'شاطارا' تسلط أضواء الركح على المرأة في مواجهة عالم القمع

  • 1/13/2023
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

قضية المرأة وما تعانيه في المجتمع العربي من قيود العادات والتقاليد والأعراف التي تكبل حركتها، فضلا عن المشكلات الاجتماعية والنزاعات والحروب التي تسبب فيها النظام العالمي الذي يقوم على ثنائية القوي والضعيف، مما انعكس سلبا على وضعها الحياتي عامة والأسري خاصة، هذه القضية بحساسيتها ناقشتها مسرحية "شاطارا" للمخرج الأمين ناسور والتي قدمتها الفرقة النغربية "تيفسوين للمسرح المازيغي بالحسيمة"، وذلك في إطار مهرجان المسرح العربي في دورته الـ 13 المقامة بالدار البيضاء ـ المغرب.. المسرحية التي حصدت المركز الأول مع الجائزة الكبرى لأفضل عرض مسرحي متكامل، مضافاً إليها جائزة أفضل مخرج، في الدورة الـ 29 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الذي أقيم في سبتمبر/ايلول، تتناول قضية نساء صرخن وكسرن الصمت حول معاناة المرأة عموماً. هن ثلاث: أمل بن حدو، قدس جندول، وشيماء العلاوي. مضافاً إليهن: تيفيور تمثيلاً وغناء. مع حضور للعزف الموسيقي تولاّه إلياس المتوكل. في بداية مداخلته للعرض أورد المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس "شاطارا" كما يقدمها المؤلف في النص"ثالث نسوة بائسات يائساتاختار لهن القدر مسارات مختلفة ومصيرا مشتركا؛ شاني، ثلاثينية من جنوب الصحراء، من أم إيفوارية وأب فرنسي ال تعرفه. تاليا، شامية، عشرينية من شمال شرق سوريا، ضحية العشائرية والحرب. وأخيرا ربيعة، الوحيدة التي استطعنا اقتفاء أثرها من جماعة بيريكوا". "هي إذن حكاية واحدة بتفاصيل متعددة لا متناهية، حكاية تيه عابر للزمان والمكان، بحث مطرد عن اللاشيء، اللامعنى واللاوجود. هنا الآن في فضاء بدون ملامح واضحة، وحيث يفقد الزمان ضرورته، تبدأ رحلة البوح والكشف، رحلة البحث عن ذواتهن في ذاكرة مثقلة بالمآسي". شاني، ثانيا، ربيعة، لم يكن مسارهن قدرا مقدرا، بل كن ضحايا لنظام عالمي رغم أقنعته وعمليات التجميل يبقى نظاما عسكريا مبنيا على ثنائية القوي والضعيف، التي هي في حقيقتها ثنائية العبد والسيد "اختيار اسم مارك" غمزة ذكية من غمزات المؤلف،لإلحالة على المتحكم في هذا النظام العالمي الجديد، الذي رسم حدودا وأغلق أحكامها على الآخرفي الوقت الذي شرع فيه مداخل هذا الآخر على مصارعها ليجتازه ويتجاوزها أنى وحيثما شاء، بأقنعة أصبحت مفضوحة ليدمر الإنسان". "شاني قررت أن تكمل رحلتها بائسة يائسة، لتهديها لـ'مارك' ... فقط لتضع أمانة بين يديه، وتوصيه خيرا بما تحمله من جراح إفريقية لم ولا ولن تندمل. تانيا صارت تُدرك جيداً معنى فقدان الوطن. خلقت وفي قلبها حب دفين للأرض التي تنتمي إليها، حتى لو جار فيها المتسلطون، كان خروجا من ذاتها المثخنة بالمآسي ودخول العوالم الاستغلال والابتزاز والاستعباد، دخلت دوامة الهروب من نفسها. ربيعة حكاية هروب مستمر من ماض يطاردها بلا هوادة. "كنت غادي نتولد في بالصتو.. نص المؤلف سردي حمال بشفافيات البوح". عقب