تفيد البيانات الواردة من مصادم الهادرون الكبير في سويسرا بأن الكون يحتمل أن يمتلك قوة لا يتوقع أحد وجودها، وهي "روح الكون" نفسها. إذن فما هي الغاية الرئيسة من مصادم الهدرون الكبير الذي تتوزع منشآته الواسعة النطاق تحت أرض جنيف؟ - وهي بسيطة للغاية وتنحصر في جعل الجسيمات الأولية يتصادم بعضها مع بعض. وبعد أن بدأ العلماء في تحليل المعلومات التي حصلوا عليها نتيجة عمل المصادم على مدار الـ18 عاما الماضية تبيّن أن هناك أمورا غير عادية مثيرة للجدل. فما هي القوى التي تعمل في الكون والتي نعرفها إلى حد الآن؟ إنها أربع: قوة الجاذبية، بصفتها أضعف القوى وأكثرها غموضا، قوة التفاعل الكهرمغناطيسي، القوة التي تعمل داخل نواة الذرة، والقوة التي تخرج عن حدودها. وقد حاول أينشتاين توحيد كل تلك القوة بمعادلة واحدة، كما حاول تفسير قوة الجاذبية كتشوه للفضاء وليس كاجتذاب كتلة إلى أخرى أكبر منها وفشل في ذلك. ولا تزال مشكلة صياغة معادلة واحدة وموحدة لكل القوى الأربعة قائمة أمام البشرية على مدى قترة تزيد عن قرن واحد. وربما تعد تلك المعادلة مفتاحا لتقدم البشرية أجمع لأن الحضارة القائمة على الكهرباء قد استنفدت على الرغم من نجاحات الذكاء الاصطناعي وأجهزة الكمبيوتر. ربما تكمن وراء كواليس الطبيعة قوة جديدة ما تضع أساسا للقوى الأربع كلها، وهي روحها أي روح الكون. فما الذي أنتجه مصادم الهادرون؟ - اتبع الإجراء الروتيني لتفكيك الجسيمات الأولية بغية اختبار فرضية واحدة. ووفقا للفرضيات المتفق عليها من قبل الجميع، إذا قصفتَ جسيمات أولية بعناد، تحللت إلى عدد متساو تقريبا من الإلكترونات والميونات (الميون هو جسيْم غير مستقر للغاية يتحلل على الفور ويسبب ولادة مجموعة أخرى من الجسيمات). وبشكل عام، يجب أن يتحلل أي جسيْم من المادة بنسب متساوية إلى طاقة (إلكترونات) ومادة (ميونات). ولم يشك أحد حقا في أن هذا سيحدث. لكن الأدلة تشير إلى إطلاق المزيد من الإلكترونات. وهذا يعني أنه في وحدة المادة (على سبيل المثال، في ظفر إصبعك أو في الشطيرة التي تناولتها على الإفطار) يوجد طاقة أكثر من المادة نفسها. على ما يبدو، هناك فعلا خلف كواليس الطبيعة قوة جديدة غامضة، ربما كانت كامنة وراء القوى الأربع الأخرى. ويعنى ذلك أن معادلات الفيزياء المعاصرة غير صحيحة إلى درجة ما، وإننا نُدرك العالم المحيط بنا بشكل غير صحيح. وبطبيعتها، قد تكون هذه القوة هي التي جعلت عالمنا كما نعرفه. وعالمنا غير منطقي. وتقول قوانين الفيزياء المعروفة لنا أنه لا يجب أن نكون موجودين. لأن الكون يسير على طول مسار التبسيط، وهو مبدأ الانتروبيا، أو بالأحرى التطور من الأعقد إلى الأبسط ومن الولادة إلى الموت، وكل شيء في الكون يجب أن يلتزم بهذا المبدأ، بينما نرى عكس ذلك بوضوح: النظام الشمسي أكثر تعقيدا من التراكم العشوائي للحجارة، وهو حديث السن، الإنسان بشكل عام هو قمة التعقيد ، وقد ظهر منذ عدة ملايين من السنين. والعالم لم يصبح أكثر بساطة، لكنه أصبح أكثر تعقيدا، ويجب أن يدفعه شيء ما في هذا الاتجاه، شيء ما أو شخص ما: ولا يشك الأشخاص الذين يتعاملون مع الدين في أن الإرادة الإلهية وراء كل شيء. ودون إنكار مثل هذا الاحتمال، تجب ملاحظة أن قوة غير معروفة، كما لو كانت تشوه تناظر الكون، قد تكون نظيرا للعقل العالمي الذي يوجّه الكون. والتناظر عبارة عن مبان جميلة وزخارف على أجنحة الفراشات، لكن من وجهة نظر التطور، هذا هو الموت. فالكون حي لأنه غير متناظر، وهذه الحقيقة تبدو لغزا خاصا. ومن المحتمل أن تكون القوة التي تشوّه التناظر على المستوى الجزيئي هي التي جعلت العالم حيا ووجودنا ممكنا. يقوم الفيزيائيون الآن باختبار الحقائق التي أظهرها مصادم الهادرون الكبير، وتم الكشف عنها نهاية العام الماضي، ويحاول المنظّرون شرحها من خلال الأسباب المعروفة. وهذه هي مهمة المنظرين: استبعاد ما هو معروف بالفعل ، ثم سرد الحديث عن المجهول. وبالتالي، إذا أتقن الإنسان القوة التي خلقت كل شيء ليس بوقاحة، ولكن على مستوى التصميم ، فسيكون هو نفسه قادرا على خلق كل ما هو موجود بقوة الفكر. وبالطبع، لن يحدث ذلك غدا، لكن ربما يكون قد بدأ بالفعل اليوم. المصدر: كومسومولسكايا برافدا تابعوا RT على
مشاركة :