وغُرْبة بول ريكور! - أ.د.حمزة بن قبلان المزيني

  • 1/27/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الزمان والسرد: الحبكة والسرد التاريخي الجزء الأول - ترجمة سعيد الغانمي وفلاح رحيم راجعه عن الفرنسية الدكتور جورج زيناتي طرابلس: الجماهيرية العظمى [!]، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2006 إفرنجي[!]، 424 صفحة. الجزء الثاني - الزمان والسرد: التصوير في السرد القصصي، ترجمة فلاح كريم، راجعه عن الفرنسية الدكتور جورج زيناتي، طرابلس: الجماهيرية العظمى، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2006 إفرنجي، 348 صفحة. الجزء الثالث - الزمان والسرد: الزمان المروي ترجمة سعيد الغانمي، راجعه عن الفرنسية الدكتور جورج زيناتي، طرابلس: الجماهيرية العظمى، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2006 إفرنجي، 528 صفحة. والأجزاء الثلاثة ترجمةٌ عربية للترجمة الإنجليزية عن الفرنسية التي أنجزتْها كاثلين ماكلوخلن [مَكْلُوكْلِين] وزميلُها ديفيد بيلور Kathleen McLaughlin and David Pellauer، وكتب ريكور مقدمة الترجمة الإنجليزية التي نُشرت عام 1984م. اقتنيتُ هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة قبل سنوات مع كتاب «الحقيقة والمنهج» . ولمّا تصفحتُه حينها وجدتُ قراءته تشبه في صعوبتها صعوبة قراءة ترجمة «الحقيقة والمنهج»! وحاولت حينذاك استجلاء سبب هذه الصعوبة ولم يتبين لي فوضعت الكتاب إلى جانب أخيه على أحد رفوف مكتبتي ونسيتُه. وكنت أبحث قبل أيام عن كتاب على رفوف المكتبة فوجدت الكتابين. فعزمت على محاولة قراءة هذا الكتاب ذا الثلاثة الأجزاء. ولا بد في البداية من الإشادة بجودة طباعة الكتاب العالية وفخامة تجليده وجودة أوراقه الصقيلة. وما فاجأني أني ما زلت أجد هذه «الترجمة» لهذا الكتاب العتيد صعبة. فحدثت نفسي بقراءتها بمساعدة الترجمة الإنجليزية التي ترجم الأستاذان العراقيان سعيد الغانمي وفلاح كريم الكتابَ عنها، وسأكتفي بالإشارة إلى الجزء الأول من «الترجمة» العربية. لكن ما سألاحظه ينطبق تمامًا على الجزئين الآخريْن. والحق أني وجدت الكتاب بلغته الإنجليزية صعبًا لكني كنت أفهم ما أقرؤه منه. أما «الترجمة» العربية فكانت تستغلق عليَّ مهما حاولتُ. لذلك لجأت إلى الترجمة الإنجليزية لاستجلاء هذا الاستغلاق. كما أن هذا الاستغلاق يزول حين أترجم النص الإنجليزي! والمشكل الذي يبدو أنه وراء هذه «الترجمة» المستغلقة أنها ترجمة تكاد تكون حرفية، وتكثر فيها أخطاء الترجمة كثرة مفرطة حتى إنها تقلب المعنى في كثير من الحالات، ويغلب فيها ترتيب الكلمات بحسب ترتيبها في الجمل الإنجليزية، وتفتقر عمومًا إلى الرشاقة اللغوية التي تُسهم في تخفيف عبء القراءة. وذكرتني هذه «الترجمة» بملاحظة الدكتور حمّو النَّقّاري المهمة عن «المزالق اللغوية» التي «زلَّتْ فيها أقدام كثرة من العرب المعاصرين حين حاولوا «فهم» نصوص الفكر الغربي الحديث و»نقل» مضامينه إلى اللسان العربي: [إذ] «نقلوا» مضامين هذه النصوص، كما فهموها، إلى عربية هي أقرب إلى لغة التداول العام وأبعد عن تداول أهل النظر والاختصاص. . . «. وتكاد تخلو هذه «الترجمة» من تعليقات المترجميْن الفاضلين. وأهمية ذلك أنها ربما تجلو بعض مواطن الغموض الكثيف الذي يكتنف هذا النص العويص. يضاف إلى ذلك عدم الاطراد في استخدام المصطلحات؛ ومن ذلك استخدامهما مصطلحي «الزمن» و»الزمان» من غير أن يبيِّنا إن كانا بمعنى واحد أم أن لكل واحد منهما معنى مستقل، وكذلك مصطلحي «السرد» و»القص»، وغير ذلك. لن أحاول هنا تبيين تلك المآخذ الكثيرة جدًّا، لكنها ستتضح جلية بمقارنة ترجمتي بترجمة المترجمين الفاضلين. وقد ترجمتُ هنا بعض ما ترجماه في الصفحات (من 23 إلى بداية 35) وسأورد ترجمتي بعد إيراد ترجمتهما حتى يمكن للقارئ المقارنة بينهما. وسأورد أولاً النص الإنجليزي من الكتاب الذي ترجماه (وأود أن أؤكد أن ترجمتي، نفسها، أولية، وهي بحاجة إلى كثير من الصقل وكثير من التعليقات، وكثير من تحرير المصطلحات). وسأضع في ترجمتي بعض الزيادات التوضيحية بين قوسين مركَّنين [ ] لتبيين أن ما في داخلهما من كلامي أنا لا كلام المؤلف: 1-The Aporias of the Experience of Time Book II of Augustine›s Confessions The major antithesis around which my reflection will revolve finds its sharpest expression toward the end of Book 11 of Augustine›s Confessions. Two features of the human soul are set in opposition to one another, features which the author, with his marked taste for sonorous antithesis, coins intentio and distentio animi. It is this contrast that I shall later compare with that of muthos and peripeteia in Aristotle. Two prior remarks have to be made. First, I begin my reading of Book 11 of the Confessions at chapter 14: 17 with the question: «What, then, is time?» I am not unaware that the analysis of time is set within a meditation on the relations between eternity and time, inspired by the first verse of Genesis, i~ principio fecit Deus . ... In this sense, to isolate the analysis of time from this meditation is to do violence to the text, in a way that is not wholly justified by my intention to situate within the same sphere of reflection the Augustinian antithesis between intentio and distentio and the Aristotelian antithesis between muthos and peripeteia. Nevertheless, a certain justification can be found for this violence in Augustine›s own reasoning, which, when it is concerned with time, no longer refers to eternity except to more strongly emphasize the ontological deficiency characteristic of human time and to wrestle directly with the aporias afflicting the conception of time as such. In order to right somewhat this wrong done to Augustine›s text, I shall reintroduce the meditation on eternity at a later stage in the analysis with the intention of seeking in it an intensification of the experience of time. (p.5) ترجمة الغانمي ورحيم (ص ص 23-24): التباسات تجربة الزمن: الكتاب الحادي عشر من «اعترافات» أوغسطين يجد التناقض الأساسي الذي ستدور حوله تأملاتي أفصح تعبير عنه مع نهاية الكتاب الحادي عشر من «اعترافات» أوغسطين. فقد وضعت سمتان تميّزان الروح الإنسانية بحيث تقابل إحداهما الأخرى، آثر المؤلف أن يصوغ لهما بحسّه المعروف بالطباق البلاغي مصطلحين هما: intentio [القصد، السعي، الابتغاء] وdistentio anmi [انتشار النفس أو التمدد أو التبدد]. وسأقارن هذه المقابلة لاحقاً بالمقابلة الأرسطية بين الحبكة muthos والقلبperipeteia . ولا بدّ لي من الإدلاء، بملاحظتين أوليتين. الأولى أنني