المدرسة الجزائرية تحت وطأة استفحال العنف الاجتماعي

  • 1/19/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

فتحت حادثة طعن أستاذة من طرف تلميذها في الظهر بخنجر في مدينة باتنة شرق الجزائر ملف العنف في المدارس من جديد، وسلطت الضوء على الاعتداءات الدامية على الأساتذة والموظفين في القطاع التعليمي، كما شكلت صدمة للتلاميذ وأولياء أمورهم والإطار التربوي عموما. ويرى الخبراء أن المدرسة برمتها وبمكوناتها هي ضحية عنف اجتماعي مستفحل يجب أن يعالج بمقاربة عميقة ودقيقة. الجزائر - تصاعدت وتيرة العنف اللفظي والجسدي في المدارس والجامعات الجزائرية بشكل مقلق في الآونة الأخيرة، حيث تناقلت تقارير ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أخبار اعتداءات دامية على أساتذة وموظفين في القطاع التعليمي، الأمر الذي طرح مجددا إشكالية استفحال الظاهرة في المجتمع وأبعادها، وتغلغلها داخل المحيط المدرسي. ومؤخرا شن مدرسو الأطوار التعليمية في الجزائر إضرابا مفاجئا عن العمل، للتعبير عن تضامنهم مع أستاذة طعنها تلميذها بسكين في الظهر، والمطالبة بحمايتهم من الاعتداءات. ويرى الخبراء أن المدرسة برمتها وبمكوناتها هي ضحية عنف اجتماعي مستفحل لا يعالج باحتجاج أو إضراب، وإنما بمقاربة عميقة ودقيقة. وتعددت أشكال العنف المدرسي بشكل لافت في الآونة الأخيرة، ففيما تصدر خبر طعن أستاذة من طرف تلميذها في الظهر بخنجر في مدينة باتنة بشرق البلاد، نطقت محكمة بمحافظة تيارت في غرب البلاد بعقوبة ثلاث سنوات سجنا نافذا وغرامة مالية بنحو سبعة آلاف دولار، في حق أستاذ ترك عاهة مستدامة لأحد تلامذته. صورة الأستاذ اهتزت في المخيال الاجتماعي منذ أن أصبح الآباء يعملون أكثر من الأساتذة في تدريس أبنائهم في المنازل وفي جامعة باب الزوار بالعاصمة اضطرت الإدارة إلى تكليف أساتذة آخرين بتصحيح وتقييم الامتحانات، تفاديا لأحداث العنف والتهديدات التي يتعرض لها الأساتذة من طرف طلبتهم، وهو وضع ينسحب على العديد من جامعات ومعاهد البلاد، حيث تسممت العلاقة بين الأستاذ والطالب وخرجت عن إطارها المألوف. يأتي هذا في ظل غياب نقاش مفتوح من طرف الخبراء والمختصين، ويجري الاكتفاء بطرح آراء معزولة، تعبر في الغالب عن وجهة نظر ضيقة تتصل بموقف شخصي أو رد فعل، وبات كل طرف يبحث عن الحماية من الآخر؛ ففيما يتهم الأساتذة الأولياء والأبناء بالتغول وانتهاك ميثاق القيم والمبادئ المدرسية، يرى هؤلاء أن بعض الفاعلين في المدرسة لم يعودوا يؤدون دورهم التربوي. ولعل ما ساهم في تصاعد وتيرة العنف المدرسي تفشي استهلاك المخدرات والحبوب المهلوسة، ولم يعد الأمر يقتصر على ” الطائشين ” من المجتمع، بل امتد إلى تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات من الجنسين، ما أدى إلى اختراق جدران العلاقة الطبيعية بين التلميذ والأستاذ. وفي هذا الشأن فجرت مديرة الوقاية على مستوى الديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها غنية مقداش قنبلة من العيار الثقيل لما كشفت عن تضاعف استهلاك الكوكايين وسط الشباب والمراهقين بنسبة 200 في المئة. ولفتت المتحدثة إلى أن استهلاك الكوكايين غير مفصول عن ارتفاعات طالت باقي المهلوسات بنحو 100 في المئة، وأن تحقيقات ميدانية أكدت على