجامعات الأميركية والأوروبية وغيرها؟ لا تستطيع أن تقول لهم: تعليمكم ضعيف، أو لا تعرفون لغة ثانية! ولن يكفي أن تعطيهم راتب وظيفة يعادل مكافأتهم الجامعية. مليون متخرج في نحو ثلاث سنوات فقط يعني أن المقبل أكبر من الساعة الراهنة، وهنا أسألكم: كيف سنواجه التسونامي الآتي؟ لا أريد أن أقلل من إنجاز وزير العمل عادل فقيه الذي فعل أكثر من مجرد منح وظيفة، الرجل يغير ثقافة مجتمع، ويصحح أوضاعا عمرها عقود. إنما تسونامي المليون طالب وظيفة أكبر من سد الوزير. في الوقت نفسه أصر على أن الإمكانات والظروف تسمح بالأفضل. القطاع الطبي لا يزال المواطنون فيه أقلية صغيرة، وهو قطاع يؤهل المنتسبين له بثقافة صحية عالية ويرفع مستوى المجتمع والدخل معا، أكثر من المهن الأخرى. أيضا، بإمكان الدولة إكمال بناء مؤسسات قادرة على التوظيف نوعا وكما. «أرامكو»، و«سابك»، و«الخطوط السعودية»، كلها في الأصل مؤسسات حكومية ناجحة، ومعظم عامليها سعوديون، وبأرقام كبيرة. القطاع المصرفي، هو الآخر، جرت سعودته، واليوم حقا هو أفضل نظام بنكي في السوق العربية. هل بإمكان الحكومة بناء مؤسسات كبيرة خدمية في التقنية والإنشاء والمهن المختلفة تقدم خدمات متخصصة، تتولى تدريب وتوظيف السعوديين، ولاحقا يجري تحويلها إلى مؤسسات خاصة أو مختلطة؟ فالتعليم المهني والفني والتقني نصف الحل، لكن من دون مؤسسات كبيرة تستوعبهم وتؤمن لهم الحدود المعقولة، وترفع مستوى السوق، لا قيمة لتعليم الناس من دون سوق منظمة وكبيرة تحمي الموظفين وترفع مستوى الخدمات. الفرصة موجودة، والإمكانات كبيرة، وهذا هو الجانب الإيجابي. alrashed@asharqalawsat.com
مشاركة :