يسود نوع من الشرخ العميق بين التحذيرات العديدة التي تسمعها سراً من القادة العسكريين الأميركيين حول الحرب على تنظيم داعش، ومسائل الخلاف البليغة بين سياسيي الحزبين الديمقراطي والجمهوري. يستفيض السياسيون في الحديث عن هزيمة الإرهابيين، لكنهم قلما يتطرقون إلى التكلفة ومدى التضحيات المطلوبة بالمقابل. ويدرك الجنرالات والقادة العسكريون الكبار المنخرطون في الحرب منذ 15 عاماً، أن الفوز لن يتحقق بثمن زهيد. فهزيمة العدو تتطلب من أميركا التزاماً أوسع نطاقاً وأطول مدىً. وطفت، أخيراً، إلى السطح بعض المعطيات غير المطمئنة في هذا الصدد، فالقادة العسكريون يعلمون أنهم يحاربون عدواً همجياً، دأب على تعديل خططه وتكييفها منذ انضمام أميركا وشركائها للقتال منذ عام ونصف العام. ولم يفقد المتشددون إلا 25 بالمئة من المناطق التي استولوا عليها في منتصف عام 2014. وخاضت أميركا تجربةً كلفت البنتاغون 500 مليون دولار ثمن برنامج تدريب وتجهيز قوات معارضة سورية تساعد في مهاجمة داعش ودحره . وانهارت تلك الجهود العام الماضي، بعد انكفاء عدد من العناصر ومقتل البقية القليلة على أرض المعركة. وبرزت مسائل أخرى تعلمت منها أميركا دروساً، تتلخص بصعوبة إيجاد وتدريب عناصر ناضجة، البيئة القتالية المتبدلة غير الثابتة في سوريا، وصعوبة العمل مع شركاء إقليميين كل منهم لديه أجندة خاصة به. أما الدرس الأهم الذي تعلمته أميركا فهو أن تدريب قوات عسكرية موثوقة تلتزم بالمعايير الغربية جهد يتطلب أجيالاً لا شهوراً. وليست رغبة واشنطن في الحصول على نتائج سريعة إلا نتاج إحباطها ويأسها. وتنطوي حقيقة الصراع المؤلمة التي لا يبدو السياسيون والشعب الأميركي متقبلين لها في أن الصراع يتطلب التزاماً يطول لعقود من الزمن. وللمفارقة، فإن إصرار أميركا على حماية جيشها يمكن أن يؤدي إلى هزيمتها. وعلى الرغم من ادعاء أميركا بأنها تقاتل إلى جانب حلفائها، فإن التطورات على الأرض تشير إلى واقع مغاير. قد يكون القتال والعيش إلى جانب الحلفاء في العراق وسوريا أكثر خطورة، لكنه السبيل الوحيد لبناء تحالف متين، قد يتمكن يوماً من استئصال المتشددين. ويبدو التباين واضحاً بين التحذيرات الصارمة لجنرالات الحرب الذين عاينوا حروب العراق وأفغانستان، والخطابات المشحونة للزعماء السياسيين. واتسم تعهد أوباما بأن تكون حماية الشعب الأميركي وتعقب شبكات الإرهاب على رأس الأولويات وقوله إن تلك الشبكات لا تشكل تهديداً وجودياً لأميركا، بالتباس سرعان ما استغلته المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في حملتها. إلا أن تشدق الجمهوريين حول داعش أكثر سوءاً، وقد تعهدوا بتحقيق فوز أكيد من دون التطرق حتى إلى مستوى الالتزام والتضحيات، وقد كان المرشح الرئاسي دونالد ترامب حاسماً بالإشارة إلى تفجيرهم، وتأكيد منافسه السيناتور ماركو روبيو، أخيراً، أن الجيش الأقوى في العالم سيقضي على التنظيم. سيرث الرئيس الأميركي العتيد حرباً ممتدة ضد عدو إرهابي، لم يبدأ النقاش بعد حول السبل المثلى لمحاربته. الثقة لقد أدرك قادة أميركا مدى صعوبة تشكيل قوة سنية تساعد في استعادة أجزاء من العراق وسوريا من يد داعش والاحتفاظ بها، في حين لا يثق قادة القبائل السنية بأميركا وقوتها، وهو شعور تعززه جهود واشنطن لتجنب التورط في الوحول والاستمرار في اعتماد سياسة الاحتواء، وليس النصر.
مشاركة :