الشارقة: عثمان حسن استذكر كتاب وشعراء ونقاد، ورموز سياسية إماراتية وعربية، فقيد الساحة الأدبية المحلية والعربية، الشاعر والإعلامي حبيب الصايغ، بوصفه شاعراً، صاحب قصيدة لن تغيب، ومثقفاً كبيراً، ورجلاً وطنياً، كانت له مواقف مشهودة في الساحة الثقافية العربية، جاء ذلك خلال أمسية الوفاء التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في قصر ثقافة الشارقة، بعنوان «حبيب الصايغ.. أيقونة الثقافة والإبداع»، بحضور نورة الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، والدكتور زكي نسيبة وزير دولة، وعدد كبير من المثقفين والشعراء والإعلاميين الإماراتيين والعرب، كما حضرها زوجة الفقيد، وأولاده سعود، وسارة، وفاطمة، ومريم.سبق أمسية التأبين معرض يسلط الضوء على جانب من كتابات حبيب الصايغ الأدبية، والشعرية، في العديد من الصحف الإماراتية، والعربية، وتضمنت عدة مقالات نقدية عن الفقيد أكدت مكانته الإبداعية السامقة، أعقب ذلك عرض فيلم رصد محطات كثيرة في حياة الصايغ في جانبيها الثقافي والإعلامي، خاصة منجزه الشعري.أدارت الأمسية الشاعرة شيخة المطيري عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب، وألقيت فيها كلمات لنورة الكعبي، ود. زكي نسيبة، والناقد عبد الحميد المعيني «الأردن»، كما تضمنت قصائد لمجموعة من الشعراء وهم: د. شهاب غانم، ومحمود نور، ونجاة الظاهري، وفاطمة المعمري من الإمارات، وهبة الفقي «مصر» ورعد أمان «اليمن» ونورة المليفي «الكويت». عجز الكلمات في كلمتها قالت د. نورة الكعبي: «تعجز الكلمات عن التعبير عن الحزن الذي سكن قلوبنا بفقدان شاعرنا وأديبنا بوسعود، فقد خسرنا قامة ثقافية وأدبية، لكن كلماته باقية فينا، شعلة متوقدة بالفكر والأدب والشعر».وتحدثت الكعبي عن تجربة شخصية تؤرخ لبدايات تعرّفها إلى الصايغ، فقالت «أول مرة أشاهد فيها بوسعود عندما كنت في المرحلة الابتدائية بمدرسة آمنة بنت وهب، عندما كان يعتاد أن يصطحب زوجته إلى البيت، وبالمناسبة كانت زوجته معلمتي لمادة العلوم، وسمعت لأول مرة اسم حبيب الصايغ من والدتي التي كانت مديرة المدرسة، حيث كانت تتحدث معه عبر الهاتف حول مقال كتبه ينتقد المدرسة، هذه بداية معرفتي بهذا الإنسان الوطني المخلص، فهو مدرسة في العطاء والإبداع، وبوصلته متجهة دائماً نحو الوطن، لم تحد يوماً عن الطريق».وتابعت وزيرة الثقافة: «بوسعود من مؤسسي المدرسة الشعرية الإماراتية العصرية، وهو من جمع بين العمل الصحفي والأدبي، وأبدع في المجالين، رحل عنا بوسعود، لكن إرثه الشعري والأدبي ينبض في عروقنا، في كل يوم ننهل من إبداعاته، نتعلم من إنتاجه الأدبي، ونستلهم من سيرته حب الوطن، تجربة بوسعود وطنية خالصة، فريدة في مسارها، ينبغي أن ندوّنها ونحفظها وندرّسها لأجيال المستقبل. ظلّ بوسعود ممسكاً بالقلم، حارساً للوطن بكلماته، وبقي قلمه معطاءً مبدعاً حتى آخر يوم في حياته»، وأضافت: «كانت الثقافة العربية تسكن في قلب وعقل بوسعود، رغم مرضه، وكبر سنه، لكنه كان حريصاً على المشاركة في الفعاليات الثقافية المحلية والعالمية، ينقل ثقافتنا العربية إلى العالمية، وأتشرف أني تعرفت إليه عن قرب، تعلمت منه، وأفادتني ملاحظاته، فقد كان ثاقب الفكر، مثقفاً وموسوعياً، ولن أنسى عطاءه ولمساته الإبداعية والإنسانية ما حييت».