كانت الحكومة ولاتزال ترعى للتعليم حقه وتجعله من أولى اهتماماتها وتحرص على ظهور مخرجات التعليم في الصورة المطلوبة ولا أدل على ذلك من أنها تنفق على قطاع التعليم ما يقارب الربع من ميزانيتها السنوية وبزيادة تقارب 21% عما تم تخصيصه بميزانية عام 1433/1434هـ حتى يظهر للعالم المستوى الثقافي والفكري للشعب السعودي متمثلاً في النضج الفكري ومواكبة التطور الثقافي والصناعي، الذي يعيشه العالم من حولنا وما كان من صدور أمر رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة لتقويم التعليم العام يعكس هاجس الحكومة، الذي ينم عن الحرص على أبنائنا الطلاب والوصول بمركب التعليم إلى ساحل الحضارة العلمية، الذي يشكل العمود الفقري المؤدي إلى الارتقاء بمستوى فكر ومعرفة الطالب ليكون بمفرده جزءاً من كل مَنْ يسهم في تطوير البلاد، وبناءً على هذا الهدف فإن القاعدة الفقهية تقول (كل ما يؤدي إلى واجب فهو واجب) وعليه، فإن الهدف الذي ينشده كل ولي أمر من التعليم عند إلحاق ابنه بمركب التعليم هو ما سبق ذكره. وبعيداً عن التنظير والرؤية الفلسفية، فإن واقع الطلاب والطالبات بات في حاله يرثى لها فهو/ هي يعيشان شتاتاً بين مناهج تسير خلف التيار وإعلام يحمل أفكاراً وأهدافاً معينة أبسطها تسطيح اهتماماتهم وسياسة تعليم قد تكون بعيدة عن تحقيق الأهداف المطلوبة من التعليم وانتشار المخدرات والمواقع الإباحية والخطابات الدينية المتطرفة والعنصرية والمناطقية وغيرها من العناصر التي تسهم في إيجاد سلوك وتصرفات تجعل كل ذي لب يضع التعليم تحت المجهر متسائلاً عن دور التعليم في كبح جماح هذه التيارات وإيجاد حاجز منيع دون اختراقها لفكر كل مَنْ يقعد على مقاعد الدراسة فهي مجتمعة تسهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في إيجاد سلوكيات الطلاب والطالبات وتنعكس على الواقع الذي نعيشه الممزوج بالفوضى والهمجية، ولك عزيزي القارئ أن تنظر إلى ما وصلت إليه إحصائيات قضايا التحرش الجنسي، التي كان آخرها شهرة ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي في مجمع الظهران التجاري ناهيك عن المسكوت عنه إعلامياً من جرائم الأحداث، التي قد تصل إلى حد القتل ومنها ما ينتشر حول تحديد أماكن وأوقات لتجمع الشباب لممارسة التفحيط وتمجيد الأبطال فيها وما يصاحبها من تغيير أشكال المركبات -وهو أكثر ما يثير استغرابي- وكأن حماس الشباب الذي يُحكى عنه يقف حاجزاً عن النهوض باهتماماتهم عن سفاسف الأمور، وكأن البحث عن المعرفة يعتبر جريمة بحق مَنْ يقترفه في صرخة تنادي التعليم بإنقاذ فلذات الأكباد من هذا الوحل الفكري والسلوكي. كنت قد أشرت في مقال سابق عن دور الأندية الأدبية المأمول في احتواء فكر وحماس الشباب بإيجاد المسابقات العلمية والأدبية ورعايتها على أعلى مستوى في المناطق وتغطيتها من قبل المؤسسات الإعلامية لامتصاص طاقات الشباب وإيجاد روح المنافسة الشريفة بينهم، والنهوض بالمواهب التي محاها اهتمامات أخرى فيما يعود على أنفسهم أولاً، ثم على الوطن بالفائدة ومن باب الرفق بالشباب من الجنسين، فإن الحقيقة أن مدارسنا التي نحملها مسؤولية سلوك الطالب / الطالبة، التي نطالب بأن ينعكس نتاج تعليمها على تصرفاتهم فحري أن تكون في أولى اهتمامات لجنة تقويم التعليم وكوني معلماً سابقاً، فقد تجد من الصعب على كلٍ من المعلم / المعلمة والطالب ترقية مستوى التفكير والتحصيل المعرفي في فصل دراسي بني حتى يكون مطبخاً أو ساحة كانت «كراج» للسيارات ليتخرج الطالب/ الطالبة مهندساً أو طبيباً أو كيميائياً يعمل بشركات النفط بينما وضع معمل المختبر في مستودع لا يصلح إلا أن يكون محلاً لتخزين أثاث البيت، أما نشاط مكتبات المدارس فالسكوت عنه هنا أفضل وما يعلمه القارئ الكريم أو لا يعلمه بأن هناك معلمين من أصحاب السوابق الجنائية يقفون أمام لوحة الفصل الدراسي يستقي منهم الطلاب العلم والقدوة فضلاً عن جهل كثير من المعلمين بحقوقهم أو فشلهم في اجتياز الدورات التي تعقد لهم في تدريس المناهج المعتمدة قريباً من الوزارة، التي هي -المناهج- مثار جدل كبير في مدى تحقيق المعرفة والمعلومة الجديدة بعد صرف المبالغ ذات الأرقام المخيفة على دراسة تطويرها ناهيك عن التطوير ذاته، والحقيقة في رأيي أن كثيراً من المدارس في وطننا لا تصلح بأن تكون بيئة دراسية تعليمية تربوية ما أود أن أهمس به في أذن كل مَنْ يقوم على لجنة تقويم التعليم هو أننا نريد أن ينعكس التعليم على سلوك وتفكير كل طالب وطالبة فهم فلذات أكبادنا ولا تجعلوهم حقل تجارب فيكفي ما مضى من تجارب في هذا الحقل الغض، فلم يعد هناك عذر مقبول للتراخي في التعليم.
مشاركة :