قيد الخاطر – (عبدالله با نعمة… ألم وأمل)

  • 1/29/2023
  • 22:17
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عبدالله بن عمر با نعمة، مولود تقريبا في عام ١٣٩٤، نشأ نشأة طيبة، كل ما يطلبه؛ يجده، في كنف أبوين صالحين، حتى دخل المدرسة، فتعرف على زملاء مدخنين في المرحلة المتوسطة، فكان ينصحهم بأن هذا عيب، حتى أصابته العدوى، فأصبح يدخن، وكانت صحته فوق سنه، وكان يتدرب على “كاراتيه- نادي الاتحاد” و “جمباز” و “حديد”… وفي عام ١٤١٢، في ليلة من الليالي جاءه والده يقول له أنت تدخن؟ فقال: لا، وأقسم له بالله، حتى رفع صوته على والده، فدعى عليه والده وقال: الله يكسر رقبتك إن كنت تدخن. وتعرف على صحبة في المرحلة الثانوية، وأرادوا مرة في ٥ رجب من ذات السنة قبل اختبارات الفصل الأول أن يذهبوا إلى شاليهات عند البحر، وكان عمره تسع عشرة سنة، أرادوا أن يسبحوا في المسبح، وكان مدرجا من متر ونصف إلى ثلاثة أمتار، وكان طول الشيخ عبدالله مترا واثنين وثمانين سم، وفجأة عندما قفز في المسبح؛ شل شلالا رباعيا، ومس رأسه بلاط المسبح، وانكسرت رقبته، سمع طقطقت الفقرات، ويخرج نزيف من الأنف، والفقرة الثالثة والرابعة والخامسة تفتت، سمعها بأذنه، هنا تذكر دعاء والده، كان بينه وبين أحد زملائه أقل من شبر، ما استطاع أن ينبهه إليه، كتم النفس خمس دقائق تقريبا، ثم أطلقه، وكان شريط الذكريات يمر أمامه، كان يرى عجوزا ترفع يديها تدعو له، كان يتصدق عليها بريالات، وكان تذكر حديث رسول الله -; صلى الله عليه وسلم -; : (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله؛ دخل الجنة)؛ فتشهد، حرك لسانه وشفتيه، ودخل الماء في جوفه، وأغمي عليه… وكان الأطباء يقولون إذا منع الإنسان من الأكسجين أربع دقائق؛ يموت دماغيا، وست دقائق يموت موتا كاملا، لكن النبي -; عليه الصلاة والسلام -; قال: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء)، وكانت أمه رأت رؤيا وهو في خمس سنوات أن امرأة تنظر إليه وتقول: ولدك عبدالله لما يصل ثمانية عشر؛ يموت، فلما وصلها ولم يمت؛ قالت الحمدلله عبدالله وصل ثمانية عشر ولم يمت، بعدها بيومين شل. أنقذه الله بأخيه هيثم الذي كان رفض أن يصطحبه معه، وكان وجهه إلى ظهره، وكان أحد رفاقه في السيارة زوده بأكسجين في فمه، فصحى وقال: أنا مشلول، اذهبوا بي إلى المستشفى، وجاءه والده في المستشفى، قال لأبيه: سامحني… كانت الرئة توقفت من التدخين والماء تسعة أشهر، فلا يتكلم، فتحوا له فتحة في حلقه… شفطوا الماء من الرئة… أجرى عمليات، رأى الموت من خلالها… أصدقاؤه الثلاثة عشر لم ير أحدا منهم بعد الحادثة… مكث أربع سنوات في المستشفى… أمه يوميا مرافقة معه… كان لا يستطيع يمد يده للأكل، ولا ليحك وجهه… يوقظ أمه ليلا خمس أو سبع أو عشر مرات؛ لتحك وجهه أو تغطيه أو ترفع الذي على وجهه… والده دفع أكثر من خمس مئة ألف ريال مصاريف للعلاج… ولد عمه استقام بعد موت والده، فجاء إليه بصحبة صالحة… ثم انطلق داعية إلى الله. وفي صباح الجمعة ١٤٤٤/٧/٥، توفي في المدينة، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه الصبر والسلوان. رثاه الشاعر د عبدالرحمن العشماوي -; حفظه الرب العلي -; بأبيات، قال: ثلاثون عاما بالمعاناة تشرقُ * وقلبك فيها بالمحبة يعبق تزينت بالصبر الجميل ولم تكن * يؤوسا فباب اليأس عندك مغلق وها أنت ذا تمضي وتترك لوحة * من الهمة الكبرى بصبرك تنطق رحلت عن الدنيا وذكرك بعدما * رحلت جميل والشذا منه يعبق لقد كان عبدالله روحا مضيئة * بأجنحة الصبر الجميل تحلق فأسبغ له يا رب عفوا ورحمة * وغيثا من الغفران يهمي ويغدق قصة مليئة بالدروس والعبر، منها: قدرة الله في خلقه وأمره، وكيف يغير الحال من حال إلى حال، وأن ما يحبه العبد قد يكون شرا ووبالا عليه، والخير في ما اختاره الله، والعبد ما دام على مراد الله؛ فهو على خير وإلى خير إن شاء الله. وفيها: لطف الله، ولطف الله لا يدركه أحد، وهو لطيف خبير جل جلاله، يقدر المكروه الظاهر؛ لما يجري عليه من مصالح عظمى، منها إنابة العبد وخضوعه وخشوعه، وكونه رسالة منه إلى خلقه، لا تغتروا، واعتبروا. ومنها: رحمة الوالدين، وشؤم أصحاب السوء. ومنها: أن الموت موت القلب، والحياة حياة القلب (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). ومنها: الغفلة المسيطرة على كثير من الناس، فلا يعتبرون وهم يرون قوافل الموتى والمرضى والمصابين، وذلك لأنهم لم يعتبروا أولا بالقرآن، ومن لم يعتبر ويتعظ بالقرآن؛ فبأي شيء يعتبر ويتعظ ويهتدي؟! وعبر أخرى كثيرة. اللهم ارحم عبدك عبدالله، وجازه بالجزاء الأوفى، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه في موحشات القبور، ووالدينا وجميع المسلمين يارب العالمين. للتواصل مع الكاتب Abdurrahmanalaufi@gma

مشاركة :