جزْماتي يسطو على أبو ديب! - أ.د.حمزة بن قبلان المزيني

  • 2/10/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ابتلي كتاب البروفيسور إدوارد سعيد (الاستشراق) «بترجمات» عدة صدَّرها أصحابها بادعاءات كبيرة لم ينجح شيء منها، منذ أكثر من أربعين عامًا، في تقريبه إلى القارئ العربي. * فقد ادعى الدكتور كمال أبو ديب في ترجمته «الاستشراق: المعرفة. السلطة. الإنشاء» (1981م) أن اللغة العربية بحاجة إلى «تفجير»، ليمكن ترجمة هذا الكتاب إليها. وكانت نتيجة هذا «التفجير» خروجَ «ترجمته» بلغة متقعرة جدًّا لم يستسغها القراء العرب، وقوبلت بردود فعل سلبية واسعة. ولم تدفعه ردود الأفعال تلك طوال أكثر من أربعين عامًا إلى إجراء أي تغيير عليها ليجعلها أقرب إلى الذائقة العربية، وظلت تعاد طباعتها مرات عدة كما هي. يضاف إلى ذلك أنها لم تسلم من الأخطاء اللغوية والإملائية الكثيرة جدًّا، ومن المفارقة أن يعمد أبو ديب إلى الإغراب في مصطلحاته وأسلوبه ادعاء بإغناء اللغة العربية ومع هذا ينتهك القواعد المألوفة للكتابة العربية الصحيحة؛ إضافة إلى كثرة الأخطاء في ترجمته. * أما «ترجمة» الدكتور محمد عناني ـــ رحمه الله، «الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق» (2006م)، فترجمةٌ مغتَصبة لأنها لم تكن مأذونة من أصحاب حقوق الكتاب. وجاءت، مع هذا المأخذ الأخلاقي والمهني، على نحو غير مُرض. فقد ادعى في مقدمته الطويلة أن اللغة العربية «تطورتْ» منذ ظهور ترجمة الدكتور كمال أبو ديب إلى عام 2006م مما جعلها «أقدر» على تأدية محتوى «الاستشراق» بطريقة لم تكن متيسرة قبل 25 عامًا! ولم يورد الدكتور عناني أي مثال ليدلل به على هذا «التطور» المدعى؛ وجاءت لغة ترجمته أسهل من لغة ترجمة أبو ديب لكنها لغة عادية تقرب من لغة الصحافة. كما ادعى أن ترجمته تتميز بأنها «تفسيرية»، ولم يبين ما يعنيه بهذا الوصف ولم يورد أمثلة عليه. وتقدح هذه الادعاءات المتزيِّدة، وحدها، في الترجمة، وربما قُصد بها تسويق الترجمة واستغفال القراء. * يضاف إلى ذلك أنها خلت من التعليقات التي يمكن أن تكشف بعض غوامض النص المترجم. والأكثر غرابة أنه يحذف بعض ما ورد في النص الذي يترجمه؛ وأسوأ من ذلك اعترافه بأنه أضاف عبارات لم تكن في الأصل، ولم يبينها حتى تتميز من كلام إدوارد سعيد. وجاءت ترجمة الدكتور عناني خلوًا من أي فهارس تبين القضايا التي تناولها الكتاب والمصطلحات التي استخدمت فيه والأشخاص الذين ناقشهم إدوارد سعيد. وهذه الفهارس ضرورية للقراء عمومًا، وللباحثين خاصة في مثل هذا الكتاب. * وجاءت بعد ذلك «ترجمة» الدكتور محمد عصفور «الاستشراق» (2022م). وكنت عرضت لها في مراجعة سابقة على هذه الصفحات. وادعى الدكتور محمد شاهين في مقدمته الاستحواذية لهذه الترجمة أن «إدوارد» قال له: «لا بدّ في يوم من الأيام أن يحظى الاستشراق بترجمة ميسَّرةٍ تختزل الكثيرَ من الصعوبات التي يمكن أن يواجهها القارئ العربي» (ص 7). وقال إنه يعتقد أن ترجمة الدكتور عصفور: «... خيرُ ما يمكن توفيرُه من ترجمةٍ للاستشراق بالعربية». وكنت بينت في مراجعتي سالفة الذكر المآخذ الكثيرة جدًّا على هذه الترجمة القاصرة. * أما رابعة البواقع فهي «عبث» نذير جزماتي: «الاستشراق. دمشق: دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع (1437ه/2016م)». وكان الزميل الدكتور فهد الخلف تفضل بإهدائي نسخة من الكتاب حين صدر. ولما تصفحته وجدتُه عبثًا خالصًا لا صلة له بأي شيء يمكن أن يقارب حتى الترجمة الحرفية. وغردت عنه في حينه ووصفته بـ»العبث». * وقد وجدت الآن أن من الضروري أن أعود إلى ذلك «العبث» لفضحه كي لا ينخدع أحد به ولأستكمل تتبعي مصيرَ كتاب «الاستشراق» المؤسف في الثقافة العربية. وأول سرقة في هذا «العبث» أنه غير مأذون من أصحاب حقوق الكتاب الأصل. فهو، إذن، سطو على الحقوق الفكرية. ويكفي هذا عيبًا، حتى لو لم تكن فيه العيوب التي سأعرض لها أدناه. وأَعيَب العيوب في هذا العبث أن جزماتي سرق معظم ما بين دفتي الكتاب من «ترجمة» الدكتور كمال أبو ديب! و»اعتمد» جزماتي على قدراته الضئيلة جدًّا ليرتكب فضيحة ثالثة إلى جانب فضيحة سرقة حقوق الكتاب وسرقة ترجمة أبو ديب، تلك هي «عبثه» البائس بما لا يوجد في «ترجمة» أبو ديب، وهما الملحق الذي كتبه إدوارد سعيد لنشرة الاستشراق عام 1995م، و»التمهيد» الذي كتبه ونُشر في طبعة بنجوين الأخيرة عام 2003م. وسأمثل أولاً لـ»عبثه» بالفصلين اللذين لا يوجدان في «ترجمة» أبو ديب ليتبين هزال محاولته وبؤسها. وما في هذين الفصلين ركام مظلم من الكلام الركيك الذي يعج بأخطاء الترجمة وحرفيتها وضعف الأسلوب وإسقاط بعض النصوص. ويمكن للأمثلة التالية البسيطة أن توحي بقدراته المعدومة على ترجمة أي كتاب، بله كتاب الاستشراق. فقد «ترجم» (ص 6) عبارةَ إدوارد سعيد: first class students (p.xii)، مثلاً، إلى: «طلاب الصف الأول»! وترجمتها الصحيحة: «طلاب متميزون». ومنها «ترجمته» عبارة Orient and Occident (الاستشراق، ص12) بـ»الشرق والصدفة» (ص35)، ظنًّا منه أن الكلمة الأخيرة accident! و»ترجم» النص التالي من سعيد (الاستشراق ص338): “-only a few years before I wrote Orientalism Golda Meir made her notorious and deeply Orientalist comment about there being no Palestinian people...”. في (ص386) كالتالي: «وفقط قبل بضع سنين كتبت المستشرقة غولدا مائير التي جعلت سمعتها سيئة بتعليقها الاستشراقي من أنه لا يوجد شعب فلسطيني»! والترجمة الصحيحة هي: - فقد أدْلَتْ جولدا مائير [رئيسة الوزراء الإسرائيلية سابقًا] قبل سنوات قليلة فقط من تأليف الاستشراق بتعليقها سيئ الذِّكْر، والاستشراقي إلى أبعد الحدود، بأنه لا يوجد شعب فلسطيني». وربما يكفي للتمثيل على عبثه بمقارنة صفحتين من ذلك العبث بترجمتي لما كتبه إدوارد سعيد. غلاف عبث نذير جزماتي الصفحة الأولى من «عبث» نذير جزماتي أما ترجمتي للفقرة الأولى منها فهي: «أمّا قَبْلُ (2003) كتبتُ قبل تسع سنوات، أيْ في ربيع عام 1994م، ملحقًا لـ»لاستشراق» حاولتُ فيه توضيحَ ما أَعتقد أني كنتُ قلتُه فيه وما لم أقلْه، وأكدَّتُ فيه تحديدًا، لا على النقاشات الغزيرة التي ظهرتْ منذ ظهوره عام 1978م وحسب، بل على الطرق التي صار بها كتابٌ عن تمثيلات «الشرق» ليَكون هو نفسُه هدفًا لمزيد من سوء التمثيل وسوء التأويل كذلك. أما أني أَعُد الآن تلك [التمثيلات السيئة والتأويلات السيئة] نفسِها من قبيل المفارقة لا الازعاج، فإشارةٌ إلى مدى تقادم العمر بي، مع ما يلازم ذلك بالضرورة من