خلال أمسية تكريمية: قصيدة حبيب الصايغ تغنّت بأمجاد الإمارات

  • 1/27/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

نظّم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في مقره في القصباء مساء أمس الأول احتفالاً تكريمياً للشاعر حبيب الصايغ الأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء العرب، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، بمناسبة فوزه بجائزة العويس الثقافية في مجال الشعر، ويعتبر أول شاعر إماراتي يفوز بها، وأدارت الاحتفالية الشاعرة شيخة المطيري التي قالت إن حبيب الصايغ هو أحد رواد الحداثة الشعرية في الإمارات وأبرز الأوجه الشعرية فيها، وقد استطاع بتجربته الممتدة أن يصل بشعره إلى الآفاق العربية ويستقطب اهتمام الأوساط الأدبية العربية، وقرأت المطيري رسالة من الكاتب عبدالحميد المعيني بعث بها إلى الاحتفالية يقول فيها: لقد بنى حبيب الصايغ للشعر في الإمارات أبراجاً ومنارات من الكبرياء الأدبي تنير سبل العابرين إلى ألق الوطن وأناقة الحياة علماً وفكراً ومجداً. شهدت الاحتفالية تقديم ورقتين بحثيتين حول شعر حبيب الصايغ، قدم أولاهما الدكتور صديق جوهر الأستاذ في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة العين، ونوه في البداية بأن قسم اللغة الإنجليزية في الجامعة يعكف على ترجمة الأعمال الكاملة لحبيب الصايغ إلى اللغة الإنجليزية، وسيصدر الجزء الأول منها مع الدورة المقبلة من معرض أبوظبي. واستهل جوهر حديثه عن شعر الصايغ بالقول إنه شكل على مدى ثلاثة عقود رافداً معرفياً يغذي الساحة الوطنية بالكلمة الشاعرة والأسلوب الرفيع، ما جعله في مقدمة شعراء الإمارات، فإذا كان لفرنسا ستيفان مالارميه الذي خلّد أمجادها، ولأمريكا والت وايتمان الذي حفظ تراثها وقيمها، وللهند رابندرات طاغور الذي رفع صيتها، فإن للإمارات حبيب الصايغ الذي خلّد قيمها، ومجّد إنسانها، وغنّى لبحرها ونخيلها وجبالها وأوديتها، وبشّر بتقدمها وتطورها، ودافع عن استقلالها وانتمائها الحضاري، وشدا للسلام والتعايش والتفاهم مع الآخر كشعارات وطنية لها، فكان شعره تاريخاً لحركة المجتمع وما شهده من تطورات وأحداث خلال تلك العقود الثلاثة، يبرز قيمة التشابك بين الماضي والحاضر، والجمع بين الأصالة والحداثة سبيلاً للتطور الصحيح. وأضاف جوهر أن إنتاج الصايغ بما هو إنتاج حداثي متطور باستمرار يتقاطع مع ثلاثة تيارات أدبية: أدب الحداثة وأدب ما بعد الحداثة، وأدب ما بعد الكولونيالية، فكل تلك التيارات تجد لها صدى في شعر الصايغ سواء من ناحية الأبنيةأو الموضوعات الأدبية، ما يجعله في الصميم من حركة التطور الإبداعي، وتشهد العتبات النصية لديه على ذلك، كما يشهد إنجازه في مجال قصيدة النثر بشكل خاص على أنه سابق لعصره، فقد تناولها بفهم ووعي فني يتطابق مع المنظور الغربي لهذه القصيدة، ويتجاوز فهم الشعراء العرب لها، ما يمهّد له الطريق للوصول إلى العالمية. وختم جوهر بأن شعر الصايغ يشكل معماراً تتداخل فيها البنى اللفظية والتصويرية والمغامرة الإنسانية الجمالية مع الخصوصية المحلية ما يعطيه تميزه وإدهاشه الدائم. الورقة الثانية هي ورقة الدكتور محمد نور الدين وعنونها بتحليل لديوان رسم بياني لأسراب الزرافات واستهلها بالقول بأن حبيب الصايغ من