يقول المتنبي ودع كل شعر غير شعري فإنني أنا الطائر المحكي والآخر الصدى أخبار ذات صلة الفعاليات الثقافية.. وغياب الجمهور! «حكماء المسلمين» يشارك فى معرض الكتاب الإسلامي وهو بيت يحمي علاقة الذات بالآخر، حيث يضع الذات في فضاءات العلو، ولن يتحقق للذات علوها إلا بإلغاء الآخر حسب المعادلة التي يرسمها البيت بين الأنا والآخر الصدى الذي هو مجرد انعكاس للذات كما تتصور نفسها وتصنع علوها الذي هو علو لا منافس له وكل غيره ليس سوى انعكاس باهت له. لقد قالها المتنبي في لحظة من لحظات الانكشاف النسقي، وهي لحظات تعتري الذات البشرية حين تشعر أن مقامها يتعرض لمنافسة مع الغير، وفي عصرنا تتجلى هذه الحالة في الحملات الانتخابية السياسية، حيث يحتشد المنافسون ليقولوا بيت المتنبي نفسه وإن بلغات وصيغ متنوعة، فكل واحد منهم سيكون الطائر المحكي وغيره الصدى، ويتكرر الموقف بمعادلته هذه مع أي حال مواجهة عامة أو خاصة، وقد كان ذلك جلياً بين الشعراء في النقائض الهجائية، حيث ينقض كل واحد من المتهاجين قبيله ويحوله لمجرد صدى شعري ومعنوي، وفيما يسمى بالمعارك الأدبية في الجيل الثقافي الأول بمصر في القرن العشرين كانت المبارزات تتم بصيغة كأنها ترجمة لبيت المتنبي. وتكررت صيغ المعارك هذه في أقطار عربية كثيرة، وكان جيلنا الأول مهاراً بها ولعل معارك الأدباء المصريين كانت قدوةً معنوية للكل لتسهل عليهم اقتراف التعارك دون ملامة ذاتية أو مجتمعية. وهذا كاشف نسقي سنراه لدى فرويد ويونج، حيث وقع بينهما خلاف عنيف من بعد وفاق عظيم، وذلك بسبب اختلاف تصوراتهما عن مفهوم الوعي واللاوعي، مما أدخلهما في منازعة تستدعي بيت المتنبي ليصف لنا الحدث، وهذه أمثلة عابرة للعصور وللثقافات تشير إلى أن الإنسان ميال لأن يتصور نفسه بوصفه «طائراً محكياً» وغيره مجرد صدى، وهي معادلة تنتهي بأن الكل هو «الأفضل والمفضول في آن»، وكل واحد هو الطائر عند نفسه وهو الصدى في نظر قبيله، وفي كل احتكاك بشري يحضر فيه الآخر فسترى الأنا تحضر لكي تبدأ القياسات وهي بداية ذات مسار واحد ينتهي بخلاصة قطعية عن الطائر المحكي والآخر الصدى، وسيراها كل واحد من الطرفين عبر هذه المعادلة النسقية بمعنى تثبيت الذات مقابل إلغاء الآخر، ولا سبيل في هذه المعادلة النسقية إلا عبر ثنائية الطائر والصدى. وكلما أحس شخص بارتفاع شأنه في عيون الآخرين انعكس ذلك الارتفاع في عيونه أيضاً، وإذا تضخمت الصورة في مرآة الذات وصل الشخص لدرجة الطائر وكل غيره الصدى، خاصة لمن وقع في حال التحدي حين يحصل تهديد لمقامهم الرفيع افتراضاً، «ودع كل شعر غير شعري» والتبرير الذاتي عنده هو أنه «الطائر المحكي وغيره مجرد صدى له» وسيحول السبب إلى تبرير للتفوق وحجة له تتبدى في صيغة قياس منطقي تصنعه الذات لنفسها وتفرض فيه حجتها.
مشاركة :