التراث الثقافي شاهد على التاريخ وخلاصة الثقافة، وأفضل طريقة للمحافظة عليه وفقا للمفهوم التقليدي هي تجسيده وعرضه من خلال أساليب التكنولوجيا أو الإدارة، من أجل تمكين الناس من مشاهدته والإعجاب بحكمة أسلافهم والشعور بعمق التاريخ وروعة الفن. على الرغم من أن هذه الطريقة لا تزال وسيلة الناس لتعلم التاريخ وتقدير الفن القديم، فإنها لا تلبي متطلبات الناس في التجربة الثقافية في العصر الحاضر، ولا تلبي تطلعاتهم لدور التراث الثقافي في تعزيز التنمية الاجتماعية المعاصرة. ما يتطلع الناس إليه هو أن يندمج التراث الثقافي في الحياة المعاصرة ويصبح فاعلا في الحياة الواقعية وعاملا مساهما في تحسين البيئة المعيشية وتعزيز التنمية الاجتماعية المستدامة في العصر الحاضر. حماية محورها الإنسان ستتم مناقشة مشروع "محور بكين المركزي" في مؤتمر التراث العالمي في عام 2024، لإدراجه ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). "محور بكين المركزي" هو مجموعة من البنايات الواسعة النطاق تقع في المنطقة الوسطى من مدينة بكين القديمة، بطول إجمالي يبلغ 8ر7 كيلومترات من الشمال إلى الجنوب، ويغطي مساحة تزيد عن 600 هكتار، ويشمل البنايات التذكارية والبنايات الإمبراطورية القديمة والمعابد ومنشآت الإدارة الحضرية والبنايات العمومية والشوارع التجارية التقليدية في القرن العشرين والجسور، إلخ. من منظور قيمة التراث، يبرز "محور بكين المركزي" نظام الدولة ونظام العاصمة التقليدي للصين وما وراء هذه الأنظمة من العلاقة بين الإنسان والطبيعة والفلسفة التقليدية والوعي الجمالي وأساليب التخطيط الحضري. تراث عظيم مثل هذا ليس أثرا تاريخيا مهما فحسب، وإنما أيضا ناقل للحياة الاجتماعية المعاصرة في بكين. منذ عام 2017، أثارت بكين انتباه المجتمع والمحليين إلى تاريخ بكين وثقافتها من خلال جهود المحافظة على "محور بكين المركزي"، وجذبت السكان للمشاركة في تفسير قيمة التراث وتوارث التراث الثقافي غير المادي المعني، وجعلت المزيد من الناس يهتمون بالمناقشة حول وسائل المحافظة على التراث والمشاركة فيها. لذلك أصبح "محور بكين المركزي" موضوعا ساخنا يثير اهتمام أبناء بكين. في أواخر ثمانينات القرن العشرين، تحدث فيديريكو مايور زاراجوسا، المدير العام الأسبق لمنظمة اليونسكو عن "البعد الثقافي للتنمية" في مشروع "العقد العالمي للتنمية الثقافية العالمية". اليوم، أصبحت أهمية هذا البعد الثقافي بالنسبة إلى التنمية الاجتماعية محسوسة بشكل أوضح. في الإستراتيجية المتوسطة الأجل للفترة 2014- 2021، أكدت منظمة اليونسكو على دور التراث وأهميته في تعزيز الاستقرار والسلام الاجتماعي والتعافي من حالات الأزمات وإستراتيجيات التنمية. في عام 2007، أدرجت لجنة التراث العالمي المحتويات المرتبطة بالتجمعات السكنية في "الإستراتيجية الدولية" للتراث العالمي، واعتبرت أن أهمية مشاركة التجمعات السكنية لا تكمن في حماية التراث فحسب، وإنما أيضا في تحقيق الهدف الأساسي لإعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية المتمثل في إنهاء الفقر المدقع وتعزيز التنمية المستدامة. ويبرز هذا المفهوم باستمرار في تحديد التراث العالمي وحمايته وإدارته. في الوقت الراهن، تم قبول "مقاربة الحماية المتمحورة حول الإنسان" لحماية التراث على نطاق واسع، وأصبح "النهج القائم على التجمعات السكنية" لحماية التراث موضوعا مهما يثير اهتمام الناس. أكدت الصين في ((قواعد المحافظة على الآثار الثقافية والمعالم التاريخية في الصين (المنقحة في عام 2015))) على القيم الثقافية والاجتماعية للآثار الثقافية والمعالم التاريخية، وأهمية المشاركة الاجتماعية، كما أكدت على أن جوهر المحافظة على الآثار الثقافية والمعالم التاريخية هو توارث التقاليد الثقافية. وتتجسد هذه المفاهيم في جهود المحافظة على "محور بكين المركزي". تحفيز الشباب للمشاركة إشراك الشباب من خلال نشر قيم التراث جانب مهم لحماية التراث، وهذا يساعد على تحويل المحتويات