واشنطن/رام الله - يستعد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للقيام بجولة خارجية للمنطقة تشمل مصر وإسرائيل والضفة الغربية، بينما تأتي الزيارة التي أعلنت عنها الخارجية الأميركية الخميس على وقع تصعيد عسكري إسرائيلي خطير في جنين بالضفة. ويبدو أن التصعيد العسكري الإسرائيلي استعجل زيارة بلينكن للمنطقة بحثا عن تهدئة التوترات بعد قتل الجيش الإسرائيلي تسعة فلسطينيين (اليوم الخميس) في مخيم جنين، ما دفع السلطة الفلسطينية لتعليق التنسيق الأمني مع الحكومة الإسرائيلية. وتأتي التطورات الأخيرة بينما سبق أن أبدت واشنطن وعواصم عربية وغربية في الاشهر القليلة الماضية مخاوفها من عودة العنف للأراضي الفلسطينية على اثر فوز أحزاب يمينية دينية متطرفة في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أعادت بنيامين نتنياهو زعيم الليكود للسلطة وبعد أن شكلت الأحزاب الدينية المتطرفة حزام ائتلافه الحكومي. وذكرت الخارجية الأميركية أن بلينكن سيبدأ جولته يوم الأحد وتستمر حتى الثلاثاء من الأسبوع المقبل ليناقش مع قادة المنطقة التوترات المتصاعدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بالإضافة إلى الحرب في أوكرانيا. وجاء الإعلان عن الزيارة بعد ساعات فقط من إعلان مسؤولين فلسطينيين أن القوات الخاصة الإسرائيلية قتلت سبعة مسلحين واثنين من المدنيين في الضفة الغربية المحتلة، مما يثير مخاوف من وقوع مزيد من العنف بعد أكبر حصيلة قتلى في يوم واحد منذ سنوات. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس في بيان اليوم الخميس، إن بلينكن سيناقش مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية وسبل الإبقاء على حل الدولتين. وتابع "مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، سيشدد الوزير على الحاجة الملحة إلى أن يتخذ الطرفان خطوات لتهدئة التوترات من أجل وضع حد لدائرة العنف التي أودت بحياة الكثير من الأبرياء". وأضاف أن بلينكن سيناقش أيضا أهمية الحفاظ على الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، حيث أثارت زيارة وزير الأمن الوطني الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير غضب الفلسطينيين في الآونة الأخيرة. ولا يسمح الوضع القائم الممتد منذ عقود سوى للمسلمين بالصلاة في حرم المسجد الأقصى. وتأتي زيارة الوزير الأميركي في أعقاب زيارة مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان إلى إسرائيل الأسبوع الماضي، حيث ناقش الحرب في أوكرانيا وكذلك المخاوف بشأن دعم إيران للغزو الروسي من خلال توفير طائرات مسيرة. وبينما أدانت إسرائيل الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد اقتصرت مساعدتها لكييف على المساعدات الإنسانية ومعدات الحماية. وقال برايس إن بلينكن سيلتقي في القاهرة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي ومسؤولين مصريين آخرين بهدف تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين وتعزيز دعمهما المشترك للانتخابات في ليبيا والمحادثات لتشكيل حكومة مدنية في السودان بعد الانقلاب العسكري عام 2021. وقالت باربرا ليف كبيرة مسؤولي وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط إن الولايات المتحدة تسعى للحصول على معلومات من إسرائيل بعد مقتل مدنيين خلال غارة شنتها القوات الإسرائيلية اليوم الخميس في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة. وأضافت لصحفيين عبر الهاتف قبل زيارة بلينكن للمنطقة، أن المسؤولين الأميركيين يسعون إلى فهم الحادث ويحثون على وقف التصعيد، واصفة الخسائر البشرية بأنها "مؤسفة". وأعربت الولايات المتّحدة كذلك الخميس عن أسفها لقرار السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل بعد حصيلة القتلى الفلسطينيين الثقيلة في الضفة الغربية المحتلّة. وقالت باربرا ليف "من الواضح أنّنا لا نعتقد أنّ هذه هي الخطوة الصحيحة التي يجب اتّخاذها في هذه اللحظة"، مضيفة "نعتقد أنّه من المهم جدا أن يبقي الطرفان على التنسيق الأمني، وإذا كان هناك من أمر، فيتعيّن تعزيز التنسيق الأمني بينهما". وجاءت التعليقات الأميركية بينما قرّرت القيادة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل في أعقاب العملية العسكرية التي نفّذها الجيش الإسرائيلي في مخيّم جنين للاجئين. وفي ختام اجتماع طارئ للقيادة الفلسطينية، قال نبيل أبوردينة الناطق باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إنّه "في ضوء العدوان المتكرّر على أبناء شعبنا والضرب بعرض الحائط بالاتفاقيات الموقّعة، قرّرت القيادة الفلسطينية اعتبار أنّ التنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال لم يعد قائما اعتبارا من الآن". وبحسب أبوردينة فإنّ القيادة الفلسطينية عقدت هذا الاجتماع الطارئ إثر "المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم