في مقالاتي السابقة انتقدت عقد الصفقات بين الحكومة وبعض أعضاء مجلس الأمة منذ الإعلان عنها في بداية الفصل التشريعي الحالي، وذكرت أن التمسك بالدستور واللائحة والتطبيق السليم لهما أولى من عقد الصفقات التي لا تنتج إلا مزيدا من المطالبات والابتزاز والتخلي عن الصلاحيات، وبالتالي وقوع مساوئ قد تطغى على المصلحة العامة وعلى أي هدف نبيل يراد من هذه الصفقات. واليوم وبعد تشكيل الحكومة الثانية لهذا الفصل نعيد التذكير بأن تصريحات بعض الأعضاء المطالبة بتمرير أولويات معينة والتي تتناقض تماما مع المصلحة العامة، وبعيدة كل البعد عن الإصلاح الاقتصادي والتنمية، قد تكون عرضة للمساومة أيضا مع ما تريده الحكومة أو بعض أعضائها دون دراسة حقيقية للجوانب القانونية والاقتصادية. هذه الخشية غدت مقلقة أكثر مع ما يتردد أنها الفرصة الأخيرة لحكومة الشيخ جابر المبارك، ولا بد من إنجاحها، مع رغبة السلطة باستكمال المجلس مدته الدستورية، بالإضافة إلى رغبة التيارات والأعضاء الذين شاركوا في الانتخابات بعد المقاطعة في إثبات أنهم أنجزوا وكانت مشاركتهم مجدية. لذلك أرى أن احتمال عقد الصفقات وارد، ولا شك أن أي صفقة بين هذه الأطراف تؤدي الى إقرار مشاريع أو قوانين ضارة ومخالفة للإصلاح الاقتصادي، ستكون كارثه حقيقية على البلاد وعلى مستقبل الأبناء. لذلك أرى أن على الحكومة أن تتمسك بالإصلاح الاقتصادي الذي أثبتته كل الدراسات الاقتصادية، وآخرها اللجنة الاستشارية الاقتصادية التي شكلها سمو الأمير بنفسه، وأمر بتبنيها وتنفيذها، وألا تتهاون أو تقبل بالحلول الوسط مع المشاريع الشعبوية المدمرة التي يريدها النواب، وعلى النواب أن يسعوا بكل جهد إلى اكتشاف الفساد والهدر وإصلاح أي خلل بما يملكونه من صلاحيات هائلة في الدستور واللائحة الداخلية، أي لا يجوز لهم الصراخ على الفساد والهدر دون وضع قوانين وإجراءات لاجتثاث الفساد وتجفيف الهدر، فلا يجوز تكرار ما حدث في جلسة الإيداعات التي يصح فيها المثل العربي الشهير "أوسعتهم شتماً وذهبوا بالإبل". آخر الكلام: فضيحة الشهادات المضروبة هي مثال حي للفساد، كلنا يعلم أن هناك جامعات عربية وأجنبية مستعدة لإسناد شهادات جامعية وحتى الدكتوراه بالمراسلة أو بزيارات متقطعة للأستاذ المشرف على الرسالة بمبالغ بسيطة، وهذه الشهادات انتشرت في كل مؤسسات الدولة حتى التعليمية منها، وأصحاب هذه الشهادات سلبوا الوظائف والمناصب والترقيات من غيرهم، وعلى الأغلب سيتسرب فسادهم إلى كل عروق الدولة إذا لم يتم إيقاف هذا النموذج الصارخ من الفساد. الكل ينتظر إجراءات حاسمة من الحكومة والمجلس.
مشاركة :