في بقالة صغيرة في العاصمة السودانية الخرطوم، ينشغل حسن عمر في نفض الغبار عن البضائع التي تتكدس منذ أشهر على الرفوف بسبب تراجع حركة الشراء في السودان وسط أزمة اقتصادية عميقة. ويقول حسن عمر "43 عاما"لـ "فرانس برس" : لم يعد لدى المواطن المال ليشتري، ما يجعلنا نعاني حالة كساد، وتابع "القوة الشرائية تراجعت بشكل كبير في الأشهر الستة الماضية"، مشيرا إلى أن مبيعاته في السابق كانت تبلغ في اليوم الواحد 500 ألف جنيه (877 دولار)، لكنها انخفضت الآن إلى 200 ألف (350 دولار). وتعكس محنة حسن عمر تدهور الوضع الاقتصادي في السودان، ما أرغم العديد من الأسر على التقشف في ظل أزمة غذاء وشيكة في البلد الذي يعاني نحوثلث سكانه الـ 45 مليونا من الجوع الحاد، ويعيش 65 في المائة من السودانيين تحت خط الفقر، بحسب ما أفاد تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2020. وعانى السودان على مدار ثلاثةعقود من حكم الرئيس السابق عمر البشير، من أزمات اقتصادية متلاحقة ناتجة عن سوء الإدارة من جهة وما شهدته البلاد من صراعات قبلية وتمرد مسلح من جهة أخرى، فضلا عن العقوبات الدولية المفروضة عليه. ودفعت هذه الظروف القاسية السودانيين إلى الخروج في احتجاجات ضد حكم البشير إلى أن أطاحه الجيش من السلطة في أبريل 2019، وتم الاتفاق على حكم انتقالي مشترك بين المدنيين والعسكريين وبدأت انفراجة اقتصادية تلوح في الأفق مع ورود تعهدات بتقديم مساعدات دولية ورفع العقوبات عن البلد. وفي أكتوبر 2021 تبددت الآمال وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بعد انقلاب عسكري نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أطاح فيه المدنيين من الحكم، ما أدى إلى تراجع المساعدات الدولية للبلاد فيما خرجت تظاهرات شبه يومية احتجاجا على الحكم العسكري. وقالت سعاد بشير الموظفة الأربعينية وهي أم لأربعةأطفال، "مقارنة الدخل مع المصروف غير ممكن لذلك نحاول إيجاد بدائل رخيصةفي الطعام". ركود كامل وفي أحد شوارع شمال الخرطوم، يشكو نور آدم بجانب عربته لبيع الخضار من الوضع موضحا أنه تكبد خسائر فادحة خلال الأشهر التسعة الماضية، وقال لفرانس برس "فسد الكثير من المنتجات بسبب عدم الشراء .. لا يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو أو سأضطر إلى البحث عن وظيفة أخرى". وعلى الرغم من ذلك، تراجع معدل التضخم في السودان العام الماضي مسجلا 87 في المائةفي ديسمبر مقارنة بـ 318 في المائة في الشهر نفسه من 2021، وبرر عبد الله الرمادي أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين ذلك فأوضح أن "الاقتصاد في حالة ركود كامل"، مضيفا أنه ليس هناك طلب وبالتالي فإن الأسعار لا ترتفع. ولم يعلن السودان بعد عن موازنة الدولة لـ 2023، وأخيرانظم المئات من طلاب الجامعات احتجاجات ضد الزيادات الأخيرة في الرسوم التعليمية. ويتساءل محمد حسين طالب السنة الأولى بكلية الهندسة كيف سيتمكن من دفع الرسوم المطلوبة منه ويقول لفرانس برس "طلب مني دفع 550 ألف جنيه (ألف دولار) ووالدي يعمل كموظف براتب شهري"، مشيرا إلى أن الرسوم كانت 50 ألف جنيه في العام الماضي. ولم تقتصر الاحتجاجات على الطلاب، بل باشر المئات من أساتذة الجامعات إضرابا مفتوحا منذ العاشر من الشهر الجاري اعتراضا على تدني رواتبهم، ويواجه الملايين في السودان صعوبات متزايدة في الحصول على خدمات التعليم التي تعطلت على مر العامين الماضيين نتيجة الاحتجاجات. استقرار سياسي وعلى غرار التعليم، ارتفعت رسوم العديد من الخدمات الحكومية الأخرى من إصدار جوازات السفر وحتى رسوم الطرق، وقال سائق الشاحنة تيجاني عمر "رسوم الطرق تضاعفت خمسمرات على الأقل مقارنة بالعام الماضي"، وأضاف أن ذلك "سوف يرفع من تكلفة النقل وينعكس في النهاية على أسعار المنتجات". ويعلق البعض آمالا على اتفاق وقع الشهر الماضي بين العسكريين والمدنيين شكل الشق الأول من عملية سياسية على مرحلتين، لإنهاء الاضطرابات التي تعم البلاد، بينما يشكك به الكثيرون باعتباره يفتقر إلى تفاصيل وجداول زمنية. ويأمل عبد الحليم حامد "53 عاما"، الموظف بالقطاع الخاص والأب لأسرة من ستةأفراد، في أن يساعد الاتفاق على استئناف برنامج دعم الأسرة، وقال أثناء تفاوضه مع بائع فاكهة في الخرطوم على الأسعار "فقدت المساعدة القليلة التي كان يقدمها لي هذا البرنامج"، متابعا "إذا نجح الاتفاق الأخير في جلب الاستقرار السياسي يمكن للاقتصاد أن يبدأ في التحسن، لكن التحسن الكامل يحتاج إلى وقت"، وتؤكد بشير ذلك قائلة إن "اقتصاد البلاد لن يتحسن سريعا سيحتاج إلى أعوام".
مشاركة :