أسعار محاضرات المدارس المضاعفة تعمّق أزمات الأسرة المصرية

  • 2/2/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

جوبه توجه الحكومة المصرية نحو الاقتراب من خصخصة مجموعات التقوية المدرسية برفض كبير من قبل كثير من الأسر التي تعول على الاستثمار في تعليم أبنائها، كما أنتج ردود فعل ساخطة من جانب شريحة كبيرة في المجتمع تؤمن بأن التعليم هو البوابة السحرية التي تهرب منها بعيدا عن دوامة الفقر. ومجموعات التقوية المدرسية كانت بمثابة بديل للأسر عن مراكز الدروس الخصوصية ذات الأسعار المرتفعة. القاهرة - نسفت الحكومة المصرية أحد أوجه الدعم التعليمي بعد قرارها رفع أسعار مجموعات التقوية المدرسية التي كانت بمثابة بديل للأسر عن مراكز الدروس الخصوصية ذات الأسعار المرتفعة، ما تسبب في أزمة لأولياء أمور طلاب عوّلوا عليها لتحسين مستوى أولادهم. وكانت مجموعات التقوية المدرسية أشبه بعيادات المستشفيات الحكومية المدعومة التي تقدم خدمة شبيهة بتلك الموجودة في مراكز طبية خاصة، لكن بأسعار مخفضة تتناسب مع غالبية الشرائح المجتمعية، وتلبي احتياجات الطبقات الفقيرة والمهمشة. وتخطط وزارة التربية والتعليم في مصر لأن تكون مجموعات التقوية منافسة لمراكز الدروس الخصوصية التي تكلف الأسر سنويا نحو ملياري دولار على أمل أن يكون للحكومة جزء من الكعكة التي اعتادت مراكز التعليم الموازي اقتناصها. فاتورة التعليم صارت باهظة والخوف أن يسرح الكثير من الأهالي أولادهم من المدارس أمام صعوبات المعيشة وحسب الأسعار المعلنة، فإن المحاضرة الواحدة للمادة الدراسية ستصل إلى مئة جنيه (3.2 دولار) للطالب الملتحق بمدرسة حكومية عربية، ومئة وخمسين جنيها (حوالي 5 دولارات) للطالب المسجل بمدرسة رسمية لغات، أي أن كلفة المجموعات للطالب الحكومي شهريا قد تصل إلى نحو ألفي جنيه (66 دولار). ويتجاوز الرقم المنتظر تحصيله من طلاب المدارس الراغبين في تدعيم مستواهم الدراسي بمجموعات التقوية الحد الأدنى للأجور نسبيا البالغ 2800 جنيه (60 دولارا)، لكنه يتجاوز مساعدات تقوم الحكومة بمنحها للأسر البسيطة بسلع مدعمة أو مبالغ مالية شهرية. وظلت الأسر البسيطة والمتوسطة تعوّل على مجموعات التقوية المدرسية لتحسين مستوى أولادها في ظل ندرة المعلمين وارتفاع العجز في صفوفهم لنحو 400 ألف معلم بالمدارس مع تهالك البنى التحتية وكثافة فصول لا تؤهل للتحصيل العلمي. وجلب التوجه الحكومي نحو الاقتراب من خصخصة المحاضرات المدرسية ردود فعل ساخطة من جانب شريحة كبيرة في المجتمع، في مؤشر يعكس أن مجانية التعليم لم تعد موجودة ولا تعترف بها المؤسسات الرسمية وتحاول الالتفاف عليها. وتتعارض الإستراتيجية الجديدة مع أحلام بعض الأسر بالاهتمام بتعليم الأبناء كمشروع للاستثمار، وهو الوحيد المضمون بالنسبة إليهم وأبنائهم لأن تفوق الأولاد دراسيا يظل البوابة السحرية التي يهربون منها بعيدا عن البقاء في دوامة الفقر. وارتبط الاستثمار في التعليم عند الأسر بأن المصروفات كانت رمزية وكلفة الكتب زهيدة ومجموعات التقوية المدرسية مدعومة، ومع اتجاه الحكومة لتحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال من جيوب الناس وسط الغلاء وصعوبات المعيشة أصبح التعليم عبئا مضاعفا على الأسر. في المقابل، تلعب الحكومة على وتر شغف الأسر بتعليم أولادها، مهما كانت الظروف، على أمل أن يجنوا مستقبلا وظيفة راقية ووضعية اجتماعية أفضل، وتناست أن حالة اليأس بين أرباب العائلات تتصاعد ونظرة التفاؤل شبه منعدمة، والتدبير أولوية لدى الأغلبية. ويخشى عماد حمدي، وهو رب أسرة من أربعة أبناء في مدارس حكومية، عدم مقدرته على استكمال مهمته في تعليم أولاده أو مساعدتهم على أن يكونوا متفوقين دراسيا، بعد المغالاة غير المبررة