لقد كان للأمة العربية زعيم يستطيع أن يقول ما يريده من دون تردد، كان قائدا لأمة، فكل كلمة لها وزن، ويلتزم كلمات الصدق، وكان لحكم جمال عبدالناصر قرارات جادة واجراءات مدروسة وكانت له رؤى ثاقبة جوهرها روح الإيثار والحرص على المصير القومي المشترك، وهو ما يدفعه دائما الى التشاور مع رفاق السلاح بكل رغبة صادقة في العمل القومي الموحد: وانطلاقا من ذلك رأينا كل الدول العربية تحتل مكانة خاصة في توجهات ومبادئ الزعيم جمال عبدالناصر. فلسطين: (من أجلنا ثار).. بهذا الشعار خرج آلاف المواطنين من الارض المحتلة، يهتفون ويبكون على وفاة الزعيم والقائد، ولم يكن الشعار الذي قالوه في المظاهرات شعارا عفويا، بل إنه كان يلخص نضال الفقيد العظيم. من أجل فلسطين.. ومن أجل شعب فلسطين. لقد بدأت أولى مراحل الثورة المصرية في الفالوجة على أرض فلسطين، وآخر توقيع للعظيم الراحل كان من أجل وقف نزيف الدم الفلسطيني الذي أريق في أيلول الأسود، وبين بداية التفكير في الثورة حتى اليوم الأخير كان يكرس كل جهوده من أجل عودة الشعب الفلسطيني الى وطنه وإحباط محاولات اسرائيل في تصفية الوجود الفلسطيني. كان يرفض عبدالناصر كل مشروعات توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج أرضهم وديارهم، وقدم عبدالناصر كل المساعدات العسكرية والمادية لإقامة جيش تحرير فلسطين طليعة الكيان الفلسطيني المسلح. ووقف عبدالناصر ضد كل الحكومات والأفراد الذين أرادوا (إنهاء قضية الشعب العربي الفلسطيني)، وظل يقف بجانبهم حتى آخر يوم في حياته. كانت المقاومة الفلسطينية في معظمها تحمل مدافع بورسعيد التي صنعت في عهد جمال عبد الناصر وأرسلت إليهم بأمر من الثائر جمال عبد الناصر. كانت القاهرة وحدها هي المكان الوحيد الذي يشعر فيه المواطن الفلسطيني بأنه يقول ما يريد، ويتصرف كيفما يريد. ولقد ظلت القاهرة في عهد عبدالناصر هي نقطة انطلاق الشعب العربي الفلسطيني لتحقيق آماله، وشهدت جامعة الدول العربية بوجود جمال عبدالناصر ميلاد الكيان الفلسطيني كما شهدت أروقة القاهرة مساندات غير عادية لهذا الشعب العربي الفلسطيني. الأردن: كان من أهم أدوار جمال عبدالناصر العمل على الحفاظ على الأردن من الدخول في الاحلاف، وخاصة حلف بغداد، كان كل قلبه هناك مع الذين قدر لهم أن يكونوا تحت أنقاض البيوت يبحثون عن مغيث وبعد جهد شاق، أمكنه توقيع اتفاق القاهرة لوقف الاقتتال بين الاشقاء في محنة أيلول الأسود، تمكن الرجل العظيم من أن يحول المستحيل الى أمر ميسور، أن يوافق الملك حسين وياسر عرفات، وأن تشكل اللجنة العربية برئاسة الباهي الادغم، ولجنة الاغاثة برئاسة الملك فيصل، واتجه الى المطار يودع الجميع، حتى آخر رئيس، كان ذلك المجهود الرائع الذي بذله جمال عبدالناصر من اجل تهدئة الأوضاع في الاردن.. ثم فجأة مات عبدالناصر.. كان الخبر أقوى من الرصاص، والموت وخرج الناس من البيوت في طوابير حزينة الى السفارة المصرية في عمان، يقدمون التعازي في وفاة الزعيم الذي ثار من أجلهم، وناضل من أجلهم. ليبيا: كانت ثورة مصر بقيادة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر تطالب الوطن العربي بأن يثور ضد القواعد الاستعمارية في أرضه، وأقام عبد الناصر مناخا ثوريا في كل أرجاء الوطن العربي، وكان لا بد أن يعيش جيل عبدالناصر مبادئه وثورته، وجاء العدوان الثلاثي، وكانت تخرج من قاعدة هويليس الامريكية في ليبيا طائرات امريكية الى أماكن مجهولة، فلا بد أنها كانت تشارك بشكل ما في هزيمة العرب ونكستهم، وفي نفس الوقت كان هناك بين صفوف الضباط مجموعة بقيادة العقيد معمر القذافي، تعد للثورة لتطيح بكل ما هو قديم في ليبيا، وتبنى ليبيا الثورة، بدون قواعد أجنبية، ليبيا بدون استغلال الاجانب، ليبيا التي تشارك الامة العربية آمالها وأفراحها، ليبيا العربية المسلمة. ونجحت ثورة العقيد معمر القذافي، ووقف عبدالناصر يساند ثورة ليبيا، ووضعت مصر كل