فرنسا وألمانيا.. خلافات معلنة وتوترات صامتة

  • 1/24/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أشهر من التوترات مرت بها العلاقات بين فرنسا وألمانيا، أكبر قوتين اقتصاديتين في الاتحاد الأوروبي، إذ جاءت تلك التوترات في وقت كانت تحتاج فيه أوروبا إلى الوحدة أكثر من أي شيء آخر. فالدولتان، وعلى مدار الأشهر الأخيرة، وقفتا على طرفي النقيض تجاه عدد من الملفات والقضايا الاستراتيجية. وأول تلك الملفات ملف الطاقة، وفيه شهدنا معارضة ألمانية لتحديد سقف لأسعار الغاز، خوفاً من نقص الإمدادات، على عكس فرنسا و دول أوربية أخرى، فضلا عن أزمة خط الهيدروجين، الذي سعت إلى بنائه فرنسا مع البرتغال وإسبانيا، ليكون بديلاً لفكرة أنبوب نقل الغاز بين فرنسا وألمانيا وإسبانيا، بالإضافة إلى إقرار برلين برنامجا ألمانيا بقيمة 200 مليار يورو لتخفيف الأعباء الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة، دون التنسيق مع الدول الأوروبية، وهو ما رفضته فرنسا التي ترى أن برنامج الدعم الألماني سيؤثر على المنافسة، لأن بقية الدول لا يمكنها إطلاق برنامج بهذا الحجم الضخم. ومثلت العلاقات مع الصين نقطة خلاف كبيرة بين برلين وباريس، إذ عارضت فرنسا سماح ألمانيا للصين بالاستثمار في أكبر ميناء ألماني بمدينة هامبورج الشمالية، وحينها أكد الرئيس إيمانويل ماكرون أن الموافقة على استثمار الصين في الموانئ الأوروبية تعد خطأ استراتيجيا. وزاد من حدة الخلافات بين برلين وباريس، زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس للصين في نوفمبر الماضي، وهي الزيارة التي أثارت خشية كبار أوروبا من أن تسعى بكين إلى تأليب برلين على جيرانها. حول هذا الموضوع دار الجزء الأول من برنامج «مدار الغد». من العاصمة الفرنسية، قال الدكتور جعفر بوزميطة، أستاذ الاتصال السياسي بجامعة باريس، إن مسألة الخلاف بين البلدين لم تعد حادة بالشكل الذي عهدناه بالمعنى الكلاسيكي، ولكن هي طريقة من أجل فرض رؤية معينة في إعادة بناء الاتحاد الأوروبي وإعادة المفاهيم التي غابت منذ فترة، وهذا لب الخلاف بين الطرف الألماني والطرف الفرنسي، ومن جملة هذه المفاهيم، وبالرغم من أن الرئيس ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس عبرا بصفة علنية عن أنهما يتفقان في مسألة أوروبا القوية إلا أن ذلك لا يخفي الاختلاف العميق وغياب السياسة الموحدة التي تجمع أوروبا، لذا فإن الخلاف الألماني الفرنسي ما زال قائما ولكن ليس بالشكل الذي عهدناه تاريخيا. من فيينا، قال سيباستيان شيفر، مدير معهد الدانوب ووسط أوروبا ردا على سؤال هل نحن أمام حالة من حالات الصراع ما بين برلين وباريس حول قيادة أوروبا، إن هذا السؤال مثير للاهتمام، مضيفا: «أعتقد أننا لسنا بالضرورة سنرى صداما بين ألمانيا وفرنسا، فمؤخرا كان هناك احتفال 60 عاما للعلاقات بينهما، لن تكون هناك خلافات كبيرة بين الطرفين، ولكن ربما تكون هناك اختلافات ما بين دول أخرى في الاتحاد الأوروبي غير هاتين الدولتين». وأضاف أنه لا يعتقد أن كليهما يتمتع بنفس الرغبة في قيادة أوروبا، لكنه يعتقد أن الاتحاد الأوروبي سوف يؤدي بشكل أفضل إذا كانت الدولتان متناسقتين في المواقف، ألمانيا وفرنسا أكثر الدول والأصوات أهمية على صعيد الاتحاد الأوروبي. وفي الجزء الثاني من الحلقة، تمت مناقشة قضية انشغال واشنطن بأزماتها، وكيف تحقق أوروبا استقلالها الاستراتيجي؟ فهناك من يرى أن المواقف الأوروبية والأمريكية وجهان لعملة واحدة، بل هناك من يرى أنه منذ أنهت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وهي تسيطر تماما على السياسات الخارجية لتلك القارة العجوز. لكن التصريحات التي تخرج مؤخرا من باريس تحديدا، وربما من برلين، تؤشر تلميحا لا تصريحا إلى رغبة أوروبية في فك الارتباط التاريخي مع الولايات المتحدة. من باريس، قال دومينيك ترانكان، الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، إن التهديد الحالي في شرق أوروبا يتعلق بدول الناتو التي تشعر بالخوف من العدوان الروسي، ونحن الآن في فرنسا ننظر للأمر من داخل الناتو، فنحن نحاول أن نكون قوة داخل الناتو تكون مساعدة للحلف وأيضا للأوروبيين من غير أعضائه. وأضاف أنه منذ سنتين كان الوضع مختلفا تماما عما هو عليه الآن، كانت هناك مشكلات كبيرة تتعلق بأفغانستان، وكان الناتو في ذلك الوقت ميتًا بمعنى الكلمة، فلم يكن هناك أي شيء يفعله وقد تم تهديده أكثر من مرة بواسطة الروس، وأيضا منذ عام أو أكثر قيل إننا لا نستطيع تغيير الوضع الحالي في أوروبا مع وجود هذا التهديد من روسيا، لذلك فنحن نحتاج لأن تكون هناك قوة داخل الناتو من أجل مقاومة روسيا. ومن برلين، رد الدكتور أولريك بروكنر، أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة ستانفورد، على سؤال بشأن كيفية تحقيق أوروبا للاستقلال الاستراتيجي المنشود الغائب بعيدا عن المصالح الأمريكية، فقال إن السؤال الذي يطرح نفسه هل أوروبا تريد أن تستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية وسيطرتها؟ معقبا: «أعتقد أنه ليس هناك إجماع بين دول الغرب على الاستقلال ونحن الآن لسنا في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، نحن لسنا في هذا العهد ولكننا الآن في سنة 2023 ولذلك فإن الغرب يعلم جيدا أن هناك بعض القوى العالمية الأخرى التي تظهر في المشهد، وهناك بعض الدول الأوروبية التي تعمل على وجود مصالح مع بعض القوى الأخرى».

مشاركة :