في جنين بحق أبناء شعبنا". وكانت القيادة الفلسطينية اتخذت نفس القرار غير مرة في العامين 2019 و2020، لكنّ تنفيذه لم يأخذ منحى جديا على الأرض. وتنصّ الاتفاقيات السياسية التي وقّعتها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1993 على حصول تنسيق أمني بين قوى الأمن الفلسطينية والقوات الإسرائيلية لمكافحة "الإرهاب". كما قرّرت القيادة الفلسطينية "التوجّه الفوري لمجلس الأمن الدولي لتنفيذ قرار الحماية الدولية للشعب الفلسطيني تحت الفصل السابع ووقف الإجراءات الأحادية الجانب". كما قرّرت "التوجّه بشكل عاجل للمحكمة الجنائية الدولية لإضافة ملف المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنين إلى الملفات التي تم تقديمها سابقاً". جنين (الضفة الغربية) - سلطت عملية عسكرية واسعة نفذها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين بالضفة الغربية، الضوء على انتقال تركيز الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة على الضفة، وهو سيناريو كان متوقعا على نطاق واسع منذ التزام حركة حماس الصمت كلما تعرضت حركة الجهاد في القطاع لهجمات إسرائيلية دقيقة. وقال شهود ومسعفون إن القوات الخاصة الإسرائيلية قتلت تسعة فلسطينيين بينهم امرأة مُسنة وأصابت 12 آخرين خلال اشتباكات مع مسلحين اليوم الخميس في بلدة تشهد قلاقل بالضفة الغربية المحتلة. وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن القتلى في جنين هم سيدة مُسنة وثمانية رجال. ولم تتوفر على الفور تفاصيل أخرى بشأن هوياتهم. ووفقا للوزارة، قُتل 29 فلسطينيا على الأقل، من بينهم مسلحون ومدنيون، على أيدي القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية منذ بداية العام. وقال الجيش الإسرائيلي إنه أرسل قوات خاصة إلى جنين لاعتقال أعضاء من حركة الجهاد الإسلامي المسلحة المشتبه في تنفيذها "عدة هجمات كبرى" والتخطيط لها وأطلقت الرصاص على العديد منهم بعد أن فتحوا النار. وأكدت حركة الجهاد الإسلامي أن مسلحين تابعين لها خاضوا اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في أثناء اقتحامها مخيم جنين للاجئين، وهو معقل لنشطاء تندر فيه مثل هذه المداهمات المتوغلة كثيرا في عمقه. وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن رجالها أيضا شاركوا في الاشتباكات، في إعلان يؤكد كذلك رغبة الحركة في انتقال المواجهات مع الجيش الإسرائيلي إلى الضفة الغربية حيث مقر السلطة الفلسطينية في رام الله وأين تتواجد حركة فتح التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وحصيلة القتلى هي الأعلى في جنين منذ سنوات ودفعت حركة الجهاد الإسلامي إلى التحذير من أن الهدنة التي أبرمتها مع إسرائيل، بعد تبادل قصير لإطلاق النار عبر حدود قطاع غزة العام الماضي، قد تكون في خطر. وقال مسؤول في الجهاد الإسلامي إنهم تواصلوا مع وسطاء وأبلغوهم أن ما يحدث في جنين هو حرب إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وأن الأمر لن يتوقف عند جنين محذرا من أن استمرار العنف قد يؤدي إلى تصعيد في أماكن أخرى. وعند مداخل أزقة المخيم الضيقة، ألقى شبان الحجارة على مركبات للجيش الإسرائيلي. ودوت أصوات إطلاق نار وانفجارات بين الحين والآخر عندما فجر مسلحون قنابل بدائية. وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية وانقشاع الدخان والغاز المسيل للدموع، تدفق سكان المخيم، الذين احتموا من الاشتباكات، للتحقق من الإصابات. ولحقت أضرار جسيمة بمبنى من طابقين كان محور القتال. ولم يسقط قتلى في صفوف القوات الإسرائيلية. وذكر بيان الجيش أن فلسطينيا واحدا على الأقل اعتُقل خلال المداهمة. وجنين من مناطق شمال الضفة التي كثفت فيها إسرائيل مداهماتها على مدى العام الماضي بعدما شن مسلحون هجمات شوارع في مدن إسرائيلية. وخيم العنف أكثر على محادثات متوقفة ترعاها واشنطن تهدف لإقامة دولة للفلسطينيين. وأدى الجمود أيضا إلى تزايد الدعم الفلسطيني لحركتي حماس والجهاد الإسلامي. ومنذ فوز أحزاب اليمين الديني المتطرف في الانتخابات الأخيرة وعودة بنيامين نتنياهو للسلطة وإحاطة نفسه بائتلافات متشددة يتقدمها حزب الصهيونية الدينية و'عوتسما يهوديت' (العظمة اليهودية أو القوة يهودية)، تسود مخاوف من تصعيد عسكري إسرائيلي خطير قد يفجر موجة عنف وعنف مضاد متنقلا بين القدس وأحيائها إلى مدن الضفة وقراها. وتدفع هذه الأحزاب إلى تغيير قواعد الاشتباك مع الفلسطينيين ويركز ايتمار بن غفير زعيم القوة اليهودية والذي تولى منصب وزير الأمن القومي في حكومة نتيناهو، على دعم الاستيطان في الضفة وتصعيد المواجهة مع الفصائل الفلسطينية وتضييق الخناق على العرب داخل إسرائيل. وإلى حدّ الآن تبدو المؤشرات على نشوب حرب ضعيفة، لكن ثمة بوادر على استدعاء الحرب وسط تصعيد إسرائيلي وتهديدات فلسطينية بالرد.
مشاركة :