ولفتت الكعبي إلى أن الصايغ كان من أكبر الداعمين للكتاب الشباب، وقالت «مهما قلنا، فلن نوفي بوسعود حقه، لكن واجبه علينا أن نصون إرثه وإبداعه وننشره أمام محبي الشعر والأدب والثقافة، فنحن نفخر بابن الوطن الذي سيبقى أباً للمثقفين العرب جميعاً، وأبا للمدرسة الشعرية الإماراتية الحديثة». حدس مرهف وبدأ د. زكي نسيبة كلمته بالإشارة إلى الأيام القليلة التي سبقت رحيل الصايغ بقوله «قبل وفاته، رحمه الله، بيومين، اتصل بي الأخ حبيب، وأنا في مهمة خارج الإمارات محاولاً، كعادته، وهو لطالما مد يد العون والمساعدة لكل محتاج لجأ إليه، أن يساعد طالباً في جامعة السوربون، تعثر في سداد أقساطه الجامعية. لكنه، وعلى غير عادته أضاف مداعباً - وهو من عودنا دائما على فائض الجد والوقار في كل أقواله وأفعاله، ترى أنا طلبتك.. أه لدي شوق أن أسمع صوتك ولو من بعيد، وأغلق السماعة، وضحكته الرقيقة ترن في مسمعي».وأضاف د. نسيبة: «عندما وصلتني بعد ذلك برقية تبلغني بالحادث الجلل، تراءى لي أنه قد شعر بحدسه الشعري المرهف بقرب ساعة ترجله من الحافلة التي تقلنا جميعاً إلى آجالنا المحتومة، فأراد الاتصال بأصدقائه مرحاً مودعاً، لكي تسكن ابتسامته المطمئنة الدعوبة كذكرى أخيرة في قلوب محبيه».وقال نسيبة «إنَّ لقاءنا اليوم ليس سوى إحدى صور التعبير عن العرفان والوفاء الكريم لفقيد الإمارات، الشاعر والإعلامي والكاتب حبيب الصايغ، هذا الراحل الكبير، الذي ترك لنا إرثاً تفخر به الأجيال، ولا أخفي عليكم أنه يصعب على أيّ منّا اختزال مسيرته المهنية في بضعة سطور، فقد كان الفقيد المبدع، رحمهُ الله، أحد رجال الإعلام المميزين الذين تركوا بصماتهم في الصحافة الوطنية، وفقدنا برحيله كاتباً حراً، وقلماً مبدعاً، وأحد رموز الصحافة والثقافة في الإمارات».وقال نسيبة «كان الصايغ أستاذاً ومدرسة، نموذجاً ومثالاً، شديد الاعتزاز بنفسه، شديد الاحترام لمهنته، صائغاً مبدعاً يحوك من اللغة مفردات وتعبيرات تسري مسرى الحكمة، مبدعاً من طراز فريد يعرف أصول المهنة وتقاليدها، ورمزاً من رموز الثقافة والأدب في المنطقة كلها».وعبر نسيبة عن قسوة الموقف الذي يتحدث فيه عن موت أخ بمثابة الشقيق، وفقدان صديق كان بمثابة السند، أفنى حياته بين التألق والإبداع والتميز، وقام بتأدية واجبه الصحفي طوال مشواره المهني الذي امتدّ لأكثر من نصف قرن على أكمل وجه، وترك إرثاً مهنياً تتعلّم منه الأجيال القادمة في مدرسة الصحافة الصادقة التي تقود إلى النماء والرخاء والازدهار.وختم نسيبة حديثه بالإشارة إلى تلك الحياة الزاخرة بالعمل والإبداع في حياة الصايغ، كما تطرق إلى نتاجه الثقافي والإبداعي المؤثر عربياً.و ألقى الشاعر رعد أمان قصيدة بعنوان «فراق حبيب»، وقرأ محمود نور قصيدة بعنوان «إلى روح حبيب بن يوسف الصايغ»أما د. شهاب غانم فقرأ قصيدة بعنوان «إلى روح الصديق الشاعر حبيب الصايغ» شمس لن تغيب نورة المليفي ألقت قصيدة بعنوان (حبيب الجميع) وهو اللقب الذي أطلقه عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال لقاء سموه ضيوف المؤتمر السابع والعشرين لاتحاد الكتاب العرب في العاصمة أبوظبي.