مصر - الذكرى الخامسة للثورة: لا أحد يريد أن يسمع عن 25 يناير

  • 1/25/2016
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

مع حلول الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير في مصر، تشيع حالة من الترقب مصحوبة بقلق وتخبط إثر تزايد الحملات الداعية للتظاهر في ميدان التحرير احتجاجا على تردي أوضاع البلاد. ويسود التوتر مستويات عدة من المجتمع المصري سواء على مستوى الدولة والأجهزة الحاكمة، أو على مستوى الحركات السياسية والمعارضة، أو حتى على مستوى رجل الشارع البسيط. لم تحظ ثورة بهذا القدر من الاضطراب في المشاعر والرؤى والتوجهات كما حظيت الثورة المصرية التي أطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك، الذي دام حكمه ثلاثون عاما، في 25 يناير/كانون الثاني عام 2011. فبعد انتفاضة شعبية استمرت 18 يوما وكان مركزها ميدان التحرير في القاهرة وكافة الميادين في محافظات البلاد المختلفة، وسقط ضحيتها ما يقرب من الألف قتيل في مواجهات مع قوات الأمن، تخلى مبارك عن الحكم مكلفا المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد. ودون الدخول في التفاصيل وسرد الأسباب التي قادت لاندلاع هذه الثورة، كانت دائما مناسبة الاحتفال بذكراها محل اختلاف بين رفقاء الميادين والكفاح، ودائما ما أثارت من القلق والجزع أكثر مما أثارت من الغبطة والفرح. فبعد سقوط الرئيس ودخول الجيش لاعبا رئيسيا في السياسة الداخلية، تغيرت المعطيات السياسية والمسار الديمقراطي في البلاد. وكان الغموض الذي أحاط بموقف الجيش من الثورة، ومعاملته غير الودية في أحيان كثيرة للثائرين، حافزا لأعدائها على المجاهرة بكرههم لها ولما أفرزته من تغير في تركيبة المشهد السياسي للبلاد. مرتضى منصور : 25 يناير "يوم أسود" الانحياز الذي أبداه المجلس العسكري -الذي خلف مبارك- للإسلاميين في البداية وتوقف السلطات عن ملاحقتهم وتركهم يحتلون منابر الخطابة في البلاد، ساعد على شق صفوف من أطلق عليهم الثوار بعد ذلك (الحركات المشاركة في الثورة)، فتحول كل فصيل إلى ادعاء ملكية الثورة وبالتالي أحقيته في الوصول إلى سدة الحكم بعد تسليم الجيش السلطة للمدنيين كما كان مقررا. فشهدت الذكرى الأولى للثورة أول توتر بين جماعة الإخوان المسلمين والحركات الثورية وصل إلى حد التراشق في ميدان التحرير بين المحتفلين. بعد تسليم زمام الأمور للمدنيين في العام 2012، وصلت جماعة الإخوان المسلمين للسلطة بعد فوز مرشحها للرئاسة محمد مرسي بالمنصب، وذلك في وقت كان الاستقطاب فيه سيد الموقف في البلاد بين أنصار الرئيس السابق والمنتفعين من العهد البائد من جهة، والإسلاميين ممثلين في الإخوان والسلفيين من جهة ثانية، والعلمانيين والحركات الثورية اليسارية من جهة ثالثة. في ظل هذه الفوضى السياسية، استرد الجيش السلطة مرة أخرى، بعد فاصل قصير من الديمقراطية التعددية دام عاما كاملا، مستغلا الفشل الذريع للقوى السياسية المدنية في حكم البلاد وخروج الجماهير الغاضبة في الشوارع في 30 يونيو/حزيران عام 2013، من خلال التدخل في 3 يوليو/تموز من العام نفسه وإزاحة الرئيس الإسلامي المنتخب في أول انتخابات ديمقراطية شهدتها البلاد. وهو تدخل ساندته كل القوى السياسية العلمانية المناوئة للإسلاميين وحتى القوى الإسلامية المناوئة للإخوان، كحزب النور السلفي. وشهدت البلاد منذ ذلك الوقت صعودا كبيرا للقوى المناهضة لثورة يناير واحتلالها كافة وسائل الإعلام تقريبا، وأصبح سب هذه الثورة ووصفها بالمؤامرة على البلاد -رغم تجريم دستور البلاد لهذه الأفعال- أمرا معتادا يوميا تقريبا، وحتى على شاشات التلفاز الحكومي. وشنت السلطات الجديدة/القديمة حملات شعواء على كل من شارك في هذه الثورة دون التفريق بين