تراجع في التوقُّعات والحماس للتعليم وهو ما يؤطِّر الطريقَ نحو الكِبَر دائمًا. وأدَّت وفاةُ صديقيَّ الناصحين الرئيسيين لي فكريًّا وسياسيًّا، إقبال أحمد وإبراهيم أبو لُغد (وهو أحدُ اللذين أهديتُ إليهما الكتاب)، قبل فترة قريبة، إلى شعور بالحزن والفَقْد، إضافةً إلى شعورٍ بالتسليم [لواقع ذلك الفقد والحزن] مع نوعٍ من الإرادة العنيدة على الاستمرار. ولا يعود ذلك إلى كوني متفائلاً، بل يعود إلى استمرار ثقتي بمسار الخلاص والتنوير الذي لا يتوقفُ، حَرْفيًّا، وهو المسار الذي يؤطِّر العملَ الفكري ويوجّهه، كما أرى. * ومما لا يزال يُدهشني، مع ذلك، استمرارُ «الاستشراق» موضوعًا للنقاش والترجمة في العالم كله، إذ تُرجم إلى ست وثلاثين لغة. وأود الإشارة هنا إلى أنه بفضل جهود صديقي العزيز الأستاذ الجامعي غابي بيتربيرج، الذي يَعمل الآن أستاذًا في جامعة كاليفورنيا ــــ لوس أنجلوس، وكان يَعمل قبل ذلك في جامعة بن جوريون في إسرائيل، توفرتْ نسخةٌ باللغة العبرية من الكتاب أثارتْ نقاشًا وحوارًا واسعيْن بين القراء والطلاب الإسرائيليين. بل لقد تُرجم الكتاب إلى اللغة الفيتنامية بتمويل أسترالي؛ وآمل ألا يُعدَّ تفاخرًا إن قلتُ إنَّ سياق الهند الصينية الفكري يبدو قد صار أكثر ترحيبًا بأفكار هذا الكتاب. وأسعدني كثيرًا جدًّا، بأي حال، أن أَلحَظ بصفتي مؤلِّفًا ــــ لم يَتوقع قط أيًّا من هذا المصير السعيد لكتابه ـــــ أنَّ ذلك الاهتمامَ بما حاولتُ عمله في كتابي لم يَنْطفئ تمامًا بَعدُ، لا سيما في بلدان كثيرة في «الشرق» نفسِه». والصورة التالية (ص377) لعبثه في الصفحة الأولى من الملحق الذي كتبه إدوارد سعيد لنشرة الاستشراق (1995, p.329م): وترجمتي للفقرة الأولى منها: «فرغت من [تأليف كتاب] الاستشراق في أواخر عام 1977م، ونُشر بعد ذلك بعام. وكان (ولا يزال) الكتابَ الوحيد الذي كتبتُه من غير توقف ـــــ من البحث إلى مسوداته المتعددة حتى نسخته الأخيرة، وهي النُّسخ التي كانت تتابع من غير انقطاع أو صارفٍ مهمّ. ولم أتلق من العالَم الخارجي إلا قدرًا قليلاً من الدعم أو الاهتمام، باستثناء السنة الرائعة التي قضيتها في جو متحضَّر بصفتي باحثًا في مركز ستانفورد للدراسات المعمقة في العلوم السلوكية (1975ـــ1976م). وقد تلقيت التشجيع من واحد أو اثنين من أصدقائي ومن أسرتي المباشرة لكنه كان أمرًا أبعد ما يكون عن الوضوح إن كانت مثل هذه الدراسة ــــــ عن الطرق التي نَظرتْ بها القوةُ والبحث والتخيُّل إلى الشرق الأوسط والعرب والإسلام طوال تقليد امتدَّ لمئتي عام في أوروبا وأمريكا ـــــــ يمكن أن تثير اهتمام عامة الناس. ومما أتذكره، مثلاً، تلك الصعوبة البالغة في أول الأمر حين حاولت إثارة اهتمام أيّ ناشر جاد بهذا المشروع. فقد اقترحتْ إحدى دور النشر الأكاديمية على وجه خاص أن توقَّع معي مبدئيًا عقدًا متواضعًا لنشر كتيِّب [عن هذا الموضوع]، وهو ما يشهد بمدى ما كان يبدو عليه المشروع بأكمله من الضآلة وعدم الأهمية في البداية. لكن من حسن الحظ (كما وصفتُ حظي السعيد مع الناشر الأول لكتابي في صفحة الاعتراف والشكر من كتاب الاستشراق) أن الأمور تغيرت سريعًا إلى الأفضل بعد أن فرغت من تأليف الكتاب». أما سطو جزماتي على أبو ديب فيبدأ من أول «ترجمة» أبو