الجمعة الماضية تحدث خطيب مسجد (حارتنا) عن الإسراف في كل شيء، ونقل للمصلين أرقاماً ونسباً مخيفة ومفزعة، تتعلق بالفاقد من الأطعمة والمياه والمواد الاستهلاكية، تصل تكلفتها إلى مليارات الريالات سنوياً، كانت خطبته مميزة، ولغته مختلفة، وأداؤه جميلاً، ليس خطيباً تقليدياً بتلك الأصوات الرتيبة أو تلك الأصوات الجهورية المعنفة والمتشائمة والسوداوية، أو تلك الأصوات التي تلقي باللوم على المصلين وكأنهم سبب خراب الديار والعباد. خطيب (حارتنا) تحدث بلغة عقلانية: أرقام، نسب، تحليل، مقارنات، منطق، نتائج حلول توجيهات، كان بخلاف الكثير من الخطباء، ذلك أنه خاطب العقل، فيما غيره يخاطبون العواطف والمشاعر، لم يكن خطيباً (تعبوياً) ولا (حزبياً) ولا (طائفياً)، تحدث للإنسان، للمسلم ، للمواطن . كانت الخطبة في مسجد (حارتنا) لكل الناس، وليس للسياسة، لم يستغل المنبر ليرفع من شأن (اتجاهات سياسية) معينة، أو (اتجاهات فكرية)، قال كل ما يمكن أن يجعل المسلم السعودي واعياً للإسراف والتبذير في الماء والكهرباء والملبس والمأكل بأدلة وبراهين وإحصائيات، وليس بأسلوب عاطفي وبكائيات وتخويف لا يلبث أثرها أن يذهب بمجرد خروج المصلين من المسجد. قال: «يقدّر فاقد الغذاء بالمملكة بـ49.833 مليار ريال سنوياً»، وقال: «إن 90% من الأكل في الحفلات لا يستفاد منه». وقال: «إن 70% من الطعام الذي يطبخه السعوديون يذهب هدراً». وقال: «نسبة النفايات في مدينة جدة فقط بلغت 6 آلاف طن يومياً، 60 % منها غذائية بمقدار 3.6 ألف طن بحسب آخر إحصائية». وقال: «إنّ نسبة كبيرة من الأسر السعودية تصرف على مكالمات الهاتف الجوال 5000 ريال شهرياً». وذكر الخطيب أرقاماً وإحصائيات أخرى مفزعة في موضوع الإسراف في الكهرباء والمياه والمواد الاستهلاكية بصورة جعلتنا الأول على مستوى العالم، سواء في نسبة المصروفات أو في نسبة الفاقد. الخطبة جاءت كورقة اقتصادية (مبسطة) متضمنة آيات قرآنية وأحاديث نبوية تنهى عن التبذير والإسراف، كقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. وقوله تعالى : {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًاْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ»، والأجمل أنها جاءت بإلقاء هادئ كأنه يتحدث إلى المصلين عن قرب. في تقديري هذه خطبة نموذجية في كل تفاصيلها، خاطب العقل وقدم المشكلة وعرض صورها بأدلة وبراهين وإحصائيات وآيات قرآنية وأحاديث نبوية وتخيل نتائجها السلبية، إنها حديث من القلب للقلب، لهذا يستحق خطيب (حارتنا) أن نقول له شكراً وجزيت خيراً ونفع الله بك .
مشاركة :