أبدأ قراءتي الكتاب الحادي عشر من «الاعترافات» من الفصل (14:17)، مع السؤال: «ما الزمان، إذن؟». ولستُ أجهل أن تحليل الزمان يرتكز على التأمل في العلاقات بين الأبدية والزمن، مستوحياً الآية الأولى من «سفر التكوين»: «في البدء خلق الله. . .». وبهذا المعنى فإنّ عزل تحليل الزمان عن التأمل يعني ممارسة العنف على النص، على نحو لا يسوِّغه تماماً مقصدي في أن أضع داخل دائرة التأمل نفسها التناقض الأوغسطيني بين intentio [القصد، الابتغاء] وdistentio [الانتشار، التبدد]، والتناقض الأرسطي بين الحبكة muthos والقلب peripeteia . مع ذلك، هناك تسويغ معين لهذا العنف نجده في تفكير أوغسطين، حين ينصرف إلى الاهتمام بالزمن، فهو لا يشير إلى الأبدية إلا لكي يؤكد تأكيداً قطعياً طبيعة النقص الأنطولوجي في الزمن الإنساني، ولكي يصطرع مباشرةً مع الالتباس الذي يشوب تصور الزمن في ذاته. ولتصحيح هذا الخطأ الذي أُرتكب بحقّ نص أوغسطين إلى حدّ ما، سأعيد التأمل في الأبدية في مرحلة لاحقة من التحليل بغية البحث فيه عن تكثيف تجربة الزمن. ترجمتي إشكالات تجربة الزمن: الكتاب الحادي عشر من «اعترافات» أوغسطين يَجِد التضادُّ الأكبرُ الذي ستركِّز عليه تأملاتي [في هذا الكتاب] التعبيرَ الأدقَّ عنه في الصفحات الأخيرة من الكتاب الحادي عشر في كتاب أوغسطين «الاعترافات». فقد قابَل بين سِمَتين من سمات الروح البشرية، وصاغ لهما هذا المؤلف المشهور بعِشقه للتضاد المجلجل مصطلحَي intentio «تركيز العقل» وdistentio animi «امتداد العقل» . وهذا هو التقابُل الذي سوف أقارنه فيما بعد بمصطلحَي أرسطو muthos «تجميع الأحداث» و peripeteia «التغير المفاجئ». ويجب أن أقدِّم لما سأقوله بملحوظتين أوَّليتين. والملاحظة الأولى أني أبدأ قراءتي كتابَ «الاعترافات» عند [القسم السابع عشر في الفصل الرابع عشر] (14:17) مع السؤال [الذي توجه به أوغسطين إلى ربه أثناء مناجاته، وهو]: «ما الزمن، إذن؟». وأنا أعي أن [أوغسطين] أَدخل تحليلَه الزمنَ ضمن تأَمُّله في العلاقات بين الأزَل والزمن [الطبيعي]، استلهامًا من الآية الأولى في سفر التكوين: in principio fecit Deus . ... «في البدء خلق الربُّ. . .» . ومن هنا، سيَكون فَصْلـي تحليلَ [أغسطين] عن هذا التأمُّل إجحافًا بنَصِّه، بطريقة لا يسوِّغها تمامًا قصدي إدخالَ التضاد الذي وضَعه بين intentio وdistentio والتضادِّ الذي وضعه أرسطو بين muthos وperipeteia في إطار تأملٍ واحد. ويمكن مع هذا أن نجد قَدْرًا من التسويغ لهذا الإجحاف في تعليل أوغسطين نفسِه، وهو التعليل الذي لم يعد يحيل فيه إلى الأزل، حين يركز على الزمن، إلا لمزيد من التوكيد على القصور الوجودي للزمن الطبيعي ولكي يُغالِب بصورة مباشرة الإشكالاتِ التي تكتنف مفهوم الزمن بصفته هذه. ولكي أُكفِّر بشكل مّا عن هذا الإجحاف الذي ارتكبتُه بحق نص أوغسطين، أُعيد في طور تال من النقاش إدخالَ تأمُّله عن الأزل في التحليل للبحث فيه عن تكثيفٍ لتجربة الزمن. 