طرحه لنص المؤلف قال فردوس أن "شاطارا عنوان أحالني على سؤال في اللسان المغربي الدارج 'اش طار'" بمعنى ماذا وقع. منذ ان طرحت هذا السؤال على نفسي وأنا بصدد إعداد هذه الورقة، أبحرت على سطح موجة التساؤل دون أن أتجرأ على الغوص في أعماق البحر، لأن خشبة هذا الحدث وغلافه الزمني لا يسمحان بذلك. "شاطارا" فعلا موجة، موجة امين ناسور التي ال تحمل الزبد الذي يذهب هباء، ولكنها الموجة المتجددة التي تقدس قوانين المد والجزر، الموجة القوية المحركة المفتتة لرمال الجامد والمألوف". وأكد "قراءتي هاته، بوح مني إليكم ومعكم، لتكون بفضل تفاعلكم في هذه الجلسة وكتاباتكم النقدية بعدها، إضافة نوعية، بالتشريح والتلقيح والتلقيم، ليبقى المسرح دائما في طريقه نحو الأجود والأصلح. كل عرض بالنسبة إليّ يمثل جميع المسرحيين، مادام المسرح فضاؤنا ومصدر الأوكسجين الذي نستنشقه وبه نحيا. وفي هذا الصدد استحضر معكم كلمات أغنية لمسرحية 'حمار الليل' في الحلقة لورشة الإبداع دراما بمراكش، عن نص للمبدع د.عبد الكريم برشيد 'إذا كان المسرح جريمتنا مرحبا بالحكم نبغيوه مؤبدا فوق الخشبة' - اذا كان عشق المسرح جريمتنا مرحبا بالحكم، وليكن بالمؤبد فوق الخشبة". وأضاف "عرض 'شاطارا' يضعني مرة أخرى أمام بصمة آمين ناسور الإخراجية، فهو وكما عودنا، لا يقوم فقط بإخراج مسرحية بل يبصمها بطابعه الإخراجي المتميز. في 'شاطار'" يؤكد تجربته الفنية والحياتية العميقة المبنية على ركائز وأساسات متجذرة، تجربة رغم طولها، لم تقتل الطفل فيه. طفل البراءة المكتشف التواق إلى المغامرة، الطفل المتطلع دوما إلى تفتيت لعبته الجديدة ليفهم ميكانيزماتها . "تيجيني السي أمين بحال الدري الصغير ملي تنعطيوه شي لعبة جديدة، تيفرتتها النهار الأول باش بعارف من اش مصاوبة وكيف تتخدم". هكذا يتعامل ناسور مع إبداعاته، يفتتها ليفهمها وليعيد بناءها منطلقا من قناعاته الفكرية والجمالية، ومستحضرا مدرسة الطيب الصديقي ومن مكتسباته المعرفية والمهارية وتكوينه الأكاديمي في المعهد العالي للفن الدرامي والتنشيط الثقافي، ومن الجمعية المغربية للشباب والطفولة، ومن دروب وأحياء الدار البيضاء، ومن بحثه واجتهاده المتواصل. وأكد فردوس أن "نص المؤلف السيد سعيد أبرنوص الذي قرأته ونص العرض المسرحي الذي شاهدناه، فكرة واضحة تم طرحها بنفس ملحمي. بناء درامي منسجم رغم إنه تضمن أشكال البناء الكلاسيكي بحكاية تقليدية. نص متجانس رغم جمعه لأشكال بنائية مختلفة. تلاءمت حكاياته الجاهزة مع الشكل الفني سواء الذي اختاره الكاتب أوالمخرج. حوار مترابط، بعيد عن الإسفاف اللغوي واللعب بالكلمات، الذي عادة ما يتسبب في مشكل إيقاع النص. نحن في هذا النص أمام حوار وظيفي يعكس أحداثا أو صورا قابلة لنقلها إلى الخشبة. شخصيات المسرحية سواء كما قرأتها في النص أو تابعتها في العرض تتشكل عبر قوس عاطفي يخترق الحكي ويؤطره، متغيرة وليست تابثة، دوافعها تتصاعد بمنطق ينسجم مع منطق النص، ولا تتعارض مع منطق الواقع". "شخصيات تجسد المعاني الإنسانية في حياة نصية بحقائقها