تفرض الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر وتونس نوعا مختلفا من التفكير للتغلب على تداعياتها والحد منها بأدوات خلاقة ثم الانطلاق لتغيير الواقع بأدوات غير نمطية، فمن المهم أن يلجأ البلدان إلى تعزيز الابتكار في المجالات المختلفة في الفترة المقبلة في ظل ظروف تتطلب التحسين، فالهدف من وراء الاهتمام بالابتكار هو تمكين الشركات من تحقيق قيمة اقتصادية مضافة توفر فرص العمل وتضاعف التصدير. القاهرة - أصبح الابتكار من أفضل الطرق لمواجهة التحديات في قطاعات عديدة، ومع مساعي الحكومات لتعميق الابتكار من الواجب توفير البيئة المناسبة لذلك، والتي تفرض منح القطاع الخاص فرصا جديدة، لأنه الأنسب لإدارة الدفة وسط الأوضاع الراهنة التي تمر بها مصر وتونس، لأن الاتجاه الحكومي في الابتكار يغلب عليه طابع البيروقراطية الإدارية وانتشار الفساد. وحلت مصر في المرتبة 89 في مؤشر الابتكار العالمي العام الماضي، والذي ضم 132 دولة مقارنة بالمرتبة 94 في 2021 و96 في العام السابق عليه، بينما جاءت تونس في المرتبة 73 مقارنة بالمركز 71 في 2021 و65 في العام السابق عليه، وهو ما يبرهن على أن معدل الابتكار في تونس شهد تحسنًا نسبيا عن نظيره في مصر على المستوى الكلي، والتراجع أيضا جاء بدرجة أقل. ويوجد في تونس ما يسمى بـ”محاضن للابتكار ونقل التكنولوجيا” في حوض البحر المتوسط، بجانب اليونان وإسبانيا، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وهو أحد مشروعات برنامج التعاون عبر الحدود، ويهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية والبيئية الرئيسية العادلة والمنصفة والمستدامة في منطقة البحر المتوسط. محمد سعيد: من الضروري توفير بيئة قانونية وبحثية مواتية لتعزيز الابتكار محمد سعيد: من الضروري توفير بيئة قانونية وبحثية مواتية لتعزيز الابتكار وتعمل التنمية على تعزيز التكامل عبر الحدود وتثمين قيمة مناطق الدول المشاركة في مواجهة التحديات كمساهمة في دعم البرامج الاجتماعية والاقتصادية بتمويل مشترك من الاتحاد الأوروبي في إطار برنامج التعاون عبر الحدود في المتوسط. وتعد مصر من الدول التي بدأت القيادة في الابتكار بشكل عام في أفريقيا وبعدها المملكة المغربية في منطقة شمال أفريقيا، وهي الآن تلاحق مصر وتتحرك بخطوات أسرع، ما يدعم الاستقرار السياسي والاقتصادي، لكن تونس لم تتحرك بقوة في هذا المجال، على الرغم من تقدمها في مؤشر الابتكار العالمي المهتم بالتقنية بشكل أكبر. ومن العوامل التي تعزز تصدر مصر كونها بدأت الابتكار في التكنولوجيا أو البنية التحتية مبكرًا، وأن تعداد سكانها الكبير (يبلغ الآن نحو 105 ملايين نسمة) يعزز من فرص الابتكار بشكل أوسع، وكذلك موقعها الجغرافي وقربها من أسواق أفريقيا والخليج وهو محفز جيد للابتكار لجني ثمار تنفيذ أفكار خارج الصندوق بمختلف القطاعات. تطوير تحتاج مصر وتونس إلى تطوير الابتكار في الزراعة والصحة وغيرهما، لكن التركيز منصب بصورة كبيرة على التكنولوجيا الفترة الماضية، في حين أن البلدين بحاجة ماسة إلى الابتكار بشكل أكبر في القطاعات الأساسية مثل الزراعة من خلال استنباط شتلات أكثر إنتاجية وأقل استهلاكا للمياه، ومنح الثروة الحيوانية واللحوم أولوية متقدمة عبر تطوير وإنتاج اللحوم المصنعة والمنتجة بالمعامل. ويطالب خبراء في البلدين بضرورة التوسع بشكل كبير في قطاعات مثل الصحة وصناعة السيارات والطاقة، ومع أن هناك خطوات جيدة اتخذت في هذه القطاعات، غير أن سرعة الابتكار في الرقمنة لا تزال تستحوذ على جزء كبير من كعكة الابتكار، وظهر ذلك في اتجاه عديد من الشركات الناشئة ورواد الأعمال إلى هذا القطاع أخيرًا. وثمة علاقة طردية بين الاقتصاد والابتكار، وهما عاملان مكملان