أكد المحاضر في المعهد العالي للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة الدكتور محمد عثمان صالح أن دعوى الحرية الشخصية التي راجت في المجتمعات الغربية تقف في وجه الدعوة إلى الله، لأن دعاة الحرية برأيه يأخذونها بمعنى الإباحة لكل ما هو محظور، وإتيان كل منكر والامتناع عن أداء كل ما هو «معروف»، مفيداً أنهم بهذه الدعوة يريدون منع «الاحتساب» على أصحاب المعاصي، وهذه دعوى باطلة لأن حرية الشخص تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. وأوضح صالح في بحث شرعي أن الاحتساب ينبني على عمودين،الأول: «الأمر بالمعروف، والمطلوب فيه دعوة الناس إلى الحق والخير والعدل، إذ المعروف هو كل قصد و قول أو فعل حسنه الشرع وأمر به، وتعارف عليه الناس أنه من أمر الله، أما العمود الثاني فهو «النهي عن المنكر»، والمطلوب فيه إرشاد الناس بحبسهم عن الوقوع في الإثم والظلم والشر، إذ إن تعريف الاحتساب هو أمر بمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن منكر إذا ظهر فعله. واعتبر أن الحسبة رقابة اجتماعية يقوم بها الأفراد أو المجتمع أو رقابة إدارية تنظمها الدولة تحقيقاً للخير والعدل، ودفعاً للشر والإثم، وأكد أن «الطبيعة البشرية المتفردة المتغيرة في حاجة دائمة للاحتساب الذي هو دعوة متجددة إلى الخير، ونهي مستمر عن الشر، ذلك أن الإنسان - في الغالب - كائن غريب الأطوار لا يستقر على حال، بخاصة في أمر الهُدى والضلال والطاعة والعصيان أو الكفر والإيمان، فهو يحتاج للاحتساب لأمور تتعلق بقلبه وعقــله ونـــفسه وطبعه». واستطرد شارحاً: «المقصود أن فاعلي الشرور والآثام إذا تركوا على هواهم فإنهم لا ريب ضارون ومنقصون لحريات الآخرين، فإذا ترك الأمر للسكارى والمدمنين مثلا - على ما يشتهون - كما يكون الحال قبل الأخذ بالأحكام الشرعية أو حين التراخي في تطبيقها - فإنهم لن يتركوا موضعاً إلا وتفوح منه رائحة الخمر، ولا يرضيهم إلا أن تكون الخمر والمخدرات في كل ركن وبيت كما كان مشاهداً». ووصف قول «رفض الوصاية على الآخرين» بـ«البدعة» التي روجها العلمانيون والشيوعيون، وعلل ذلك بأن هؤلاء يريدون للمجتمع أن يكون بلا دعاة أو رعاة أو آباء مربين أو قوم صالحين. وأكد صالح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانا في الأديان السابقة، واستشهد بقوله تعالى: «فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ». واعتبر هذه الآية ترد دعوى من ادعى أن الأمر بالمعروف خاص بأمة محمد دون الأمم الأخرى، ذلك أن الإنسان في كل الأزمان وعلى كل الأحوال يحتاج إلى الهداية والموعظة والتذكير ثم الزجر والمنع والردع، وحيثما كانت رسالة كانت دعوة، وحيثما كانت دعوة فهناك احتساب. وأضاف: «صحيح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبح ميزة من مميزات أمة محمد، لأنها هي التي حافظت عليه حين أضاعته الأمم الأخرى من يهود ونصارى. وهذه الميزة أضحت مناط أفضلية أمة الإسلام على الأمم الأخرى كما سنذكره - إن شاء الله - لكن الاحتساب بمعنى الدعوة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قديم قدم انحرافات البشرية، لأن أمرها على هذا لا يستقيم من دونه. وأشار إلى أن أول الإشارات تعود إلى عهد نوح واستشهد بقوله تعالى: «قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فرارا»، ومن بعد نوح جاء لقمان وكانت وصيته لابنه وهو يعظه دليلاً على اهتمام واضح بدعوى الاحتساب كما جاء في الآية : «يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور»، مفيداً أن هذه الآية تجمع ثلاث خصال من خصائص الأمة التي تأمن الخسران في الدنيا، وتضمن الجنات في الآخرة، وهذه الخصال هي العمل الصالح المتمثل في الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر الذي هو عدة الدعاة.
مشاركة :