من الملاحظ أنه بدأ كفاح ضد التضخم يؤتي ثماره، لكن يجب على البنوك المركزية أن تواصل جهودها. واتباع سياسة نقدية محكمة وحكيمة. ومن المتوقع أن يتباطأ الاقتصاد العالمي هذا العام، قبل أن يعاود مسيرة التعافي العام المقبل. وسيظل النمو ضعيفا بالمعايير التاريخية، بينما الكفاح ضد التضخم والحرب في أوكرانيا يؤثران سلبا في النشاط الاقتصادي. ورغم هذه الرياح غير المواتية، فالآفاق أقل قتامة مما ورد في تنبؤاتنا في تشرين الأول (أكتوبر)، وقد تكون هذه نقطة تحول، مع انتهاء المسار التنازلي للنمو وتراجع التضخم. وأبدى النمو الاقتصادي صلابة مفاجئة في الربع الثالث من العام الماضي، في ظل قوة أسواق العمل، وقوة استهلاك الأسر المعيشية واستثمارات الأعمال، والتكيف مع أزمة الطاقة على نحو أفضل من المتوقع في أوروبا. وكذلك أبدت معدلات التضخم بعض الانخفاض، مع تراجع التدابير الكلية في معظم الدول الآن، حتى إن لم يكن التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الطاقة والغذاء الأكثر تقلبا، قد بلغ ذروته بعد في كثير من الدول. وفي مناطق أخرى، نجد أن انفتاح الصين مجددا أمام العالم بشكل مفاجئ مهد الطريق لسرعة انتعاش النشاط الاقتصادي. وتحسنت الأوضاع المالية العالمية مع بدء تراجع الضغوط التضخمية. وأسهم ذلك، إلى جانب ضعف الدولار الأمريكي مقارنة بارتفاع مستواه في تشرين الثاني (نوفمبر)، في إعطاء متنفس بسيط للدول الصاعدة والنامية. وبناء على ذلك، رفعنا تنبؤاتنا للنمو بصورة طفيفة في 2022 و2023. وسيتباطأ النمو العالمي من 3.4 في المائة في 2022 إلى 2.9 في المائة في 2023 ثم يعود إلى الارتفاع ويبلغ 3.1 في المائة في 2024. وفي الاقتصادات المتقدمة، سيكون تباطؤ النشاط الاقتصادي أوضح، حيث يتراجع من 2.7 في المائة العام الماضي إلى 1.2 في المائة و1.4 في المائة هذا العام والعام المقبل. ورجح تباطؤ النشاط في تسعة من الاقتصادات المتقدمة العشرة. وسيتباطأ النمو في الولايات المتحدة إلى 1.4 في المائة في 2023 مع زيادات أسعار الفائدة التي يجريها "الاحتياطي الفيدرالي" وانتقال آثارها إلى الاقتصاد. وتنطوي الأوضاع في منطقة اليورو على مزيد من التحديات رغم بوادر الصلابة في مواجهة أزمة الطاقة، وفصل الشتاء المعتدل، والدعم السخي من المالية العامة. ونتوقع انتهاء المسار التنازلي للنمو مع بلوغه 0.7 في المائة هذا العام في ظل تشديد السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي، ومواجهة صدمة سلبية في معدلات التبادل التجاري، بسبب ارتفاع أسعار واردات الطاقة في المنطقة. وبالفعل، استقر النمو في مجموعة اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عند أدنى مستوياته، ويتوقع ارتفاعه بصورة طفيفة إلى 4 في المائة و4.2 في المائة هذا العام والعام المقبل. وكانت القيود المفروضة وموجات تفشي فيروس كوفيد - 19 في الصين قد أدت إلى إضعاف النشاط الاقتصادي العام الماضي. والآن، مع إعادة فتح الاقتصاد، نرى انتعاش النمو وبلوغه 5.2 في المائة هذا العام مع تعافي النشاط وحرية التنقل. والهند مستمرة كنقطة مضيئة. فهي، إلى جانب الصين، ستسهم في نصف النمو العالمي هذا العام، مقابل مساهمة لا تزيد على العشر من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو معا. ويتوقع تراجع التضخم العالمي هذا العام، لكن حتى مع حلول 2024، سيظل المتوسط السنوي المتوقع لمعدلات التضخم الكلي والأساسي أعلى من المستويات التي كانت عليها قبل الجائحة فيما يزيد على 80 في المائة من الدول. ولا تزال المخاطر المحيطة بالآفاق مائلة إلى الجانب السلبي، حتى مع تراجع المخاطر المعاكسة منذ أكتوبر وزيادة أهمية بعض العوامل الإيجابية... يتبع.
مشاركة :