في أسعار مجموعات التقوية المدرسية التي تستهدف البسطاء ومحدودي الدخل، إضافة إلى باقي متطلبات التعليم، كالمصروفات وأسعار الكتب، في حين أن المدارس لم يعد بها أي تعليم. التعليم.. عبئ مضاعف على الأسر المصرية التعليم.. عبئ مضاعف على الأسر المصرية وقال لـ”العرب” إن الدروس الخصوصية أصبحت تنهب جيوب الأسر، والحكومة ترغب في استقطاع جزء منها، والمواطن وحده يدفع الثمن، لذلك صارت فاتورة التعليم باهظة الكلفة على البسطاء والخوف أن يضطر الكثير من الأهالي لتسريح أولادهم من المدارس أمام صعوبات المعيشة. وتمثل الدروس الخصوصية أو مجموعات التقوية المدرسية التعليم الحقيقي في مصر، والحكومة تعترف بذلك أمام عجزها عن تعيين معلمين جدد، أو بناء مدارس تستوعب 30 مليون طالب، ما يعزز مخاوف الخبراء من وصول علاقة البسطاء بالتعليم إلى مرحلة القطيعة وترتفع نسبة التسرب بشكل يكرس الجهل الذي تعاني منه شريحة كبيرة. وما يثير تذمر الكثير من الأسر أن المعلم في المدرسة الحكومية أصبح منشغلا بالدروس الخصوصية، وثمة من يتعمد إهمال واجباته الأساسية ويتقاعس عن تدريس المنهج في المدرسة لدفع التلاميذ للحصول على الدروس لدعم راتبه الهزيل، وكل ذلك تحت عين وزارة التعليم التي تخشى معاقبة المعلمين المقصرين فتصدم بطلب زيادة الرواتب. ورأى عادل بركات الباحث في شؤون العلاقات الأسرية والمحاضر في التنمية البشرية بالقاهرة أن التعامل مع التعليم كسلعة لها جمهورها، وتحديد أسعار تتناسب مع شريحة بعينها يقود إلى تداعيات أسرية خطيرة، إضافة إلى انعكاسات ذلك على تكريس الطبقية والتمييز. وأوضح لـ”العرب” أن اتخاذ المزيد من القرارات التي تضيف الأعباء على البسطاء ومتوسطي الدخل سيجعل التعليم في مرتبة متدنية مع أن النوابغ دائما ما يخرجون من رحم الفئات الكادحة التي لا تتعامل مع التعليم بجدية، وعندما تصبح كلفة المدارس أكبر من قيمتها المستقبلية، فمن الطبيعي أن تكون عملية هجرتهم فكرة راسخة في أذهان المهمشين. الدروس الخصوصية أصبحت تنهب جيوب الأسر، والحكومة ترغب في استقطاع جزء منها، والمواطن وحده يدفع الثمن ويرى خبراء أن تعامل المدارس الحكومية بنفس عقلية نظيرتها الخاصة، من زاوية اقتصادية بحتة، في ظل ظروف معيشية بالغة الصعوبة سيكون من الصعب على غير المقتدرين شراء هذه السلة، مع أن الفاتورة التي تتحملها الدولة مستقبلا باهظة الكلفة. ولا تكف الحكومة عن التلويح بضرورة مشاركة الأسر لها في تحمل فاتورة التعليم، لأن الظروف الاقتصادية لا تتيح لها تقديمه مجانا، لكنها لا تدرك أن دفع آلاف الجنيهات بالنسبة إلى أسرة فقيرة أو متوسطة أصبح من المستحيلات بحكم الأزمات الحالية والنظرة المحبطة إلى المستقبل. وعكست ردود فعل الأهالي على الأسعار الجديدة للمحاضرات المدرسية الدرجة التي وصل إليها التمرد الأسري في مصر ضد رفع كلفة الخدمات التعليمية، لأنها صارت تفوق قدرات الأهالي، وإذا كان هناك شريحة تتمسك باستكمال مهمتها في تعليم أولادها، فالغالبية أصبحت عاجزة عن إلحاق أبنائها بمدارس رسمية وتفكر في تسريبهم وتعليمهم حرفا لجلب عوائد اقتصادية. ويبلغ عدد المتسربين من التعليم حوالي 150 ألف طفل سنويا، وهو رقم ضخم حال استمر بشكل تصاعدي أمام استمرار المغالاة في كلفة التعليم، والخطر أن هؤلاء سيصبحون مسؤولين عن تكوين أسر في المستقبل، ما يكرس الجهل والأمية، لأن الأبوين لا يدركان قيمة التعلم ولا يعيرانه اهتماما ولم يُكملا تعليمهما من الأساس. وبغض النظر عن أهداف ومبررات منافسة المدارس للمراكز الخصوصية، فالواضح أن الحكومة صارت تعتبر التعليم الرسمي الذي يستهدف أبناء البسطاء ومتوسطي الدخل، عبئا ثقيلا يجب التخلّص منه في أقرب وقت ممكن، رغم أن إصلاحه وتطويره واجب والتزام دستوري.

مشاركة :