2- Second, isolated from the meditation on eternity, due to the artifice in method to which I have just admitted, the Augustinian analysis of time offers a highly interrogative and even aporetical character which none of the ancient theories of time, from Plato to Plotinus, had carried to such a degree of acuteness. Not only does Augustine, like Aristotle, always proceed on the basis of aporias handed down by the tradition, but the resolution of each aporia gives rise to new difficulties which never cease to spur on his inquiry. This style, where every advance in thinking gives rise to a new difficulty, places Augustine by turns in the camp of the skeptics, who do not know, and in that of the Platonists and Neoplatonists, who do know. Augustine is seeking (the verb quaerere, we shall see, appears repeatedly throughout the text). Perhaps one must go so far as to say that what is called the Augustinian thesis on time, and which I intentionally term a psychological thesis in order to distinguish it from that of Aristotle and even from that of Plotinus, is itself more aporetical than Augustine would admit. This, in any case, is what I shall attempt to show (pp.5-6). ترجمة الغانمي وكريم (ص 24): «الثانية، وبمعزل عن التأمل في الأبدية، وبسبب مكر المنهج الذي أقررتُ به تواً، فإن التحليل الأوغسطيني للزمن يضفي عليه خاصية تساؤلية إلى حدد كبير، بل ملتبسة لم تقمْ بها أية نظرية قديمة في الزمان، منذ أفلاطون إلى أفلوطين، على هذه الدرجة من الدقة. ولا يقتصر الأمر على مواصلة أوغسطين، كأرسطو، الاعتماد على الالتباس الذي أقرّه التراث، بل إن كل حلّ لأيّ التباس في بحثه، يأتي بمصاعب جديدة لن تتوقف عن التقدم به إلى الأمام. وهذا الأسلوب الذي يتسبب بظهور معضلة فكرية جديدة مع كل تقدم فكري، يضع أوغسطين، على التناوب، في معسكر الشكيين الذين لا يعرفون، وفي معسكر الأفلاطونيين والأفلاطونيين الجدد الذين يعرفون. فأوغسطين يبحث (وسنرى الفعل «يبحث» quaerere يظهر مراراً في ثنايا النص). ولعلّ من الضروري الذهاب إلى القول إنّ ما يُسمَّى بالقضية الأغوسطينية عن الزمن، وهي قضية أفضل عن قصد تسميتها بالقضية النفسية لكي أميّزها عن قضية أرسطو، بل عن قضية أفلوطين، هي أكثر التباساً مما يقرّ به أوغسطين. وهذا، في حالتي، هو ما سأحاول توضيحه». ترجمتي: «والملاحظة الثانية أنَّ تحليل أوغسطين للزمن، المعزول عن تأمله عن الأزل، بسبب الإجحاف المنهجي الذي اعترفتُ بارتكابه آنفًا، يُسبغ عليه سمةً تساؤلية عالية بل إشكالية لم تَبلغ بها أيٌّ من النظريات القديمة، منذ أفلاطون حتى أفلوطين، مثلَ هذه الدرجة من الحِدَّة. إذ لا يقتصر الأمر على أن أوغسطين يَعمل انطلاقًا من إشكالات التراث الموروثة، بل إن حلَّه أيَّ إشكال يفضي إلى صعوبات جديدة لا تَكُفّ أبدًا عن دفع تساؤلاته قُدُمًا. ويضع هذا الأسلوب، الذي يؤدي فيه أيُّ تقدم في التفكير إلى بروز صعوبة جديدة، أوغسطينَ مرةً في معسكر [الفلاسفة] الشكوكيين الذين لا يَعرفون، وأخرى في معسكر [الفلاسفة] الأفلاطونيين والأفلاطونيين المُحدَثين الذين يَعرفون. فهو لا يَكف عن السعي [«البحث المتسائل»] (ويَظهر الفعلُ quaerere «يسعى» تكرارًا خلال نصِّه كما سنرى). وربما يجب أن أَذهب إلى أبعد من ذلك لأقول إن ما يسمى أطروحة أوغسطين عن الزمن، وهي التي سَمَّيتها بشكل مقصود بالأطروحة النفسية تمييزًا لها عن أطروحة أرسطو، بل حتى عن أطروحة أفلوطين، أكثرُ إشكالاً مما يمكن لأوغسطين أن يَعترف به. وهذا ما سأحاول تبيينه، على أي حال». 