لبعضهما، وما حدث في مصر وتونس من عدم استقرار سياسي في سنوات سابقة أثر على الاقتصاد سلبًا ما جعله سببًا في إعاقة الابتكار، ورغم ارتفاع منسوب الاستقرار السياسي بعد ذلك، إلا أن السلطات الحاكمة لم تقدم الدعم اللازم لتنمية الابتكار. إبراهيم الحدودي: البلدان يوجهان التمويل للقطاعات التقليدية ويهملان الابتكار إبراهيم الحدودي: البلدان يوجهان التمويل للقطاعات التقليدية ويهملان الابتكار وقال عضو جمعية الاتصال لتكنولوجيا المعلومات بالقاهرة محمد سعيد إن عدم وجود دعم مناسب لفرص الابتكار يدفع المبدعين ورواد الأعمال إلى الهجرة، ونفس الحال ينطبق على الخبرات في الجهات الحكومية وأصحاب الفكر، وظهر ذلك في حالة شركة سويفل التي تأسست في مصر ثم هربت إلى الإمارات باعتبارها بيئة اقتصادية ملائمة للتوسع والانطلاق للعالمية. وتعد المعوقات الاقتصادية والبيروقراطية والفساد من أهم العوامل الطاردة للابتكار، مع أن الابتكار إذا حصل على فرصته كاملة في القطاعات المختلفة سوف يعزز من نمو اقتصاد الدول، لكن ما يحدث في دول مثل مصر وتونس من تقويض للابتكار يفسر جانبا مهما في الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلدان حاليا. وأضاف سعيد في تصريح لـ”العرب” أن الابتكار في البرمجيات من أهم العوامل الجاذبة للعملات الأجنبية، حيث تصل صادرات الهند إلى نحو 160 مليار دولار سنويًا بسبب الاهتمام بهذا القطاع، بينما تظل مصر وتونس في مقدمة الدول المستهلكة. ويتطلب الابتكار توفير مجموعة من العوامل المهمة، أبرزها توفير مناخ ملائم وليس تمويلاً فقط، وقد يكون ذلك أفضل من الاهتمام بالبنية التحتية، فالابتكار في التكنولوجيا والأغذية سيكون العائد منهما أكبر من التركيز على قطاعات أخرى. وأكد الخبير الاقتصادي المصري إبراهيم الحدودي أن الدول النامية ومنها ومصر وتونس، تعاني من عدم الترشيد في توجيه الانفاق نحو قطاعات تقليدية لا تدر عائدًا أو ربحًا على الأجل القصير، وهو ما ظهر في العثرات التي يعاني منها البلدان. ترشيد الإنفاق Thumbnail تسعى مصر لتعزيز الابتكار بمختلف القطاعات، وأطلقت مشروع رواد 2030 بهدف تأسيس المشاريع الخاصة والعمل على تكريس دور ريادة الأعمال في المشروع ويشمل توفير خدمات مثل المنح التعليمية لدراسة مجال ريادة الأعمال بشكل أعمق، ودعم حاضنات أعمال للشركات الناشئة التي تقدم أفكارًا جديدة في سوق العمل. وأوضح الحدودي في تصريح لـ”العرب” أن توفير الدعم لبعض المشروعات الحكومية الداعمة لريادة الأعمال يمثل خطوة جيدة، لكن ما يُفسد الابتكار الناتج عن هذه المشروعات يكمن في استنزاف الجهود في التغلب على الروتين والفساد المستشري، حيث يقوم بالإشراف عليها موظفون يرون أن الحكومة هي صاحبة رأس المال، وهو ما يفتح الباب أمام تغلغل المحسوبية. مصر وتونس تحتاجان إلى تطوير الابتكار في الزراعة والصحة وغيرهما بدل التركيز فقط على التكنولوجيا لتحفيز الاقتصاد ويهدف مشروع الرواد في مصر إلى تحفيز وإثراء ثقافة الابتكار وريادة الأعمال من خلال وضع منظومة متكاملة للابتكار، بحيث يصبح ركيزة أساسية ضمن الاقتصاد، تطبيقًا لرؤية إستراتيجية الدولة 2030 للتنمية المستدامة. ويأتي إسناد البرامج الابتكارية إلى القطاع الخاص بمثابة حل مناسب للنهوض بالابتكار في الدول، لأنه ينطوي على حرص على الاستثمار وتنمية رأس المال، عكس التفكير الحكومي الذي تطغى عليه المحسوبيات. وابتكرت شركة تونسية ناشئة في أكتوبر الماضي طائرات مسيّرة مجهزة بالتصوير الطيفي والذكاء الاصطناعي بهدف مساعدة المزارعين على استعادة عافية المزروعات، والحفاظ على المحاصيل غالية الثمن، وجاء هذا المشروع في وقت يعاني فيه المزارعون التونسيون من تبعاتِ التغيرات المناخية والجفاف.
مشاركة :