من التطورات السلبية التي شهدتها مؤشرات نمو الاقتصاد العالمي: أولا، التعافي في الصين يمكن أن يتوقف وسط حدوث اضطرابات اقتصادية أكبر من المتوقع نتيجة موجات الإصابة بمرض كوفيد - 19 الحالية أو المستقبلية، أو تباطؤ النشاط في قطاع العقارات بدرجة أشد حدة من المتوقع. ثانيا، من الممكن أن يظل التضخم مرتفعا بصورة مزمنة وسط استمرار نقص المعروض في سوق العمل وزيادة ضغوط الأجور، ما يقتضي تشديد السياسات النقدية وتفضي عنه زيادة حدة تباطؤ النشاط الاقتصادي. ثالثا، لا يزال تصاعد الحرب في أوكرانيا يشكل مصدرا رئيسا للمخاطر على الاستقرار العالمي ويمكنه أن يزعزع استقرار أسواق الطاقة والغذاء ويزيد تشرذم الاقتصاد العالمي. رابعا، إعادة تسعير الفائدة على نحو مفاجئ في الأسواق المالية، وذلك على سبيل المثال، كرد فعل إزاء مفاجآت التضخم المعاكسة، يمكن أن يسفر عن ضيق الأوضاع المالية، ولا سيما في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. التطورات الإيجابية: ــ قوة الميزانيات العمومية للأسر المعيشية، إلى جانب نقص المعروض في سوق العمل وقوة نمو الأجور، يمكن أن تساعد على دعم الطلب الخاص، رغم ما قد يؤدي إليه ذلك من تعقيد جهود مكافحة التضخم. ــ انفراج الاختناقات في سلاسل الإمداد وانخفاض الضغوط في أسواق العمل بسبب تراجع الوظائف الشاغرة يمكن أن يسمحا بحدوث هبوط أهدأ، وهو ما يقتضي تخفيف حدة التشديد النقدي. وبشأن أولويات السياسات فإن أنباء التضخم تبعث على التفاؤل، لكن كسب المعركة لا يزال بعيد المنال. فقد بدأ التأثير الموجِع للسياسة النقدية، مع تباطؤ عمليات إنشاء مساكن جديدة في كثير من الدول. ومع هذا، فإن أسعار الفائدة المعدلة لاستبعاد أثر التضخم لا تزال منخفضة أو حتى سالبة في منطقة اليورو واقتصادات أخرى، وهناك أجواء كثيفة من عدم اليقين المحيط بسرعة تشديد السياسة النقدية وفعاليته في كثير من الدول. وحيث تظل الضغوط التضخمية بالغة الارتفاع، يتعين على البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة الأساسية الحقيقية إلى مستويات تتجاوز السعر المحايد وإبقاؤها على هذا النحو إلى حين اتخاذ التضخم الأساسي مسارا تنازليا قاطعا. أما التيسير في وقت سابق جدا لأوانه فينطوي على مخاطر من إضاعة كل المكاسب التي تحققت إلى الآن. ولا تزال البيئة المالية هشة، ولا سيما مع شروع البنوك المركزية في اتخاذ مسار غير مطروق نحو تقليص ميزانياتها العمومية. وسيكون من المهم مراقبة تراكم المخاطر ومعالجة مواطن الضعف، خاصة في قطاع الإسكان أو في القطاع المالي غير المصرفي الأقل تنظيما. وينبغي أن تسمح اقتصادات الأسواق الصاعدة بتعديل عملاتها قدر الإمكان في مواجهة ضيق الأوضاع النقدية العالمية. ومن شأن اتخاذ تدابير للتدخل في سوق الصرف أو تتعلق بتدفق رؤوس الأموال، حيث يكون ملائما، أن يساعد على تمهيد التقلب المفرط أو غير المرتبط بالأساسيات الاقتصادية. وقد تحرك كثير من الدول في مواجهة أزمة تكلفة المعيشة بدعم السكان والشركات من خلال سياسات واسعة النطاق وغير موجهة ساعدت على تخفيف وطأة الصدمة. لكن ثبت أن كثيرا من هذه الإجراءات مكلف وغير مستدام بصورة متزايدة. وبدلا من ذلك، ينبغي للدول أن تعتمد تدابير موجهة تحافظ على الحيز المالي، وتسمح بارتفاع أسعار الطاقة لتخفيض الطلب عليها، وتتجنب التنشيط المفرط للاقتصاد. وللسياسات على جانب العرض دور كذلك. فيمكنها أن تساعد على التخلص من القيود الرئيسة على النمو، وتحسين الصلابة، وتخفيف ضغوط الأسعار، وتعزيز التحول الأخضر. ومن شأنها المساعدة على تخفيف خسائر الناتج المتراكمة منذ بداية الجائحة، خاصة في الاقتصادات الصاعدة ومنخفضة الدخل. وأخيرا، فإن قوى التشرذم الجغرافي ــ الاقتصادي آخذة في التزايد. ويجب علينا أن ندعم التعاون متعدد الأطراف، ولا سيما في المجالات الأساسية ذات الاهتمام المشترك، مثل التجارة الدولية، وتوسع شبكة الأمان المالي العالمية، واستعدادات الصحة العامة، والتحول المناخي. ولم تزدد آفاق الاقتصاد العالمي سوءا هذه المرة. وتلك أنباء طيبة، وإن كانت غير كافية. فالسير على طريق العودة إلى التعافي الكامل، مع تحقيق النمو المستدام واستقرار الأسعار والتقدم للجميع، قد بدأ لتوه.
مشاركة :