3-These two initial remarks have to be joined together. Inserting an analysis of time within a meditation on eternity gives the Augustinian search the peculiar tone of a «lamentation» full of hope, something which disappears in an analysis that isolates what is properly speaking the argument on time. But it is precisely in separating the analysis of time from its backdrop of eternity that its aporetical features can be brought out. Of course, this aporetical mode differs from that of the skeptics in that it does not disallow some sort of firm certitude. But it also differs from that of the Neoplatonists in that the assertive core can never be apprehended simply in itself outside of the aporias it engenders. This aporetical character of the pure reflection on time is of the utmost importance for all that follows in the present investigation. And this is so in two respects (p.6). ترجمة الغانمي وكريم (ص ص 24-25): «لا بدّ من دمج هاتين الملاحظتين الافتتاحيتين معاً. فإقحام تحليل للزمان في داخل تأمل في الأبدية يضفي على البحث الأوغسطيني نبرة خاصة من «تفجع» مفعم بالأمل، وهذا شيء يختفي في تحليل يعزل ما هو خلاصة الزمان إذا شئنا الدقة. لكننا بعزل تحليل الزمن عن استتاره في الأبدية نستطيع إظهار ملامحه الملتبسة. وبالطبع، يختلف هذا النمط الملتبس عن الالتباس لدى الشكيين في أنه لا ينكر وجود نوع معين من اليقين الثابت. لكنه يختلف أيضاً عن الالتباس لدى الأفلاطونيين الجدد في أنَّ جوهره القطعي لا يمكن الإلمام به في ذاته فقط بمعزل عن ضروب الالتباس التي يولدها. هذه الخاصية الملتبسة للتأمل الخالص في الزمن ذات أهمية كبرى لكل ما سيلي في البحث الحاضر. وتمثل في حالتين:». ترجمتي «ويجب دمج الملحوظتين معًا. ذلك أن إدخال تحليلٍ للزمن في تأمُّلٍ عن الأزل هو ما يُسبغ على بحث أوغسطين نغمةً خاصة من «التأسُّف» المُفعَم بالأمل، وهو [تأسف] يغيب من تحليلٍ يَعزل عن الزمن ما يَكون جَدَلاً، إذا أَردنا الدقة. لكن عزل تحليل الزمن عن خلفيته [المتمثلة في] الأزل هو ما يمكن على وجه الدقة أن يبيِّن سمات [الزمن] الإشكالية. ويختلف هذا النمط من التحليل بالطبع عن تحليل [الفلاسفة] المتشككين في أنه لا يَمنع بعضَ أنواع اليقين الواثق. لكنه يختلف كذلك عن تحليل الأفلاطونيين المُحْدَثين في أن نواته التوكيدية لا يمكن أن تُفهَم ببساطة من خلالها هيَ خارجَ الإشكالات التي تتهدَّدها. ولهذه السمة الإشكالية في التأمل الخالص عن الزمن أهميةٌ قصوى في كلِّ ما سيأتي في هذا البحث. ويتمثل هذا باعتبارين: 4-First, it must be admitted that in Augustine there is no pure phenomenology of time. Perhaps there never will be one. Hence, the Augustinian «theory» of time is inseparable from the argumentative operation by which this thinker chops off, one after the other, the continually self-regenerating heads of the hydra of skepticism. As a result, there is no description without a discussion. This is why it is extremely difficult-and perhaps impossible-to isolate a phenomenological core from the mass of argumentation. The «psychological solution» attributed to Augustine is perhaps neither a «psychology» which could be isolated from the rhetoric of argumentation nor even a «solution» which could be removed once and for all from the aporetical domain (p.6) ترجمة الغانمي وكريم (ص 25): «الأولى، لا بدّ من الإقرار بعدم وجود ظاهراتية (فينومولوجيا) خالصة للزمن لدى أوغسطين. وربما لن توجد أبداً. وبالتالي فإن النظرية الأوغسطينية في الزمن هي جزء لا يتجزأ من العملية الجدالية التي يجندل بها هذا المفكر رؤوس هيدرا النزعة الشكية التي تتوالد ذاتياً باستمرار رأساً تلو الآخر. وبالنتيجة، لا وجود لوصف من دون نقاش. ولهذا السبب فإنَّ من الصعب جداً، إن لم يكن من المستحيل، أن نعزل جوهراً ظاهراتياً فيه عن كتلة المحاججة. وربّما لم يكن «الحل النفسي» الذي نُسب إلى أوغسطين «علم نفس» يمكن عزله عن بلاغة المحاججة، ولا «حلاّ» يمكن إزالته مرة واحدة وإلى الأبد عن ميدان الالتباس». ترجمتي «فالأول أنه يجب الاعتراف بأنه ليس ثَمَّ ظاهراتية خالصة للزمن عند أوغسطين. وربما لن توجد مثل هذه الظاهراتية [عنده] إطلاقًا. ومن هنا، فمن غير الممكن فصلُ «نظريةٍ» عن الزمن [عنده] عن العملية الحجاجية التي يَبتُر بها هذا المفكر رؤوسَ الهيدرا التشككية التي كلما قَطع واحدًا منها نَبتَ آخرُ مكانه . ويَنتج عن هذا أننا لا نجد [عنده] وصفًا [للزمن] مجردًا من المناقشة. وهذا هو السبب الذي يَجعل من الصعب جدًّا أو ربما من المستحيل عزل نواةٍ ظاهراتية [عنده] عن مجمل حِجاجه. وربما لن يَكون «الحلُّ النفسي» الذي نسبناه إليه «علمَ نفسٍ» يمكن عزله عن خَطَابَةِ الحجاجِ بل ربما لن يَكون حتى «حلاًّ» يمكن إزاحته تمامًا من المجال الإشكالي أيضًا. 5-This aporetical style, in addition, takes on a special significance in the overall strategy of the present work. A constant thesis of this book will be that speculation on time is an inconclusive rumination to which narrative activity alone can respond. Not that this activity solves the aporias through substitution. If it does resolve them, it is in a poetical and not a theoretical sense of the word. Emplotment, I shall say below, replies to the speculative aporia with a poetic making of something capable, certainly, of clarifying the aporia (this will be the primary sense of Aristotelian catharsis), but not of resolving it theoretically. In one sense Augustine himself moves toward a resolution of this sort. The fusion of argument and hymn in Part I of Book II-which I am at first going to bracket-already leads us to understand that a poetical transfiguration alone, not only of the solution but of the question itself, will free the aporia from the meaninglessness it skirts (pp.6-7(. ترجمة الغانمي وكريم ص ص 25-26): «فضلاً عن ذلك، يتخذ أسلوب الالتباس دلالة خاصة في الاستراتيجيا الشاملة للعمل الحالي. وستكون قضية هذا الكتاب الدائمة أن يكشف أن التأمل في الزمن مراودة غير حاسمة لا تستجيب لها سوى الفعالية السردية. وليست هذه الفعالية ما يحل الالتباس عن طريق استبداله بسواه. وإذا هي حلّت الالتباس، فبالمعنى الشعري لا بالمعنى النظري للكلمة. وإنني أزعم أنّ بناء الحبكة يستجيب للالتباس التأملي بإيجاد شعري لشيء ما قابلٍ، بالتأكيد، على إيضاح الالتباس (وسيكون هذا هو المعنى الأولي للتطهيرcattharsis عند أرسطو)، وليس على حلّهِ نظرياً. وبمعنى ما فإنّ أوغسطين نفسه ينتقل نحو حلٍّ من هذا النوع. فانصهار الجدال بالترتيلة في القسم الأول من