الإسلاميين -الذين أصبحوا عدو الشعب رقم واحد- والعلمانيين، يساريين أو ليبراليين، لتزج بهم في السجون. وأصبح كل معارض للسلطة الجديدة/الجيش إما إخوانيا إرهابيا أو عميلا متآمرا للغرب وإسرائيل أو إيران، في خلط واضح لكل الأوراق تأتي هذا العام الذكرى الخامسة لتلك الثورة في ظل العداء المتنامي لها على المستويات الحكومية والإعلامية واللامبالاة الشعبية لمصيرها، والدعوات الحثيثة للقوى المطالبة بالتغيير التي دعت للتظاهر في ميدان التحرير مرة أخرى على الأوضاع التي تراها جائرة وبعيدة عن أهداف الثورة، والقوى المناهضة للتغيير والتي تريد وأد هذه الدعوات في مهدها متعللة دائما بسيناريوهات المؤامرة على البلاد واستهداف الجيش/الحصن الأخير ودفعه للسقوط في هاوية الفوضى على غرار السيناريوهات اللييبي والسوري واليمني. تستغل هذه القوى الأخيرة كل الوسائل، إعلامية كانت أو غيرها، من تهديد وترغيب، لثني الناس عن مجرد التفكير في المشاركة أو الاستجابة لهذه الدعوات. نجد مثلا صحفيا مشهورا ونائبا في مجلس الشعب الجديد والقديم، مصطفى بكري، يتهم في برنامجه التلفزيوني من سيشارك في أية مظاهرات بهذا اليوم بالإجرام وأن الجيش سيقوم بسحقه. بينما كانت عبارات مذيع آخر، أحمد موسى، في برنامجه التلفزيوني أيضا أكثر وضوحا وتحديدا نزولك معناه السجن أو القتل. مصطفى بكري يتهم من سيشارك في مظاهرات يناير "بالإجرام" في حين أصدرت وزارة الداخلية بيانا أعلنت فيه أنها ستطبق بنود قانون التظاهر على كل مظاهرة تخرج دون تصريح، وأضافت بأن المواطن لن يسمح لأحد بأن يستغله، حيث أصبح يدرك ما يحيط بالوطن من مؤامرات. وتحاول الوزارة من جانبها احتواء واستباق الأحداث القادمة بالقيام بحملات مداهمات عشوائية لشقق مفروشة وسط العاصمة القاهرة، ومصادرة أجهزة حواسيب وهواتف محمولة وتوقيف أشخاص تشتبه بتوجهاتهم السياسية المعارضة لحكومة الرئيس السيسي. المسؤولون عن إدارة الصفحات المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة فيس بوك، لم ينجوا أيضا من التوقيف والاعتقال. الوزارة اتهمتهم بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين والوقوف وراء التحريض على الخروج في ذكرى الثورة. وهو الاتهام الذي كررته صحف أخرى ضد الجماعة خارج مصر. أما الترغيب فجاء من وزارة التموين والتجارة الداخلية التي أعلنت عن طرح كميات كبيرة من السلع الغذائية واللحوم والدواجن في الأسواق بأسعار مخفضة وأقل بكثير من أسعار مثيلاتها في الأسواق استعدادا لذكرى الثورة، وهو أمر اعتبره الكثير من المراقبين محاولة لتخفيف الاحتقان في الشارع من أثر تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع الأساسية والغلاء المعيشي الذي يطال شرائح واسعة من المجتمع. وضع يتشابه كثيرا، إن لم يكن أكثر سوءا، مع الأوضاع عشية الثورة العام 2011. المؤسسة الدينية دخلت هي الأخرى على الخط، وهو أمر معتاد في مصر أن يستدعى الدين في كل مناسبة. فشيخ الأزهر قال من الكويت بأنه ضد أي عمل يؤدي إلى إسالة قطرة واحدة من دم أي مصري، فإذا كان أي تجمع أو مظاهرة سوف يؤدي إلى مواجهة ثم اقتتال ثم إسالة للدماء، فيجب رفضه ومنعه. وأصدرت دار الإفتاء المصرية بيانا تحرم فيه المظاهرات التي تحيد عن السلمية. فتوى أيدها وزير الأوقاف المصري والذي وجهت وزارته خطباء المسجد بتحذير الناس من الاستجابة لدعوات التظاهر والخروج في ذكرى الثورة. وحتى هيئة الأرصاد الجوية أدلت بدلوها في الموضوع، ونشرت بيانا حذرت فيه من سوء الأحوال الجوية يوم 25 يناير. وقال رئيس الهيئة أحمد عبد العال أن الطقس بصفة عامة عاصف وشديد البرودة على مدار الـ24 ساعة، خلال ذروة هذه الموجة أيام الأحد والإثنين والثلاثاء. حسين عمارة نشرت في : 25/01/2016

مشاركة :