التاريخية والثقافية في التراث إلى أفكار إبداعية ثقافية معاصرة، وتعزيز التوارث المستمر للثقافة القائمة على التاريخ الطويل. وحاليا، يجري دمج "محور بكين المركزي" في مجموعة متنوعة من المناهج والأنشطة خارج المنهج للمدارس الابتدائية والثانوية في بكين، ولا سيما المدارس المحيطة بالمحور المركزي. مثلا، مدرسة يويتساي التي تقع في منطقة التراث لـ"محور بكين المركزي" والتي تجاور معبد شياننونغتان (معبد إله الزراعة)، تتخذ الثقافة الزراعية التقليدية الصينية التي يعبر عنها المعبد كمادة دراسية، وتنظم مدرسة دنغشيكو الابتدائية والمدرسة التجريبية للغات الأجنبية التلاميذ لوصف "محور بكين المركزي" من خلال الرسم والكتابة، وصور تلاميذ مدرسة هيتشيما الابتدائية مقطع فيديو قصيرا يشرح "محور بكين المركزي". تظهر هذه الأنشطة الاهتمام والاعتزاز القوي لدى الأطفال من مختلف الأعمار بهذا التراث التاريخي والثقافي في بيئتهم. كموضوع ساخن في بكين، حظي محور بكين المركزي باهتمام كبير من وسائل الإعلام. وأصبحت العروض المتنوعة من قبل الإعلام التلفزيوني حول "محور بكين المركزي" شكلا جديدا من أشكال نشر التراث بالفنون المتنوعة التي يحبها الناس، خاصة الشباب، وقد حققت تلك العروض نسبة مشاهدة عالية خلال فترة البث. أقامت مؤسسات اجتماعية مختلفة عددا كبيرا من المعارض حول "محور بكين المركزي" من زوايا متنوعة، وجذبت المعارض كثيرا من الناس للمشاركة فيها. وفي مسابقة الإبداع الثقافي لـ"محور بكين المركزي" التي نظمتها بلدية بكين في عام 2021، تم جمع ما يقرب من خمسة وثلاثين ألف عمل فني في ثلاثة أشهر فقط. قبل دورة بكين للألعاب الأولمبية الشتوية 2022، أنتجت اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية خصيصا شارات تذكارية للعد التنازلي لافتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية بناء على العناصر التراثية لـ"محور بكين المركزي"، وحظيت هذه السلسلة من الشارات التذكارية بترحيب حار في السوق. إدامة الوظائف التقليدية تمثل حماية الوظائف التقليدية وإدامتها ركنا مهما في عملية المحافظة على تراث "محور بكين المركزي". يجسد "محور بكين المركزي" طريقة التخطيط "البلاط الإمبراطوري في المقدمة والسوق في الخلف" في مفهوم التخطيط التقليدي للعاصمة بالصين. يمثل شارع ديآنمن العريض جزءا رئيسيا من "السوق الخلفية" ولا يزال محتفظا بوظيفته التجارية المزدهرة منذ القرن الثالث عشر. وخلال أعمال حماية الشارع وتحسين بيئته، أخذ بعين الاعتبار آراء التجار فتم رفع كفاءة بيئة الأعمال للتجار أثناء تحسين البيئة التراثية. من خلال ذلك، يمكن إدامة الوظيفة التجارية لهذا الشارع. تربية الحمام الزاجل جزء من الحياة التقليدية في بكين. "محور بكين المركزي" كان المنطقة الرئيسية لمدينة بكين القديمة، وما زال السكان المحليون مخلصين لتقليد تربية الحمام الزاجل. غير أن أخنان الحمام كانت تسبب تلوثا بيئيا، وأحدثت فوضى في شكل الشوارع أيضا. أثناء أعمال تحسين البيئة، وبعد استشارة السكان، صمم المخططون أخنانا جديدة للحمام، مما ساهم في استمرار النمط التقليدي للحياة في بكين، وفي نفس الوقت حسّن بيئة الحي السكني بشكل فعال. وقد أسفر الترويج الاجتماعي والمشاركة الاجتماعية في ترشيح "محور بكين المركزي" للتراث العالمي عن فوائد غير مباشرة ضخمة. أصبح الموضوع الذي أثاره ترشيح "محور بكين المركزي" للانضمام إلى قائمة التراث العالمي نقطة اجتماعية ساخنة في مدينة بكين الكبيرة، مما حفز حماسة المحليين للمشاركة. إن مشاركة السكان والتجار في حماية التراث وإصلاح البيئة، إضافة إلى الاهتمام بالعناصر الثقافية التقليدية وإجراء أنشطة الإبداع الثقافي المعنية التي أثارتها المشاركة المذكورة، كل ذلك يعطي قوة دافعة للتنمية المستدامة في هذه المدينة. إن التراث التاريخي والثقافي لـ"محور بكين المركزي" والحياة المعاصرة يسردان بشكل مشترك قصة حية عن بكين. -- ليوي تشو، مدير مركز التراث الوطني بجامعة تشينغهوا.
مشاركة :