الكتاب الحادي عشر – وهو ما سأعلقه بين قوسين في البداية – يفضي بنا أصلاً إلى فهم أنّ التصوير الشعري وحده، ليس للحلّ وحسب، بل للسؤال نفسه أيضاً، سيخلّص الالتباس من اللامعنى الذي يطوقه». ترجمتي «وسيكون لهذا الأسلوب الإشكالي، إضافة إلى ذلك، أهميةً خاصة في خطة هذا الكتاب الشاملة. ذلك أن إحدى أطروحاته الثابتة تتمثل في أن تَكهُّنَ [أوغسطين] عن الزمن اجترارٌ لا يفضي إلى نتيجة حاسمة ولا يمكن أن يَنجح في حلِّ [هذا التكهن] إلا الفعاليةُ السرديّةُ. ولا يعني هذا أن هذه الفعالية تحل الإشكالات من خلال استبدال [هذه الفعالية السردية بهذا التكهن وحسب]. أما إذا حلَّتها فعلاً [بالاستبدال] فسيَكون بمعنى «الاستبدال» الشِّعريّ لا التنظيريّ لكلمة [الاستبدال]. ذلك أن الحَبْك ، كما سأبيِّن أدناه، يَحل التكهنَ الإشكاليَّ بخلق قالب شِعري يستطيع، بالتأكيد، إيضاحَ الإشكال (وسيَكون هذا هو المعنى الرئيسي للتطهير الأرسطي) لا حلَّه تنظيريًّا. ويميل أوغسطين نفسُه بمعنًى مّا إلى حلٍّ من هذا النوع. وقد قادنا دمجُ حجاجه بتأسُّفه في القسم الأول من الكتاب الحادي عشر، وهو ما [سأؤجل الكلام عنه] إلى أن نَفهم أن التحويل التصويري الشعري وحدَه، لا للحل فقط بل للسؤال نفسه، هو ما سوف يحرِّر الإشكال من عدم المعنى الذي يتهدَّده». THE APORIA OF THE BEING AND THE NON BEING OF TIME The notion of distentio animi, coupled with that of intentio, is only slowly and painfully sifted out from the major aporia with which Augustine is struggling, that of the measurement of time. This aporia itself, however, is inscribed within the circle of an aporia that is even more fundamental, that of the being or the nonbeing of time. For what can be measured is only what, in some way, exists. We may deplore the fact if we like, but the phenomenology of time emerges out of an ontological question: quid est enim tempus? («What, then, is time?» [11 14: 17].) As soon as this question is posed, all the ancient difficulties regarding the being and the non being of time surge forth. But it is noteworthy that, from the start, Augustine›s inquisitive style imposes itself. On the one hand, the skeptical argument leans toward nonbeing, while on the other hand a guarded confidence in the everyday use of language forces us to say that, in some way, which we do not yet know how to account for, time exists. The skeptical argument is well-known: time has no being since the future is not yet, the past is no longer, and the present does not remain. And yet we do speak of time as having being. We say that things to come will be, that things past were, and that things present are passing away. Even passing away is not nothing. It is remarkable that it is language usage that provisionally provides the resistance to the thesis of nonbeing. We speak of time and we speak meaningfully about it, and this shores up an assertion about the being of time. «We certainly understand what is meant by the word both when we use it ourselves and when we hear it used by others» (14: 15).p.6 ترجمة الغانمي ورحيم (ص 26): التباس وجود