إمكانياتها في سبيل الحفاظ على ثورة ليبيا، فلقد كانت ثورة ليبيا هي امتداد للثورة العربية الشاملة التي قادها عبدالناصر فجر 23 يوليو عام 1952، ووضعت الثورة المصرية بقيادة عبدالناصر خبرتها الطويلة تحت أمر العقيد معمر القذافي رئيس مجلس قيادة الثورة في ليبيا. لذلك كان اللقاء الرائع الذي حدث بين الثائر عبدالناصر والثائر معمر القذافي، وكان اللقاء الرائع بين الجماهير الليبية وناصر والقذافي. وشهد عبدالناصر القوات البريطانية وهي ترحل من أرض ليبيا، على يد ثورة ليبيا بقيادة معمر القذافي، وشهد عبدالناصر القوات الامريكية وهي ترحل إلى الأبد من قاعدة هويليس وتحررها القوات الليبية المسلحة وتصبح قاعدة عقبة ابن نافع، وكان أروع خطاب ذلك الذي ألقاه عبدالناصر عندما تحدث الى جماهير الشعب العربي الليبي من قاعدة عقبة بن نافع، نفس القاعدة التي أقيمت لإحباط آمال جماهير الامة العربية التي تمثلت في مبادئ عبدالناصر، لذلك لم يكن غريبا أن يبكيه العقيد معمر القذافي، فلقد كانوا أخوة سلاح وأخوة نضال. لذلك فقد بكى شعب ليبيا عبدالناصر، وجاء العقيد معمر القذافي ينعى الامة العربية كلها في الزعيم والقائد والمعلم، لقد كان جمال عبدالناصر يرى في معمر القذافي كل شبابه وثورته الأصيلة، كان يرى فيه الأخ والصديق، وأن تصبح ليبيا دعامة للأمة العربية. السودان: عاش عبدالناصر في السودان، أحبها، وأحبته، وكان إذا سافر إلى السودان يشعر بأنه في وطنه بين أهله وأصدقائه، فهنا كان ضابطا صغيرا، واليوم هو زعيم الاصدقاء، والاشقاء والاخوة، ومنذ قيام الثورة، وعبدالناصر يساند شعب السودان مساندة حقيقية وفعالة، وقف في البداية مع شعب السودان حتى نال استقلاله الكامل عام 1953. وتصدى عبدالناصر بحكمته المعهودة للاستعمار البريطاني الذي كان يستخدم كل المهارة السياسية الى جانب الضغط لاستمرار السيطرة على السودان، ولكن جمال عبدالناصر جابه الموقف في حسم وشجاعة وارسل في نوفمبر 1952 مذكرة تقترح الآتي: 1- تمكين السودانيين من ممارسة الحكم الذاتي الكامل، وتهيئة الجو المحايد الحر الذي لا بد من توافره لتقرير المصير. وفوجئت الحكومة البريطانية بهذا الموقف الثوري الجديد الذي يعطي الحق كاملا لشعب السودان فلم تملك سوى الموافقة وكانت اتفاقية فبراير 1953 التي قبلها البريطانيون على مضض، وخلال فترة الانتقال التي نصت عليها الاتفاقية بادرت مصر بسحب جيوشها وكذلك بريطانيا وتركت مصر كل الاسلحة الثقيلة التي كانت تخص جيشها في السودان هدية الى الشعب الشقيق وتم الجلاء كاملا في نوفمبر 1955، واعلنت الجمهورية السودانية لأول مرة في 19 ديسمبر 1955 واعلن استقلال السودان رسميا في الأول من يناير 1956. وهكذا تجسد موقف ثورة 23 يوليو بقيادة الرئيس عبد الناصر في خطوات عملية لتحرير الشعب السوداني الذي حقق الجلاء الكامل عن أرضه قبل أن يتحقق عن أرض مصر. وظل عبدالناصر يمضي في خطوات التطور وطريق التقدم لمصر من دون أي محاولة للتدخل في حياة الشعب السوداني تأكيدا للمعاني الجديدة النبيلة التي أبرزت الثورة وأنهت بها صفحة من تاريخ الشعبين كانت تحاول فيها بعض القوى مسايرة النفوذ الاستعماري في السودان، ساند جمال عبدالناصر ثورة أكتوبر عام 1964 التي أسقطت حكم الجنرال إبراهيم عبود، ولكن هذه الثورة سقطت فريسة لنكبة تزييف الإرادة الشعبية وأسقط الحكم من جديد في ايدي الاحزاب التقليدية والعناصر الطائفية حتى قامت ثورة مايو 1969 بقيادة اللواء جعفر النميري وأعلنت أهدافها الثورية التقدمية، وكان من الطبيعي أن تلتقي بالثورة الأم ووقف السودان بقادته وجماهيره كجزء من الشعب العربي في مواجهة العدو المشترك، وكرس كل إمكانياته المادية والبشرية لدعم المعركة. عندما حاولت القوى التي تساندها دوائر استعمارية القيام بمؤامرة في السودان وقف عبدالناصر إلى جانب الشعب والثورة السودانية مؤكدا لهم مساندته الكاملة حتى تم القضاء على المؤامرة.
مشاركة :