ديب (ص37) إلى آخرها (ص 325)! ويهو يعمد، لكي يخفي أثر سرقته، إلى التصرف قليلاً بـ»ترجمة» أبو ديب؛ فيحذف كلمة هنا ويزيد كلمة هناك ويأتي بكلمة مختلفة عن كلمة أبو ديب هنا ويعيد ترتيب الكلمات هناك، ويضع فاصلة بدل نقطة ونقطة بدل فاصلة، وغير ذلك كثير. ويبدو أنه في سرقته هذه يستغلق عليه بعض ما في ترجمة أبو ديب فينقله باجتهاده العبثي إلى صورة مختلفة مضحكة. ومن أمثلة هذا أن إدوارد سعيد استعمل التعبير a-historical (ص 97) «التاريخي»، فأتى بها أبو ديب كالتالي (ص121): «كيْـ ــــ «تاريخي»، ولم أتبيَّن ما يعنيه رسمه للعبارة بهذه الطريقة. ويبدو أن جزماتي تورط بها فأتى بها على الصورة التالية (ص126): «كسر ــــ تاريخي»! وربما ظن أن ما بعد الكاف سينٌ وراءٌ! ومن الطرائف العبثية الأخرى أن جزماتي يأتي بما يدينه بالسرقة لكنه يورده وكأنه مثال للنزاهة! ومن ذلك أن الدكتور أبو ديب وضع هامشًا (ص 50) يعلق فيه على كلمة Arby التي وردت في كتاب إدوارد سعيد، ثم يضع جزماتي هامشًا (ص39) على الكلمة نفسها يقول فيه: «علق الدكتور كمال أبو ديب مُترجم الكتاب على كلمة العربي، بالقول: «ثم يأتي بتعليق أبو ديب كما هو! ومما يُسلِّي فعلاً أنه يكتب عشرات الأسماء بطريقة مختلفة عن كتابة أبو ديب لها، وربما كان ذلك للتشويش أو لعدم دقته في السطو! وتَظهر هذه الأسماء بشكل مضحك! ومن ذلك كتابته لاسم «شاتوبريان» (ص23) على: «شانتبريان»، و»شاتبريان»؛ و»نيرفال» و»نرفال»؛ و(ص39): «سكواب»، بدلاً من «شواب»، و»زيمون شغاب» Raymond Schwab (ص 104)؛ و»يوهان فوكس» بدلاً من «يوهان فوك»، وغير ذلك كثير. ويتصل بهذا تحريفه بعض الكلمات التي وردت عند أبو ديب. ومنها «استبنائه» عند أبو ديب (ص39)، التي كتبها: «والاستنابة» (ص25)؛ و»بحرف موضعي»، لما عند أبو ديب (ص43): «محرق موضعي»، التي يقصد بها أبو ديب «بؤرة أو مركز»؛ و»النمو السنسكريتي» (ص125) والمقصود (عند أبو ديب، ص120 «النحو السنسكريتي»، وغير ذلك كثير جدًّا. ويحذف في كثير من المواضع بعض الكلمات ويضيف كلمات أخرى. ومن ذلك حذفه (ص23) «الإيطاليين»، وإضافته «الهنود»! وخلاصة الأمر أنه لا يمكن لمن يقرأ عبث جزماتي الأخرق كما يشهد به «التمهيد» (ص ص 23 ــ52) و»الملحق» (ص ص377 ــــ400)، ثم يقرأ ما بين صفحتَي (53 ــــ 376) منه إلا أن يكتشف سريعًا الفارق الهائل بين الاثنين في اللغة والأسلوب و»الترجمة». وسبب هذا الفارق الشاسع اللافت للنظر أن ما بين (53 ــــ 376) إنما هو سرقة جزماتي لــ»ترجمة» أبو ديب بحذافيرها. كما سيكتشف القارئ أن جزماتي لم يبلغ به الذكاء حدا يجعله يُخفي سرقته ببراعة، بل ترك آثار عبثه الذي يشهد على تلك السرقة في كل سطر تقريبًا. صفحتان من «ترجمة» أبو ديب (التخطيط بالأحمر في صفحة 234 لا صلة له بالموضوع!). يمكن مقارنة هاتين الصفحتين من عبث جزماتي بالصفحتين السابقتين من «ترجمة» أبو ديب؛ وخططت تحت التغييرات الشكلية التي أجراها. ويتضح منها أنها ليست إلا محاولة بائسة لإخفاء سرقته. (نذير جزماتي شيوعي سوري (ت2021م) له كتب كثيرة وترجمات عدة. وكما ورد في تأبين الشيوعيين السوريين له فقد ترجم: «كتاب إدوارد سعيد: «الاستشراق بعد أن لاحظ أخطاء الترجمة التي صدرت ببيروت في الثمانينيات»!!).

مشاركة :