نتابع اليوم استعراض بعض المواقف القومية التي لا تنسى للزعيم الراحل جمال عبدالناصر. لبنان: كانت الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا تقدمان الأموال لبعض المسؤولين اللبنانيين لقبول الانضمام إلى حلف بغداد، لكي يصبح الحلف أيضا واجهة ضد الرئيس عبدالناصر، يقول جوزيف مغيزل في كتابه لبنان والقضية العربية: (.. وهكذا دخل لبنان، بسبب مسايرة حكامه في عهد كميل شمعون لساسة حلف بغداد، مساهمتهم في خططهم الايقاعية بعبد الناصر، ولا سيما بريطانيا والعراق من جهة، وبين الجمهورية المصرية وحليفتها الجمهورية السورية من جهة أخرى) ولكن وقفة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ضد حلف بغداد، جعل دخول لبنان إلى هذا الحلف مسألة مستحيلة، وتمر الأحداث بسرعة، وأصبح عبدالناصر زعيم الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، فلقد استطاع تأميم قناة السويس وصيانة هذا التأميم من عدوان ثلاث دول، وخرجت أمريكا بمشروع ايزنهاور، المعروف (بنظرية شغل الفراغ)، وأعلن شارل مالك وزير الخارجية اللبنانية موافقته على الطرح الأمريكي، ورفض المشروع كل الجماهير اللبنانية بمساندتها عبدالناصر، ولم تهتم في تلك الظروف بعض عناصر الحكومة اللبنانية بالرأي العام، ووقفت الجماهير ضد الموافقة اللبنانية، واصبح الطريق إلى الوحدة بين مصر وسوريا أ وشيكا، وتمت الوحدة، ويقول مغيزل: وفي شهر (مارس) 1958 وصل الرئيس جمال عبدالناصر لزيارة الإقليم الشمالي، فكان قدومه وإقامته سلسلة من المهرجانات الصاخبة العاصفة تأييدا وولاء له، ولم يكن لبنان بأقل حماس من جيرانه تجاه الرئيس عبدالناصر، فهرعت الألوف المؤلفة من اللبنانيين في ارتال لا تنقطع على درب دمشق تحيي بطل العروبة وفارسها المغوار، وهكذا فجر قيام الجمهورية العربية المتحدة وقدوم رئيسها إلى سورية المعضلة القومية في لبنان تفجيرا مدويا وبدأت ثورة الجماهير اللبنانية المسلحة ضد حكم العملاء، وانتهت الثورة الدامية في لبنان بالنتائج الآتية: فشل مشروع شغل الفراغ لإيزنهاور تماما. وانتخاب الرئيس السابق فؤاد شهاب الذي أعاد الاستقرار إلى لبنان، والتقى بالرئيس جمال عبدالناصر على الحدود السورية اللبنانية. وظهور تيار ثوري عربي جديد وقومي في لبنان. الجزائر: من جبال الأوراس، جاء إلى القاهرة بطريقة سرية ومثيرة وفد من طليعة ثوار الجزائر، وطلبوا لقاء أحد المسؤولين في ثورة يوليو المصرية.. وكان ذلك في نهاية عام 1953، والتقوا بضابط صغير، وشرحوا له أن شعبا عربيا في الجزائر قد اكتملت ثورته، وانه لم يبق الا ان يطلق الرصاصة الاولى في طريق استقلاله، ولكنه لا يملك شراء هذه الرصاصة، وقررنا ان نأتي إلى القاهرة نطلب معونة الثورة المصرية، ووجد الضابط الصغير ان الامر أكبر منه فقرر ان يعرض طلب الثوار على الرئيس جمال عبدالناصر، وفي اليوم التالي التقى ناصر بوفد الجزائر، كان ذلك في بداية الثورة المصرية، وكان أمل ثوار الجزائر في مساندة مصر ضئيلا للغاية، ولكنها كانت مجرد محاولة، قد تنجح وقد تخفق.. وكان لقاء الثوار سريعا.. وكان اللقاء هو بداية طريق ثورة الجزائر.. لقد رفضت عشرات الدول ان تستمع اليهم الا عبدالناصر.. فقد فتح عبدالناصر لهم مكتبا سياسيا في وسط القاهرة.. ليكون منبرا سياسيا واعلاميا لثورة الجزائر.. وحملت الباخرة (الحرية) أول شحنة من السلاح إلى ثوار جبال الاوراس.. وانطلقت الشرارة الاولى للثورة الجزائرية برصاص مصري وثوار من الجزائر.. وجنّت فرنسا.. للمفأجاة.. لقد وضع عبدالناصر امكانيات مصر كلها في سبيل ثورة الجزائر. وشعب الجزائر.. ومرت الايام مسرعة.. وأعلن عبدالناصر تأميم قناة السويس.. وجاء وفد فرنسي إلى القاهرة عقب التأميم والتقى عبدالناصر بهذا الوفد.. وقالوا للزعيم: - اترك مساندة الجزائر، ونحن نترك تأميم قناة السويس يمر بسلام.. ولكن عبد الناصر لا يساوم بثورة شعب.. مصير أمة.. وأعلن عبدالناصر رفضه تماما لهذه المساومة.. وكان العدوان الثلاثي على مصر.. وكانت القوات الفرنسية تضرب مصر بقسوة ليسكت ثوار الجزائر.. كانت تريد إنهاء ثورة الجزائر من القاهرة.. ولكن.. هذا الشعب العظيم رفض الاستسلام والهزيمة.. وأصر على القتال، وانتزع النصر من انياب اقطاب العدوان الثلاثي.. استمر عبدالناصر في مساندة ثورة الجزائر، بكل وسائل الدعم العسكري والمالي والسياسي الإعلامي.. حتى تحقق لها النصر. ونالت الجزائر العربية استقلالها.
مشاركة :