وتمتلاثها، بعيدا عن التسديج والتسطيح، شخصيات 'شاطارا' استحضرت عندي ما قاله المرحوم محمد مسكين صاحب تيار مسرح النفي والشهادة "إن الشخصية المسرحية هي شخصية إنسانية، ولكن بعد أن تم عزلها ونقلها من الواقع إلى المسرح، إن هذه النقلة كفيلة بأن تحدث كثيرا من التغيرات والإضافات بالنسبة لشخصية تصبح دالا ومدلولا، تصبح رمزا ومعنى. تتحرك في الواقع ضمن حدود مرسومة فرضتها أعراف وتقاليد المجتمع، وكل انحراف وانعراج يحدثه الإنسان في المجتمع يعتبر شاذا، وكثيرون هم من نعتوا بالزندقة والكفر والعصيان للذين مارسوا هذا الانعراج". "ورغم ما يعانيه المسرح من لعنات من قبل اعدائه، إلا أن الشخصية في المسرح تمارس حريتها، تتمرد على الواقع وتثور عليه، تقول ما لم يسمح المجتمع بقوله، لذلك فالمسرح هو المتنفس لشخصية والنور الذي يضيء سوادها، كما أن انتقال الشخصية من الواقع للمسرح هو انتقال الكم إلى النوع والجودة، انتقال من غير الدال إلى الدال، تمكن هاته النقلة المبدع من نحث الشخصية من الداخل وتفجير حدودها، حيث يشحنها برموز وإشارات إيحائية". وهذا في اعتقادي ما ألمسته في شاطارا، حيث استطاع المؤلف وكذلك المخرج بفضل ملكة الإلهام لديهما، أن يضعانا أمام شخصيات حية خلقاها وجعلاها تملي عليهما سلوكياتها وليس العكس، بفضل تمكنهما من معرفة انتربولوجية اجتماعية في تربتها المغربية رسما شخصيات تحمل التعقيد الإنساني الذي وصفه دوتويفسكي بسر الإنسان". وأوضح "استطاع السيد ايرنوص أن يقول لنا من خلال النص وأمين ناسور من خلال العرض إنها الحياة وليست الحياة، حياة حقيقية ولكنها ليس حياة في حقيقتها، كما استطاعا أن يحل معادلة الحقيقة وكذب الفن. معادلة اللغة النثرية والشعرية. استطاعا إن يجعلاني كقارئ للنص ومتلقي في العرض أعيش حالة الاستلاب المنومة وفي نفس الوقت مستبصرا ومشاركا في السرد". "ومن خلال مقارنة النص المكتوب بنص العرض، خلصت إلى أن الكتابة الدرامية للمخرج اشتغلت على إعادة ترتيب تدخلات الشخصيات كما جاءت هذه الكتابة على شكل طروس أو"الرقوق المسموحة" نقل بها النص المكتوب الى نص العرض، كتابة اعتمدت المحو والاستنساخ، كتابة موازية حسب توصيف د.عبد الواحد بنياسر أو كما يسميها البعض كتابة على الكتابة. ناسور كعادته تعامل مع نص المؤلف، على أساس أنه كتابة أولية قابلة للتعديل بالحذف أو التنقيح وكذلك بالانزياح سواء منه الدلالي أو التركيبي وبالإضافة "مجموعة من القصائد الشعرية". بحث الكاتب الدرامي عن التيمة الرئيسية وابدع في خلق روابط لها مع جميع مفردات العرض، لينتج للمتلقي قصيدة تطرب وتفيد، تخلخل المألوف والجاهز وتنبذ "الكليشيات". وأشار إلى أن "العرض المسرحي جمع دراماتورجيا ما بين الشعرية الإنشائية والفرجوية والغائية البراغماتية "توظيف الموسيقى" لإيجاد أفضل الحلول المتوافقة مع انتظارات وتطلعات المتلقي، ققدم لنا مسرحية توليفية بصرية مفتوحة مساهمة في بناء دراماتورجيا المتفرج، عرض لا يتبنى بنية نصية أدبية محضة، بل يتطور في بنيته من حيث هو عرض وشكل فرجوي لفظي وغير لفظي، مختلط