أن الاستهلاك صار مربكا، حيث جرى ضبط مؤثرات عقلية في المدارس الابتدائية. المدرسة برمتها وبمكوناتها هي ضحية عنف اجتماعي مستفحل لا يعالج باحتجاج أو إضراب وذكر منشور تمت مشاركته على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعي، أنه “حان الوقت لحماية المعلم من اعتداء بعض أولياء التلاميذ غير المسؤولين، وحماية الأستاذ في الجامعة من اعتداء بعض الطلبة المتهورين بحيث أصبح الأستاذ في أعرق جامعة جزائرية يخاف من اعتداء طلابه عليه يوم إرجاع أوراق الامتحانات”. وجاء في المنشور أن جامعة باب الزوار اضطرت إدارتها إلى تكليف أساتذة أجانب لا يعرفهم الطالب بمهمة تصحيح أوراق الامتحانات خوفا على سلامة الأساتذة الأصليين من بطش طلابهم. وتساءل الخبراء عن هيبة الأستاذ والمعلم في هذا الوسط الشبابي غير المسؤول؛ حيث أصبح الولي محاميا على ابنه ضد أستاذه بدل أن ينهيه ويعلمه كيف يحترمه. وخلصوا إلى توجيه نداء إلى السلطات العليا في البلاد يحضها على تكليف المختصين في التشريع بإصدار قوانين تشدد على تجريم كل من يعتدي على معلم أو أستاذ داخل أو خارج المؤسسة ولو بالتعدي اللفظي فقط. وقال الأكاديمي والأستاذ الجامعي في جامعة بجاية لونيس بن علي، بخصوص قضية الحادثة التي هزت مدينة باتنة بعد تعرض أستاذة للطعن بخنجر في ظهرها، “لاحظت من خلال متابعتي منتديات الأستاذة أمرين عامين، أولهما المستوى الذي بلغه الأساتذة من وعي منحط، حتى أنهم في نقاشاتهم يتحولون إلى ميليشيات للإغارة على بعضهم البعض، كما لو أنهم لا يجمعهم القطاع نفسه ولا الهم نفسه. يجب التفكير في حجم الأحقاد التي يحملها الأساتذة عن بعضهم البعض، لهذا ظهرت سلوكيات مشينة مثل النمائم والدسائس والحروب الدنيئة لأجل توقيت أسبوعي أو لأجل برمجة امتحان، ناهيك عن نقص الشعور بأهمية الوظيفة التي يقومون بها، وليس غريبا أن يتحول التدريس إلى عمل بغيض حتى عند الأساتذة أنفسهم مما يجعلهم يقومون بعملهم كإلزام وليس كاِلْتزام”. وأضاف “لا تستغربوا أننا نعيش أكبر استقالة جماعية عن مهنة التدريس، وهي مهنة نبيلة، فلا الدولة قدرت الوظيفة، ولا الأساتذة أحبوا وظائفهم. وهنا سيأتي دور الأولياء. منذ أن أصبح الأولياء يعملون أكثر من الأساتذة في تدريس أبنائهم في المنازل، اهتزت صورة الأستاذ في المخيال الاجتماعي. سيقول الولي: ابني لم يتعلم أي شيء في المدرسة، ولولا الجهد الذي أبذله في متابعة ابني لكان قد تحصل على نتائج سلبية. وهذه هي الحقيقة. منذ متى أصبح الولي يرافق ابنه إلى المدرسة صباحا ومساء؟ منذ أن اتسعت الهوة بين المدرسة والأسرة، وفقد الأطراف الثقة بينهم”. وتابع في منشور على صفحته الرسمية “لم نعد للأسف نفرق بين الرعاية المادية (توفير المأكل والمشرب والملبس) وبين التربية (الوشائج الإنسانية)، أصبحت الأسرة أقرب إلى مفرخة للتوليد فقط. الذين يتباكون مفجوعين من الحادثة هم أيضا جزء من الخلل الذي وقع لنا. نحن دون أن ندري، نساهم في صناعة الوحوش. بعضنا يسخر من المعلمين، والمعلمون يسخرون من بعضهم البعض، والمنظومة التربوية مهتمة بكل شيء إلا بالإنسان. أكيد أن الطفل الذي لم نعلمه أن يضع كتابا في محفظته سيضع خنجرا لتصفية أحد منا. أما الذين برروا فعلة ذلك المراهق فهم يمنحون الشرعية للقتل”.

مشاركة :