الزمن وعدم وجوده «ليست فكرة انتشار النفس distention animi ، باقترانها بفكرة القصد intentio سوى البقية المتنخلة بألم وبطء من الالتباس الأساسي الذي ينازعه أوغسطين، أعني فكرة قياس الزمن. لكنّ هذا الالتباس نفسه مسطور في دائرة التباس أكثر جذرية، أي التباس وجود الزمان ولا وجوده. لأن ما يمكن قياسه هو، بطريقة ما، ما يوجد. وقد نستهجن هذه الحقيقة إذا شئنا، لكن فينومينولوجيا أو ظاهرية الزمن تنبثق من سؤال أنطولوجي: «ما الزمن، إذن؟» (quid est enim tempus?). ما أن يُطرَح هذا السؤال، حتى تتدافع المصاعب القديمة بخصوص وجود الزمان ولا وجوده. ولكن يحسن بنا منذ البداية أن نعرف أن أسلوب أوغسطين التساؤلي يفرض نفسه. فمن جهة يميل البرهان الشكّي نحو اللاوجود، ومن جهة أخرى تدفعنا ثقة حذرة بالاستعمال اليومي للغة إلى القول، على نحو ما لا نستطيع أن نعرف كيف نفسره بعد، إنّ الزمان يوجد. والبرهان الشكّي معروف: ليس للزمان وجود، ما دام المستقبل ليس بعد، والماضي لم يعد موجوداً، والحاضر لا يمكث. لكنا مع ذلك نتحدث عن الزمان بوصفه ذا وجود. ونحن نقول إنّ الأشياء التي ستقع «ستكون»، وإن الأشياء الماضية «كانت»، والأشياء الحاضرة «تمر بنا». والمرور ليس عدماً. والملاحظ أنّ الاستعمال اللغوي هو الذي يضفي المقاومة مؤقتاً على قضية لا وجود الزمان. فنحن نتحدث عن الزمان، ونتحدث عنه حديثاً ذا معنى، وهذا ما يدعم دعوانا بوجود الزمان ويرجّحُها. «نحن بالتأكيد نفهم ما تعنيه الكلمة، سواء حين نستعملها نحن، أو حين نسمع الآخرين يستعملونها» (14:15). ترجمتي إشكالية وجود الزمن وعدم وجوده ولم يستطع أوغسطين تخليصَ فكرة «امتداد العقل» distentio animi، مقرونةً بفكرة «تركيز العقل» intentio ، من الإشكال الأكبر الذي كان يغالِبه، أيْ إشكال قياس الزمن، إلا بصبر وجهد فائقين. ويَندرج هذا الإشكال نفسُه داخل دائرةِ إشكال أخرى أكثر أساسية منه، ذلك هو إشكال كينونة الزمن أو عدم كينونته. ذلك أنَّ ما يمكن قياسه هو ما يمكن أن يَكون موجودًا، بطريقة مّا. وربما أصح لنا أن نَستهجن فكرةَ ظاهريةِ الزمن، لكن هذه الفكرة إنما تنشأ من سؤال وجودي [هو]: quid est enim tempus? «ما الزمن، إذن؟» (الكتاب 11، الفصل 14، القسم 17، [من كتاب «الاعترافات»]). وبمجرد أنْ نَطرح هذا السؤال، تَبرزُ الصعوباتُ القديمة كلُّها التي تتصل بكينونة الزمن أو عدم كينونته. لكنَّ ما يَستحق الذكرَ، منذ البداية، أن أسلوب أوغسطين المتسائل يَفرض نفسه [وَجيه، في شأن هذا الإشكال]. إذ تميل الحجة التشككية، من جهة، إلى عدم وجود [الزمن]، فيما تُرغمنا ثقتُنا الحذِرةُ باستخدام اللغة المألوفِ، من جهة ثانية، على القول، بطريقة لا ندري بعدُ كيف نفسِّرها، بأن الزمن موجود. والحجة التشككية مشهورة جدًّا [وتتمثل في القول] بأنَّ الزمن غير موجود لأن المستقبل لم يَحِن بعد، والماضي انقضى، والحاضر يَجري. ومع ذلك فنحن نتكلم عن أنَّ للزمن وجودًا. ونقول إن الأشياء التي ستأتي ستَكون، والأشياءَ التي انقضت كانت، والأشياءَ الحاضرةَ تتلاشى. بل إن التلاشي [نفسَه] ليس شيئًا لا وجود له. ومن اللافت أن استخدام اللغة هو ما يمثِّل في العادة استعصاءً على أطروحة عدم كينونة [الزمن]. ذلك أننا نتكلم عنه، وبطريقة لها معنى، وهو ما يعزز ادعاءً مّا بوجوده. [وهو ما يعبِّر عنه أوغسطين بقوله]: «نحن نفهم بالتأكيد ما تعنيه كلمة [الزمن] حين نستعملها نحن وحين نسمع الآخرين يستعملونها» (14:15).

مشاركة :