تعد قوة السوق عيبا آخر يتطلب تدخل الحكومة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يمكن قانون الرقائق والعلوم الأمريكي من مواجهة هيمنة الصين. وما يثير المخاوف هو أن الصين يمكن أن تستخدم هذه الهيمنة كسلاح اقتصادي، كما تستخدم الولايات المتحدة هيمنتها على النظام المالي وتقنيات معينة لمعاقبة دول أخرى. ويسعى قانون الرقائق والعلوم الأمريكي إلى تقليل تعرض الاقتصاد الأمريكي للضغط الصيني. إن كل هذه التدخلات تتعلق بتحويل أسعار السوق لجعل بعض الصناعات، مثل أشباه الموصلات أو الطاقة المتجددة، أكثر ربحية ومن ثم أكبر مما كانت ستكون عليه لولا ذلك. لكن شكلا آخر من أشكال التدخل الحكومي يتعلق بالتكامل بين السلع العامة والخاصة. فعلى سبيل المثال، تتطلب السيارات طرقا وإشارات مرور وقواعد قيادة ورجال شرطة. وتحتاج القطارات إلى مسارات ومحطات. وتتطلب السيارات الكهربائية محطات شحن متاحة على نطاق واسع. وتعتمد جميع الصناعات على العمال ذوي المهارات المحددة. وتتأثر هذه المدخلات بصورة صريحة وضمنية بسياسات الحكومة، التي تعد ضرورية لتهيئة الظروف المناسبة للنمو والازدهار المشترك على نطاق واسع. إن الطريقة الوحيدة التي يمكن للحكومات من خلالها توفير المزيج الصحيح من السلع العامة هي التعامل مع أكبر عدد ممكن من الصناعات. فالسياسات الصناعية لا تعني اختيار القطاعات الصناعية الفائزة، بل تهدف إلى ضمان أن يؤدي توريد السلع العامة، إلى تعزيز الإنتاجية قدر الإمكان. ولأن الحكومات لا تستطيع الاعتماد على اليد الخفية للسوق لتنسيق إجراءات الآلاف من الوكالات العامة وتأثيرات ملايين الصفحات من التشريعات، يجب تضمينها وإشراكها في السياسات الصناعية. وهذا هو السبب في وجود عديد من الغرف التجارية ومجموعات الضغط في الدول الديمقراطية التي تحاول التأثير في توفير السلع العامة بطرق تعزز فرص إيجاد القيمة في صناعاتها. ومن المؤكد أن هذه المجموعات قد تنخرط أيضا في البحث عن الريع، لكن المنافسة الديمقراطية يمكن أن تمنع مثل هذا السلوك. ولا يعني هذا أن على كل حكومة تقليد السياسات باهظة الثمن التي تبدو رائجة هذه الأيام، بل يجب أن يركز صانعو السياسات على مشكلات دولهم الحالية واختيار أنسب الحلول لها. إن نسخ حلول الدول الأخرى لمشكلات لا تعانيها، أو التركيز على القضايا العصرية التي ليست مهمة حقا، يؤدي إلى الفشل، إن لم نقل إلى كارثة. فعلى سبيل المثال، يتطلب التنويع في صناعات جديدة ـ وهو هدف رئيس في عديد من الدول ـ تحديد السلع العامة التي تتطلبها هذه الصناعات ومساعدتها من خلال عملية التعلم. ونظرا إلى أن إزالة الكربون تؤدي إلى ظهور أسواق وصناعات جديدة، تحاول الحكومات معرفة كيفية المشاركة في التحول الأخضر. وقد ترغب دول أخرى في الحد من التفاوتات الإقليمية، أو دمج جامعاتها في نظام إيكولوجي حيوي للابتكار، أو تسريع وتيرة التنمية من خلال معالجة الإخفاقات الطويلة الأمد في توفير المدخلات الرئيسة، مثل: الكهرباء، والمياه، والتنقل، والتدريب، والخدمات الرقمية. ولمواجهة هذه التحديات، يجب أن يكون لدى الحكومات إمكانية الوصول إلى جميع أدوات السياسة التي يمكن أن تساعدها على إيجاد الحلول. إن إهمال هذه الأدوات باعتبارها "سياسة صناعية"، كما يفعل البعض عادة، لا يقلل من أهميتها. خا ص «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :