يؤكد قيام القاهرة بمراجعة شاملة لإستراتيجية جذب الاستثمارات ضعف الجدوى الاقتصادية للخطط الحالية، وهو ما دفع الحكومة إلى إعادة تقييم المشكلة الأبرز المتعلقة بالبيروقراطية، والبحث عن حلول مستدامة لتحسين مناخ الأعمال ومعالجة الاختلالات المالية المزمنة. القاهرة - تسعى السلطات المصرية إلى اعتماد قواعد أكثر تحفيزا بالهيئة العامة للتنمية الصناعية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، في محاولة تهدف إلى إصلاح مناخ الأعمال وتعزيز نشاطه بشكل أكبر في السنوات المقبلة. وتواجه الحكومةُ عراقيل كثيرة في مسار تحقيق أهدافها بعد أن أكدت شكاوى المستثمرين، وفي مقدمتهم المحليين، أن الطريق لا يزال طويلا حتى تصل إلى النتائج المطلوبة، إلا إذا تغلبت على البيروقراطية العتيدة في الدوائر الحكومية التي يتعامل معها أصحاب المصانع. وكشفت الهيئة العامة للتنمية الصناعية عن قرب الانتهاء من إستراتيجية جديدة في الأيام المقبلة، على أن تقوم بعرضها على المستثمرين أوّلا. وتشمل أبرز بنود المراجعة الإجراءات الخاصة بتراخيص المصانع والسجلات الصناعية مع الجهات الأخرى والعمل علي تيسيرها كخطوة أساسية. وأكدت الهيئة أنها تعمل على تحسين بقية الخدمات التي تقدمها إلى المستثمرين للوصول بها إلى التحول الرقمي تماشيا مع خطة الدولة من خلال الاستفادة من تجارب الدول الأخرى. نادر عبدالهادي: المستثمر ضحية المشاكل وغياب التنسيق مع الهيئة الصناعية نادر عبدالهادي: المستثمر ضحية المشاكل وغياب التنسيق مع الهيئة الصناعية وتثبت تصريحات متكررة أدلى بها مسؤولو الحكومة الاهتمام بالصناعة لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وتوفير بيئة محفزة لتوطين الصناعات ذات القيمة المضافة والسعي إلى زيادة المكون التكنولوجي، لكن ذلك يصطدم بالبيروقراطية في الواقع العملي. وتأتي مساعي تسهيل إجراءات الرخص الصناعية بعد أن أعلنت الهيئة الصناعية طرح المرحلة الرابعة من الخارطة الإلكترونية للاستثمار الصناعي بالتعاون مع الهيئة العامة للاستثمار على الموقع الإلكتروني للهيئة. وتتضمن هذه المرحلة إتاحة 1051 فرصة استثمارية صناعية في 11 محافظة من بين 27 محافظة بمختلف القطاعات، مع إمكانية التقدم للحجز إلكترونيا من أي مكان. وقررت وزارة التجارة والصناعة تحسين إدارة المناطق الصناعية بتشكيل لجنة مكونة من الهيئة الصناعية ومركز تحديث الصناعة والمحليات ومجلس النواب لزيارة المناطق الصناعية من أجل الوقوف على التحديات التي تعترض المستثمرين والعمل على إيجاد حلول جذرية لها. وقال رئيس جمعية تحديث الصناعات الصغيرة في الإسكندرية نادر عبدالهادي إن “المستثمر هو ضحية التداخل في المنظومة وضعف أداء الهيئة الصناعية التي تعاني من مشاكل مؤسسية تتمثل في علاقتها بالجهات الأخرى والخلل في إدارتها، وعدم تشكيل مجلس إدارة لها”. واشتكى مستثمرون طيلة السنوات الماضية من المشكلات التي تمثلت في تعدد اللجان داخل الهيئة، فضلا عن وجود حملات سنوية حتى في حالة التراخيص بالإخطار مفتوح المدة. كما يتذمرون من وجود معيار معيب لدى الهيئة غير متعارف عليه لتمييز المشاريع الصغيرة والمتوسطة وفقا لمساحة الأرض، وهو ما يتعارض مع تعريفات المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الجهات الأخرى. وأكد عبدالهادي لـ”العرب” أن “الهيئة تفتقر إلى المعايير الفنية لاختيار قادتها، كما تعتمد على مركزية القرار وضعف مشاركة الإدارات في اتخاذ القرارات”. وأوضح أنه “علاوة على ذلك ثمة ضعف التواصل الداخلي والخارجي لها وضعف آلية الشكاوى والتظلمات، وغياب الكفاءات، ما ترتب عليه ضياع حقوق البعض من المستثمرين”. السنوات الماضية شهدت شكاوى العديد من المستثمرين نتيجة كثرة المتاهات الإدارية وضياع الوقت الذي يستغرقه