قد يكون موضوع اللجوء مرتبطاً بالأسى والمشقة والشقاء، كما هو الحال مع اللاجئين من الدول المتأثرة بالنكبات والحروب وانعدام الأمن والأمان وسوء الأوضاع الاقتصادية، حيث يعد اللجوء حاجة ملحة وضرورة في حال مواجهة بعض أو كل ما سبق ذكره، إلا أننا شهدنا حالات لجوء من نوع آخر، لا نعلم فعلياً أسبابها الرئيسة ودوافعها، وتعرف هذه الظاهرة بهروب الفتيات إلى الخارج، فلقد سجلت المملكة حالات لبعض النساء اللاتي أقدمن على هذا الفعل، وكانت الأسباب لا تخرج عن الاضطهاد وسوء معاملة ولي أمرها كأب أو زوج وما إلى ذلك، لذلك كانت ظاهرة هروب الفتيات في فترة غير الفترة الحالية أمراً يعقل ويُفهم، إلا أن هروب المرأة في ظل القرارات والتعديلات الاجتماعية الشاملة والتي اختصت المرأة السعودية بما كان ينقصها في العقود الماضية، بل وفاقت الدول الأخرى من خلال تمكينها اجتماعياً وقانونياً ودولياً وأكثر من ذلك، أمر صعب الفهم, فمن كانت تعاني من ظلم الأب فقد كفل لها الدين والقانون حقها، ومن كانت تواجه قهر الزوج وإدارته تحركاتها فقد حررتها المملكة من ذلك، فلا تمنع المرأة السعودية بداية من تخصص دراسي كما كان الحال سابقاًً في بعض التخصصات (العيب) كالطب فيلزم موافقة وليها، بل موافقته لا تكفي، إذ يتحتم على الولي القدوم بميثاق وختم من عمدة الحي، وغيرها من الأمور العادية التي لطالما واجهتها المرأة السعودية كالقيادة للسيارة، الابتعاث، الزواج، الطلاق، الاستقلال في المسكن، العمل، فكانت كل خطوة تعني التمرد وكل قرار يستنزف الوجدان وينزف من كيان تلك المرأة، الأمر الذي جعلها تتعرض للاستغلال من أقرب الأشخاص لها، والابتزاز من القريب قبل البعيد، ليست مبالغة حيث أبلغ من العمر 34 عامًا رأيت فيها ما رأيت وعشت فيها ما عشت، وأعرف نساءً يكبرنني سناً قليلاً أم كثيراً فكلهن يحملن عقبات الماضي بين أضلعهن ويتقلدن الانتصارات وسامًا على صدورهن، عندما نسمع الآن عن حالات هروب من فتيات عاصرن الثورة الرقمية بداية من ثم التطورات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية في المملكة، فآثرن ترك (النعمة) لتحقيق واختبار مستويات أقل، فماذا نقول نحن؟ بالطبع، قد نسميه ب (لجوء الترف) وليس حاجة، فهذه الفتاة كان ينقصها شيء أو ثلاثة ولكن لم تنقصها حياة بأكملها, وإن كانت تواجه تحديات وصعوبات فالحل يبدأ من الداخل ثم المحيط ثم الخارج إن تعذرت الحلول السابقة، إن أغلب حلات اللجوء التي شهدناها هذا العقد لم تكن ناجحة فتلك انقلب حالها إلى الأسوأ، وهذه احتضنتها الأرصفة الباردة، والأخرى لم تكن تظن أن الحياة المبهرجة قد تخذلها لأن اللجوء ببساطة ليس رحلة سياحية، فالمال المقدم لا يكفي للرفاهية، والخدمات المقدمة ليست الأفضل والتي تشمل الصحة والتعليم، وغيرها، سيتصادم الفرد مع أهل البلد وقوانينهم، وثقافتهم، ودينهم، محاولاً بعد ذلك الانخراط فيهم ولن يرتقي إليهم وإن حصل على الجنسية، فتلك الملامح ستظل غريبة ومستنكرة ومخيفة، وترتبط بهوية صنعتها الأفلام والإعلام المضلل عن الإسلام والمسلمين والعرب، قد تحتفل معهم، وقد تغير ديانتك، وقد تفعل أكثر مما يفعلوه، لاسترضائهم ولكن لا شيء يفيد، وسترى ذلك بعد إنجلاء الهالة المحيطة بتلك الدولة، من هنا، أوجه لكم تساؤلاً، هل ستة أشهر كافية لتغيير حياتك بأكملها؟ إذا أخبرتك أن المدة كانت كافية بالنسبة لأحدهم، هل ستصدق؟ نعم، لقد كانت الستة أشهر الماضية كافية بالنسبة للاجئة سابقًا وسام السويلمي، فمنذ عودتها في شهر أغسطس من عام 2022 وحتى هذا الأسبوع من شهر يناير لعام 2023 شهدت حياتها العديد من المحطات الإيجابية من أبرزها العودة إلى الوطن، والترحيب بها من جميع أفراد المجتمع، أيضاً تم توفير الحماية اللازمة لها بالتماشي مع حالتها التي دفعتها في بادئ الأمر على الإقدام على ترك البلاد، من ثم عملت واستقلت، والخبر الأجمل تتويجها ذلك كله بالزواج، هذا ما حدث في (6 أشهر) لوسام، فما بالك بما قد يحدث في عام أو أكثر، خاصة أننا ننعم في بلاد الحرمين بالإسلام والتعامل الحسن والتراحم بين أفراد المجتمع وتقارب أواصر العلاقات، والأهم من ذلك تفهم وحكمة القيادة في التصرف في الحالات المماثلة. بلادي وإنْ جارت عليَّ عزيزة ولو أنّني أعرى بها وأجوع ولي كف ضرغام أصول ببطشها وأشرى بها بين الورى وأبيع تظلُّ ملوك الأرض تلثم ظهرها وفي بطنها للمجدبين ربيع أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغي خلاصا لها؟ أنى إذن لوضيع وما أنا إلاّ المسك في كلِّ بلدة أضوع وأما بدونها فأضيع
مشاركة :