أوائل من انخرطوا في سلك التعليم في أبوظبي، وتخرج في الثانوية ليلتحق بالجامعة ليحصل على الإجازة في الفلسفة، ولينخرط في العمل الثقافي والصحفي ويبرز كواحد من شعراء الثمانينات المتميزين الذين وضعوا بصمتهم، وكان صوته بارزاً في تلك الفترة، ولولا بعد الساحة الإماراتية عن المراكز الثقافية في تلك الفترة لكان له شأن كبير وصيت رفيع بين كبار الشعراء العرب حينها. وأضاف نور الدين أن الصايغ حقق إنجازه الأدبي بجرأته وإيمانه بما يكتب وركوبه موجة الحداثة الشعرية في وقت تأخر فيه آخرون وتوجسوا منها خوفاً، فوصل إلى الضفة الأخرى متباهياً بما حققه، وقد تميز إبداعه الشعري بثلاث ميزات أساسية، من أهمها أنه خلق عالمه الأسطوري الخاص به، فرموزه وأساطيره يستقيها من بيئته وثقافته وخصوصية مجتمعه، ولا يستجلبها من المجتمعات الأخرى كما فعل أغلب شعراء الحداثة، ومنها أن الجملة الشعرية عنده أصيلة محكمة البناء، تعتمد الصياغة الكلاسيكية الواضحة، ولا تركب مركب الغموض والصياغات الشاذة التي تخل بالتركيب الشعري، وثالثة المميزات، أن صوره كلية شاملة للنص بكامله، وليس تصوير جزئياً مشتتاً، وقد جعلت تلك الميزات شعره يختلف عن شعر غيره، لأنه يؤلف بأسلوب خاص، وبمنطق جديد كل الجدة، ويرتاد عوالم لم يرتدها غيره، وينقل قارئه إلى أرض غير الأرض التي عرفها. حفل التكريم كان مناسبة للصايغ لقراءة قصائد من مختلف دواوينه الشعرية التي كتبها خلال مسيرته الشعرية، وبدأها بقصيدة بعنوان إلى بدر شاكر السياب في ذكراه الخمسين حمل فيها حيرة شاعر الراهن العربي إلى شاعر الخمسينات من القرن الماضي الذي عايش هو الآخر راهنا عربياً وكان شاهداً عليه وانخرط في حداثته الشعرية فكان الصوت البارز فيها، تبدو القصيدة مثقلة بأشجان الحاضر الممزّق طولاً وعرضاً ولا يحمل إلا المآسي، وإلا الخلافات والقتل والصراعات على الهويات الضيقة، فهل كانت أماني السياب كاذبة، وستصبح أماني الشاعر اليوم أكذوبة غداً، يقول الصايغ: لست حياً ولو في المجاز فيا بدر لا تمتحني بتجربة الشعر في شاعر مات/ والشعر في الأصل حي/ وينبض كالذكريات/ ولو قلت موجز أنباء نفسي لازددتَ يا بدر موتاً/ ويكفيك موتك/ لا أريد لك الموت أكثر من مرة يا زميل/ ويكفيك موتك/ فلتجب الآن عن بعض أسئلتي في السياق المفخخ كالغدر/ هل شبعتَ من الموت/ أم أن تفعيلة الموت تنتظم الآن ليلك/ منذ الحنين الأول إلى آخر الليل أو مطلع الفجر. ثم قرأ الصايغ قصائد منها الرقم، الهواء، والبنت تحت الدوش، وخصوصاً، والحب من طرف واحد، لا تسألني كم أحبك، وراوح فيها بين الغزل والتقاط الجمال، واستكناه رمزية الأشياء مثل ما فعل مع الهواء الذي حاول أن يستقرئ ما يحمله من رمزية التشيؤ والشفّافية والاجتماع والتبعثر في طبيعته، وحضوره وغيابه وهيمنته على كل شيء، ولطفه خبثه، فهو كائن يجمع الشيء وضده، كأنه رمز للإنسان في تجلياته المختلفة، يقول الصايغ: وحين يضج هواجس أو أمنيات / تسافر أطيافه في بلاد من الزغب المستحيل/ وتزهر حتى يرى شيبها / في اخضرار النخيل/ وأوردة الفتيات النحيلات/ واللابسات من الغيم/ ما يتماهى وعري الكلام النحيل/ محض شيء/ وكان على كل شيء أميرا/ محض شيء لطيف/ ولكنه حين يسرح يبتكر الحيل الوقحة. وختم الصايغ قراءته بقصيدة مهداة إلى الشاعر الجواهري.

مشاركة :