في زمن السرعة، وسهولة الوصول إلى المعلومات وخاصة الثقافية منها، من خلال التقنيات الحديثة، ومع سطوة مواقع التواصل الاجتماعي بتنوع مصادرها، قد تبدو ظاهرة التحصيل الثقافي «السطحي» في أوّج مراحلها لدى أغلب شباب هذا الجيل، ما يهدد حصيلتهم المعرفية ويبعدهم عن التحصيل العميق والاطلاع الحقيقي على المعارف المختلفة، ونتيجة لذلك ظهرت إصدارات «أدبية» لا تحمل قيمة فنية حقيقية، وتعاني من خلل واضح وسطحية في المحتوى والمضمون. تقول الكاتبة والناقدة سحر الزارعي: إن ظاهرة ثقافة «التيك أواي» غير مرتبطة بالوقت الراهن، بل هي قديمة وموجودة في أغلب المجتمعات، فهناك فئة من الناس ينبهرون بشكل وحضور وتأثير المثقفين فيرغبون في الجلوس على مقعد يفوق قدراتهم وتخيّلهم، فيلجؤون لحيلة سهلة التنفيذ ولا تنطلي إلا على أمثالهم؛ وهي حفظ قوالب معينة لكاتب أو مفكّر أو فيلسوف، واستخدامها بأكثر من شكل وصورة. مشيرة إلى أن هذه الفئة ستُصاب بصدمةٍ عظيمة بعد وقتٍ قصير، فبمجرّد وجودهم في أي مناسبة ثقافية سيُكشفون بكل سهولة، ذلك أنهم سيزجّون بقوالبهم في غير موضعها، وعندما يذهب الحديث باتجاهاتٍ أخرى بعيدة عن القوالب المألوفة لديهم ستجدهم وكأن على رؤوسهم الطير! وربما بعضهم سيكابر ويُحرج نفسه أكثر بالاسترسال بالحديث بعشوائية مؤسفة ستجعله في الغالب يُقلع عن عادته السيئة. من جانبها، ترى الكاتبة مريم الحمادي أن الأجيال الجديدة ومع إيقاع الحياة السريعة أصبحوا لا يميلون إلى التريث في اتخاذ القرارات المناسبة والرصينة، وكثرة مناهل الثقافة والمعرفة وتنوع مصادرها بات على كثير من الشباب الاقتناع بفكرة ما دون التحقق من صحتها وجودتها، وهذا ما ينعكس بالسلب عليه وعلى محيطه، سواء بالعمل أو الدراسة أو حتى الكتابة الإبداعية، فتحديد مسار الشاب الفكري في هذا اليوم صار مهماً جداً، وخاصة الابتعاد عن معلومات «take away»، أي المعلومات الثقافية السريعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وتؤكد الحمادي: على الشباب أن يهتموا بالمسألة الإبداعية وتطوير مهاراتهم بالغوص في أتون الأفكار، والخوض في غمار المعلومات للوصول إلى غاياتهم الإبداعية التي ستظل باقية، طالما جاءت من خلاصة أفكار عميقة البحث والتحري والمتابعة والاستنتاج، أما الإبداع المصطنع والمزيّف والذي جاء بمجرد أفكار سريعة فلن يبقى وإن احتفت به الأضواء، فلن يبقى إلا الإبداع الحقيقي على مر العصور والأزمان. وتقول الدكتورة فاطمة المعمري: أعتقد أن إحدى ميزات العصر الذي نعيشه هي سهولة الحصول على المعلومة، ما يمنحنا متسعاً أكثر من الوقت للبحث عن معلومة أخرى، وهو ما يعني حصيلة أكبر من المعلومات أيضاً، ويختلف تأثير هذا التحصيل على الأفراد وفقاً لمدى وعيهم واستيعابهم لما تم تحصيله، حيث يشكل أفكارهم ومعتقداتهم، لذا يجب أن يسبق هذا التحصيل السريع وعي وإدراك. مضيفة أن هذا التحصيل يمكن الشباب من فهم المدخلات الثقافية وتحليلها والتأكد من سلامتها حتى لا يحدث أي تشوه ثقافي لديهم، أما في حال افتقر الشباب للوعي فإن هذا الكم من التحصيل الثقافي قد يؤثر عليهم بشكل سلبي. ويقول الكاتب سيف محمد سالم المنصوري: على الشباب أن يغتنموا الفرصة بوجود هذا الكم من المعلومات الثقافية وسهولة الوصول إليها، بالتمعن والكثير من التريّث وعدم الاستعجال وخاصة في العمل الإبداعي، واستخدام التحصيل الثقافي بشكلٍ إيجابي يخدم ما سيطرحه لاحقاً. ويوضح المنصوري، أن الاستفادة من عصر السرعة بتنمية الذات وتغذية الأفكار يبني إنساناً مبدعاً يعد إضافة حقيقية للثقافة والفكر والوطن والإنسانية، ما يجعله قادراً على أن يقدم طرحاً مميزاً ومبهراً ولافتاً في يوم ما.
مشاركة :