د. عبدالله الغذامي يكتب: الإنسان الكامل الناقص

  • 1/7/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في كلمة مأثورة عن عبدالملك بن مروان أنه قال: ‏«ما من أحدٍ إلا ويعرف عيب نفسه»، ولكن الواقع البشري يشير إلى ميل النفوس لتصور الكمال فيها مقابل العيب في غيرها، وقد نرى بيت المتنبي الذي يقول: ما أبعدَ العيبَ وَالنقصانَ عن شَرَفي أنا الثُّريا وذانِ الشيبُ والهَرَمُ وهو بيت فخري مغالٍ في فخريته ولكنه يصف نظرة الذات لذاتها وميزانَ النفس في تصور المرء لحاله. ويقع بين الخيارين قول الشاعر النجفي الشيخ علي العذاري: أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: نهايات المتنبي د. عبدالله الغذامي يكتب: كم نحن بحاجة للصمت يرى فيّ بعض الناس نقصاً وبعضهم كمالاً وكلٌّ في الحقيقة صادقُ وهذا بيت واقعي فنحن نقع في عيون غيرنا، وكذلك نقع في ظنونهم وفي موازينهم، وهذه كلها حالات تتغير حسب درجات الرضا عنا أو السخط منا أو حسب صروف الغيرة والتنافس والحسد أيضاً، وفي كل حالة من صروف العلاقات العامة تحدث التصورات حتى ليكون الواحد منا طيباً وملائكياً في عيون البعض، وشيطاناً رجيماً في عيون آخرين، ولا شك أن الإنسان خليط من بعض هذا وبعض ذاك، ولن نرى إنسانًا تستقر حاله على وضع واحد بين الخير والشر، فالبشر قادرون على فعل الشر بمثل قدرتهم على فعل الخير بما أنهم يملكون «إرادة حرة» تتولى توجيه أحوالهم في كل شأن يقع ضمن اختياراتهم، وحكم الناس على الناس يأتي حسب ما لقيه كل شخص من أخيه، وهذا ما وقعت عليه ملاحظة أبو العتاهية حين قال: «أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوحُ». والفاضل منا من يعرف نواقصه ويحمد الله على سترها، وستظل صورتنا كما هي في عيون غيرنا حسب معطيات الغير وخبرتهم عنا، ولن تجد شخصيةً عامةً أو تاريخيةً إلا وسيرتها مختلطة بين كمال ونقص، وقديما قالوا عن غضبة الحليم وهي اللحظة التي ينقلب فيها الإنسان الخير إلى برميل متفجرات حسب ما اختزنته نفسه وصبره المعهود عنه حيث ينفجر غضبه بأخطر من أي غضب معتاد ولذا قالوا باتقاء هذه اللحظة الشيطانية التي تحول الملائكي إلى شيطاني. وكلما زادت الرغبة في الكمال أعاقت السلوك الواقعي ولابد من مصالحة ذاتية لإقامة توازن واقعي ‏بين نقص ينتابنا وكمال نتطلبه، والحالتان صحيحتان وواقعيتان في أحوالنا كلها. على أن النقص هو المخزن الأكبر للمعرفة وللابتكارات وكما قيل فالحاجة أم الابتكار وهذا يعني مزية الحس بالنقص وكما قال الإمام الغزالي فميزة العقل هي في قدرته على كشف عجزه، على عكس دعوى المتنبي بقوله: كَم تَطلُبونَ لنا عيباً فَيُعجِزُكُم وَيَكرَهُ اللهُ ما تأتونَ والكَرَمُ بينما الحق هو في كشف العجز إذ له فائدةٌ عظمى كحال كشف العقل عن عجزه وهي الميزة التي تجعل العقل يفكر ويجترح سبلاً لعقلنة العجز أو لتحري وجوه توقي أضراره.

مشاركة :