تغيير الوضع المتسبب في إعادة إنتاج الأزمات ضروري لاستمرار العمل الحكومي والبرلماني السليم واستقراره، وهو واجب على السلطتين معاً، فعلى أعضاء المجلس أن يلتزموا بأحكام الدستور، وأن يرجعوا إلى المتخصصين الاقتصاديين والشرعيين في دراسة اقتراحاتهم، خصوصاً التي يثار حولها خلاف شديد بشبهات دستورية أو تؤثر على المصلحة العامة أو تهدد بقاء السلطتين. أحمد يعقوب باقر الحكومات في كل برلمانات العالم لا يمكنها البدء بالعمل والاستمرار فيه ما لم تحصل على ثقة البرلمان، بحيث يكون لديها أغلبية في القوانين والقضايا الأساسية، وإذا فقدت الأغلبية وتمسك أغلبية أعضاء البرلمانات بقوانين وبرامج لا توافق عليها الحكومات فلن تستطيع الاستمرار في عملها وتقدم استقالتها فوراً. لكن الدستور الكويتي لم ينحُ في العمل البرلماني هذا النحو، واكتفى بالنص على أن الثقة تحصل عليها الحكومة عند تشكيلها من الأمير لا من المجلس، ولكن مما لا شك فيه أن استمرار عملها وتطبيق برامجها مرهون بحصولها على الأغلبية في قوانينها وأعمالها، بالإضافة إلى قدرتها على التصدي للاقتراحات التي تخالف برامجها، والأغلبية اللازمة لحماية وزرائها من طرح الثقة. لذلك يخطئ من يظن أن الحكومة التي سيتم تشكيلها الآن سيكتب لها الاستمرار إذا كانت أغلبية الأعضاء تعارض قوانينها، وتفرض عليها قوانين لا يمكن أن توافق عليها. وبناء على ذلك فإن إصرار أغلبية أعضاء المجلس على قوانين القروض وتوزيع أرباح احتياطي الأجيال وغيرها من القوانين المالية غير المنطقية التي لا يمكن لأي حكومة أن توافق عليها، بالإضافة إلى التعديلات غير الدستورية لقانون اللائحة الداخلية للمجلس مثل صحة عقد الجلسات دون حضور الحكومة وتمكين الأعضاء من عزل الرئيس، فكل ذلك سيؤدي بلا شك إلى صدام قادم وحل إحدى السلطتين أو كليهما. والأعجب من ذلك أن يطالب بعض الأعضاء في هذا المجلس والذي سبقه الوزراء بالموافقة على اقتراحاتهم وإلا فإنهم سيواجهون الاستجواب وطرح الثقة فيهم، وهذا اختراق واضح للدستور لأن الموافقة على القوانين أو رفضها هو حق دستوري للحكومة مثل حقها في انتخاب الرئيس واللجان، ولا يجوز أن تحاسب عليه. ومما يزيد هذا الوضع سوءاً خلافات بيت الحكم وعجز الحكومات الأخيرة عن الترويج السليم لعملها وبيان الخطورة المالية والاقتصادية لاقتراحات المجلس في الوقت الذي حظيت فيه تلك الاقتراحات بشعبية كبيرة في بعض الدوائر نتيجة الإعلام الجاهل والمضلل، ويضاف إلى ذلك أخطاء حكومية كارثية مثل المعاشات الاستثنائية الفلكية للوزراء وبعض الفئات. لذلك نستطيع الجزم أن هذه الأوضاع والعوامل كانت سبب معظم الأزمات السابقة، وأدت إلى استقالات الحكومة وحل المجالس، وهي بذور كامنة ستؤدي إلى أزمات قادمة مؤكدة، وإن أي حكومة جديدة لن تستطيع الاستمرار ما دامت هذه الأوضاع مستمرة في الحكومة والمجلس ولم تتغير. لذلك فإن تغيير هذا الوضع المتسبب في إعادة إنتاج الأزمات ضروري لاستمرار واستقرار العمل الحكومي والبرلماني السليم، وهو واجب على السلطتين معاً، فعلى أعضاء المجلس أن يلتزموا بأحكام الدستور، وأن يرجعوا إلى المتخصصين الاقتصاديين والشرعيين في دراسة جميع اقتراحاتهم، خصوصاً التي يثار حولها خلاف شديد بشبهات دستورية أو تؤثر على المصلحة العامة أو تهدد بقاء السلطتين، كما أن على الأعضاء أن يتحلوا بالشجاعة في مواجهة المتطلبات الشعبوية التي تخالف الشرع أو المصلحة العامة دون الخوف على كراسيهم، وعليهم أن يسهموا في الحلول لأخطر المشكلات التي تهدد الكويت مثل ارتباط الاقتصاد بأسعار النفط وتوظيف نحو 30 ألف كويتي سنوياً، وزيادة الدخل غير النفطي والإسكان وقيم العمل والإنتاج، وربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل، وغيرها من الأهداف الضرورية التي يمكن إنجازها بالتوافق أسوة بالتوافق الذي وُضع فيه الدستور، وبالتالي لا تشكل أزمات بين السلطتين. وعلى الحكومة أن تكون قدوة حسنة في الإنفاق العام ومكافحة الفساد، وأن تسعى إلى تحقيق أغلبية برلمانية بالطرق الدستورية، وأن تنزل إلى الميدان وتخاطب كل فئات الشعب مستعينة بكل وسائل التواصل لإيصال رسالتها، مبينة سبب رفضها للقوانين المطروحة دون خوف من التجريح، وألا تترك الناس تحت رحمة الإشاعات، وأن تتقدم بإصلاحات حقيقية تنفع البلاد والمواطنين والأجيال نفعاً حقيقياً مستداماً.
مشاركة :