السعي للحصول على التراخيص ولا تزال البيروقراطية تهدد مناخ الاستثمار في مصر، رغم ما تم الإعلان عنه في السنوات الأخيرة من مبادرات تأسيس نظام الشباك الواحد وما يسمى بـ”الرخصة الذهبية” لإنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بأنشطة الاستثمار. ورغم ذلك تقف جذور البيروقراطية حائلا أمام تسريع وتيرة الأعمال وتسعى الحكومة إلى مواجهتها بالرقمنة. وأكد رئيس جمعية مستثمري الألف مصنع في القاهرة الجديدة هشام كمال أن “البيروقراطية وغموض بعض مواد قانون التراخيص تسببا في اختلاف التفسيرات وعدم توازن اللجان وضياع حقوق المستثمر داخل الهيئة الصناعية”. وأشار خلال حديثه مع “العرب” إلى تعدد الجهات المنوط بها وضع الضوابط الفنية والمالية للتقدم بطلب حصول على أرض. وشهدت السنوات الماضية شكاوى العديد من المستثمرين نتيجة كثرة المتاهات الإدارية وضياع الوقت الذي يستغرقه السعي للحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة لبدء أي مشروع اقتصادي. ونتيجة لذلك تردد البعض منهم في ضخ استثمارات كبيرة خوفا من تأثير العراقيل التي ضربت مناخ الاستثمار العام وقوضت الفرص الواعدة. وأوضح كمال أن الهيئة الصناعية تتعامل مع الأرض كسلعة، حيث تطرح الأراضي للمستثمرين بأعلى الأسعار لجني المزيد من الربح، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل توجد فجوة بين قانون الهيئة ولائحتها التنفيذية. هشام كمال: البيروقراطية والسعي لتحقيق الأرباح أضاعا حقوق المستثمرين هشام كمال: البيروقراطية والسعي لتحقيق الأرباح أضاعا حقوق المستثمرين ولفت إلى أن ذلك ظهر من خلال وجود فجوة بين القانون والإجراءات المعلنة وأرض الواقع، سواء ما يتعلق بالتراخيص أو عدم توافر الأراضي، وصعوبة تخصيص الأراضي الصناعية عبر الخارطة الاستثمارية. ولن يتم تطوير وإبراز دور هيئة التنمية الصناعية إلا بضرورة التفضيل الحاسم لمصلحة الصناعة المصرية وتفعيل المفهوم السليم للتنمية الصناعية وليس الرقابية، وتنبثق إستراتيجية التنمية الصناعية من الخطة التنموية لمصر وليس بمعزل عنها. ورغم أن “الهيئة” يطلق عليها “التنمية الصناعية” إلا أن الواقع أثبت أن دورها محاربة التنمية، ومن ثم يجب تصحيح مفهوم الهيئة والوصول إلى توازن بينه وبين الهدف الأساسي من وجودها وهو مساندة الصناعة. وكشفت جمعية مستثمري القاهرة الجديدة أن متطلبات الدفاع المدني باتت عائقا كبيرا أمام حصول المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر على التراخيص الصناعية. وتكمن المشكلة الأكبر في الرسوم أو المصروفات التي حددتها هيئة التنمية الصناعية لمكاتب الاعتماد التي حددتها هيئة التنمية الصناعية، لإنهاء تراخيص المصانع. وتمثلت أهم شكاوى المستثمرين، إلى جانب الروتين الإداري، في ما يطلبه الدفاع المدني من عُدد وآلات خاصة بخزانات مياه أو طفايات حريق بجانب كاميرات المراقبة، كما أن أصحاب المشروعات لا يطالبون بإلغاء الدفاع المدني وإنما بتسهيلات في التعامل معهم. ويتوجب على السلطات القيام بدور أكبر في مساعدة المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى الناجحة التي تجتمع فيها سهولة الإجراءات مع وضع المصلحة العامة للصناعة قبل مصالح المؤسسات التي تهدف إلى تحقيق الربح والتحكم في الإجراءات. وتؤكد لجنة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البرلمان أن قانون الهيئة الحالي الذي يفرض أعباء كبيرة على المستثمرين، خاصة رسوم إجراءات التراخيص، يواجه صعوبة بسبب التغيرات المتجددة مقابل ثباته. وأشارت إلى أن هذا الوضع يفرض في بعض الأحيان اللجوء إلى قرارات وزارية يرفض بعض الموظفين تنفيذها خوفا من نصوص القانون، وهذا مظهر رئيسي من مظاهر البيروقراطية التي يعاني منها المستثمرون.
مشاركة :