هبة الفقي قرأت قصيدة بعنوان «شمس لن تغيب»، وألقت نجاة الظاهري نصاً مميزاً عن الراحل الكبير، و جاء نص فاطمة المعمري عن الفقيد ليتحدث عن أحساسها بلوعة الغياب. أستاذ جيل تحدث الناقد الأردني عبد الحميد المعيني عن مكانة حبيب الصايغ الأدبية والشعرية والإنسانية فقال: «كان لقاؤنا الأول منذ 50 عاماً في مدرسة ثانوية جابر ابن حيان في أبوظبي، ثم في مهرجان جرش في عمان، وفي ثانوية ابن حيان أقمنا أول موسم ثقافي كان حبيب الصايغ تلميذاً يمسك بخيوط تجربته الشعرية الأولى، وسجلنا له في برنامج (نسمات من الخليج)، بعد ذلك التقينا عشرات المرات، وفي احتفالية وزارة الثقافة في عمان اصبح الصايغ صاحب المنجز الشعري والنثري المتميز، وأعترف أنه اصبح أستاذ الجيل».وأضاف: «كأنك أيها الراحل الكبير أبيت إلا أن تودعنا، في بيتك الآخر بعمان، ها نحن نطوي المسافات إليك، والمصاب جلل، والفراق يصدع العقل والقلب»وقال المعيني: «حبيب الصايغ شخصية أدبية راقية، شكل منجزاً شعرياً باهراً، وكان صاحب رؤيا أدبية في كل ما يكتب، حتى في مقالاته الصحفية، فهو حافظ على هذا المشروع بجدارة وحضارة وكبرياء، ولا عجب أن يكون المؤتمن على إبداعات الكتاب في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وفي اتحاد الكتاب العرب، وله إرث كبير زاخر من الشعر نحو 15 ديواناً شعرياً. إرث ثري زخر الأرشيف الأدبي الذي تضمنه المعرض الذي أقيم مساء أمس الأول في قصر الثقافة بالشارقة، على هامش الأمسية، بتنوع ثقافي يعكس الثراء المعرفي الذي كان يتمتع به الفقيد الراحل، ما بين الشعر والمقالة والرأي الذي يهتم بالثقافة والشعر وتربية الصغار والناشئة والشباب، كما عكس البعد الوطني عند حبيب الصايغ، هذا الذي رافقه منذ تأسيس الإمارات، فكان على الدوام كاتباً كبيراً، وشاعراً ذا وجهة نظر، كما كان وهذا مهم أيضاً كاتباً ذا نزعة وطنية يحب بلده الإمارات؛ هذه الدولة التي تم تأسيسها على أكتاف شخصية فذة، هو الباني المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.في الجانب الثقافي يقدم المعرض بانوراما متنوعة من ثقافة حبيب الصايغ عبر ما كتبه وما كتب عنه من قبل المثقفين العرب، ومن ذلك على سبيل المثال: تلك القراءة التي قدمها الشاعر البحريني قاسم حداد في أحد دواوين الصايغ المبكرة «التصريح الأخير للناطق الرسمي باسم نفسه»، حيث يكتب حداد: «يتجه بحث الصايغ إلى اللعب على منجزات الحركة الشعرية الحديثة فيصوغ القصيدة أو يرتبها في بناء إيقاعي دائري مثلاً، ليجرب طريقة تعبيرية تحمله، فيبدو لنا بحثه الفني صادقاً هنا تماماً».ومن جانب آخر كتب الصايغ ضمن إحدى مقالاته القديمة يقول: «يفتح أولادنا عيونهم عندما يولدون على وطن جديد معافى رعته عناية الله، وبنته مستقبلاً يد زايد، الوالد القائد، والزعيم الفذ.. يكتب أطفالنا في مدارسهم، في إنشائهم كتاب الحب، ويصوغون من مشاهداتهم كلمات الوفاء والعرفان.. إنه «بابا زايد» الذي علم الكبار قبل الصغار، والآباء قبل الأبناء والأحفاد».
مشاركة :