بأدوات وسائطية وكوريكرافيا وموسيقى وغناء وارتجال، بمنهجية تسمح بتوجيه المتلقي نحو أسئلته وتساؤلاته وبتوجيه ما يراه ويسمعه الى قراءات وتأويلات مفتوحة". "عرف المخرج في هذا العرض، وكما في عروضه السابقة، كيف يواجه سطوة "الممثل المخرج"، التي أصبحت ظاهرة المسرح المعاصر، دون أن يعود بجوقته المشتغلة معه إلى زمن المخرج المتسلط الأحادي التصور والانفرادي في منهجية الاشتغال. في ادارته للممثلاث وفر ظروفا ملائمة لهن لإخراج ما يكتنزونه بدواخلهم، بحرفية عالية ظهرت في أدائهن على الخشبة. حول الممثلاث فوق الخشبة من مجرد دال إلى علامة". وأكد فردوس أن "حضور الممثلاث الثلاثة كان قويا ساهم في مسرحة المنطوق بتمثلاته للعالم وللموروث الإنساني،ترجمن على خشبة المسرح ما يعرف بالممثل الدراماتورج المتحرك، أداؤهن أقحمنا في عالم العنف الأعمى. استطاعت مونيا لمكمل وقدس جندل وشيماء العلوي حل معادلة طرقها الأول"انا داخل شخصيتي" أو "شخصيتي تدخل فيّ" وطرفها الثاني الممثل الذي يتحكم في شخصيته، لعبن بذكائهن وليس بعاطفتهن، وهذا هو الفرق في الأداء بين الهواية والاحتراف، وهو ما توفقت فيه الفنانات المبدعات، انهن حقا فنانات وليس مجرد ممثلات". ورأى أنه في "سينوغرافيا العرض ساعد الشكلان الهندسيان اللذان اختارهما المبدع طارق الربح على انتقال الشحنة الداخلية للفنانات الثلاثة إلى الخارج ليتأثر بها المتلفي ويدرك دلالتهما الوجدانية بشكل حدسي، شكلان يحبلان على الدلالات الرمزية والتعبيرية للرموز والاشكال الهندسية في الفن الإفريقي التي تعتبر بمثابة قاموس من العلامات الموحية المنتمبة إلى عالم السحر أو المستقلة المقصودة لذاتها. ذلك أن الشكل السداسي المتساوي الأضلاع الذي استعمله في الخلفية يرمز إلى الشخصية الصلبة والعنيدة، الشخصية المستقلة في وجودها والقوية في قابليتها للبقاء، وهذا ما عكسته شخصيات شاني ويارا وربيعة رغم نكبتهن.نقط التقاء خطوط الشكل الهندسي تمثل اللدغة التي تزيد من قوة الاختراق، وهذا ما تعرضت له الشخصيات الثلاثة، كما تشكل الخطوط حصنا محصنا ورمزا للفكرة الصعبة.. لقد كانت السينوغرافيا نسقية ناطقة، بل صادحة متمكنة من لغة الايصال والتواصل. تشد إلى العرض وتغني لغته دون بهرجة أو ابهار. سينوغرافيا بجميع مكوناتها حققت الغرض الرئيسي للسينوغرافيا داخل عرض مسرحي، حيث خلقت فضاءاته ومددتها وبسطت رموزها". وختم فردوس أن المخرج أمين استدعى في "شاطارا" قوى اللاوعي "الالهام" والوعي "التعديلات"موظفا أدوات جمالية تنقد مباهج الوجود وتمنح القدرة على تحمل فائض واقع لا يطاق، ليجعل المتلقي يعيش الواقع مع الوعي بقساوته. من بصمة ناسور الإخراجية إبداع يقطع مع المعتاد، يشاركنا الجميل في استمرارية أعماله، يدهشنا، ويمجد فكرة الالتزام التي عاشها واكتسبها، إن الشعور الجمالي عند ناسور يخلقه من الألوان والأصوات ومن السرد ومن الإحساس بالجمال والإيمان به. شعور محشو بالدهشة والإعجاب والتعجب.شعور انساني بشكل عميق يتطور في ظل ظروف شخصية وثقافية وتاريخية واجتماعية خاصة به".

مشاركة :