في نهاية نوفمبر عام 2022، أعلن مكتب بكين للتراث الثقافي عن خريطة بانورامية لمحور بكين المركزي، تتضمن منطقة تراثية تغطي جميع العناصر التراثية الخمسة عشر للمحور المركزي لبكين بمساحة إجمالية تبلغ حوالي 9ر5 كيلومترات مربعة، ومنطقة عازلة تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 4ر45 كيلومترا مربعا وترتبط ارتباطا وثيقا بنشأة وتطور المحور المركزي. في السابع من أغسطس 2022، أعلنت مصلحة الدولة الصينية للآثار عن توصيتها بترشيح "المحور المركزي لبكين" ضمن مشروع الطلب الصيني للتراث الثقافي العالمي في عام 2024، ومن المتوقع أن يتم تقديم الطلب بعد الأول من فبراير 2023 إلى مركز التراث العالمي التابع لليونسكو. لقد قال الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ: "تحمل الآثار التاريخية والتراث الثقافي جينات ودماء الأمة الصينية، وهي موارد الحضارة الصينية الممتازة غير المتجددة والتي لا يمكن الاستغناء عنها." وأضاف أن "الثقافة التاريخية روح المدينة، فيجب حماية التراث التاريخي والثقافي للمدينة بقدر ما نعتز بحياتنا"، و"طلب إدراج المحور المركزي ضمن التراث الثقافي العالمي هو حدث كبير"، و"أخذ حماية المحور المركزي كنقطة انطلاق، لدفع إخلاء البنايات التاريخية والأثرية الرئيسية، وتعزيز حماية الآثار الثقافية وتحسين البيئة المحيطة". المحور المركزي الفخم والمنظم يبدأ المحور المركزي لبكين، الذي يبلغ طوله 8ر7 كيلومترات، من برج الجرس والطبل شمالا، ويمر بجسر واننينغ وجبل جينغشان والقصر الإمبراطوري وبوابة دوانمن وبوابة تيانآنمن وجسر جينشوي الخارجي وميدان تيانآنمن ومجمع بناياته وبوابة تشنغيانغمن وأطلال الطرق في القسم الجنوبي للمحور المركزي، وصولا إلى بوابة يونغدينغمن جنوبا. وينتصب على جانبي المحور معبد أسلاف الإمبراطور ومعبد إله الأرض والحبوب ومعبد السماء ومعبد إله الزراعة وغيرها بشكل متناظر. هذه البنايات والأطلال الأثرية التي يبلغ عددها خمسة عشر هي عناصر تراث المحور المركزي. يمر المحور المركزي بمدينة بكين القديمة، طوليا، حيث توجد أهم البنايات التذكارية ومواقع الطقوس والمعالم الأثرية في تاريخ الصين منذ القرن الثالث عشر، مما يبرز الخصائص المادية الممثلة للحضارة الصينية. تخطيط المحور المركزي كبير ورائع، ويكمن فيه التباين والتغيرات في النظام المتناغم والموحد. توزع البنايات على جانبي المحور المركزي بشكل متناظر، والتدرج الهرمي واضح، والارتفاع يتغير صعودا وهبوطا، والبنايات متباعدة بشكل جيد. من خلال التخطيط الحضري التقليدي الصيني وتقنيات التصميم المعماري، يُظهر المحور المركزي لبكين هيكلا مجسما متكاملا رائعا ومنظما، ويخلق تجربة مكانية غنية بالتغيرات الإيقاعية وتكامل الآداب والموسيقى، مما يعكس الذوق الجمالي الفريد والدلالة العميقة للثقافة الصينية، والتعبير عن نظام الطقوس في التخطيط التقليدي للعاصمة الصينية. "الحياد والعدالة والانسجام والتعاون".. جوهر الحضارة الصينية مر نشوء وتطور المحور المركزي للعواصم القديمة في الصين بمسيرة طويلة. إن نمط تخطيطه هو نتاج تطور وظيفة وشكل العواصم إلى مرحلة معينة. في فترة أسرة تشين (221- 207 ق.م) وهي أول أسرة موحدة في تاريخ الصين، وفي فترة أسرتي وي وجين (220- 420)، تشكّل أسلوب تخطيط العاصمة الذي يتكون من مجمع بنايات القصر والمدينة الإمبراطورية والمدينة الخارجية ونواتها مجمع بنايات القصر، وفي ذلك العصر تشكل أيضا أسلوب تخطيط المحور المركزي للعواصم القديمة. المحور المركزي لبكين مثال بارز على تطور المحور المركزي للعاصمة الصينية التقليدية إلى مرحلة ناضجة، حيث يجمع بين بناء وتطوير المحور المركزي لمدينة دادو عاصمة أسرة يوان والمحور المركزي لبكين في أسرتي مينغ وتشينغ وبناء وتطوير بكين الحديثة. يتميز المحور المركزي لبكين بتركيبة وظيفية معقدة، حيث يربط الطريق الرئيسي بين القصر الإمبراطوري ومعابد الطقوس والقرابين والمراسم، ومرافق إدارة المدينة مثل بوابات المدينة وبرج الجرس والطبل، والأسواق والشوارع التجارية التي تخدم الحياة اليومية للسكان. والمحور المركزي لبكين هو المحور المركزي الوحيد في الصين الذي تمت المحافظة عليه كاملا من حيث الشكل المعماري، ويتسم بالنطاق الواسع والتسلسل المكاني المتدرج والترتيب المحكم والمنظم للمناظر، فهو يوضح القيمة الجمالية الفريدة لبناء العواصم القديمة في الصين، واستمر تأثيره على تطور المدينة، وهو دليل على الحيوية الدائمة لمفاهيم التخطيط العمراني الصينية التقليدية. يجسد المحور المركزي لبكين مفهوم القيمة والسعي المتمثل في "الحياد والعدالة والانسجام والتعاون" لثقافة وحضارة الصين، كما يمثل مساهمة الحضارة الصينية في الحضارة البشرية. إن الأفكار الفلسفية التي تشتمل على حكمة الأسلاف، ومنها "احترام الوسطية" و"الدمج بين الطقوس والموسيقى" و"التناغم بين الإنسان والطبيعة"، تتجسد في المحور المركزي لبكين. وتعكس مواقع التراث الثقافي "المتناظرة" على طول المحور المركزي لبكين المفاهيم الجمالية والأيديولوجية المتمثلة في "الحياد والعدالة والانسجام والتعاون" للأمة الصينية. كان معبد أسلاف الإمبراطور ومعبد إله الأرض والحبوب والمعبد السماوي ومعبد إله الزراعة على المحور المركزي، أهم الأماكن لأنشطة تقديم القرابين على المستوى الوطني في المجتمع الصيني القديم، في وقت كان تقديم القرابين شأنا وطنيا مهما في التاريخ الصيني. لقد أسست هذه المعابد الأربعة مع البنايات الأخرى على المحور المركزي منظومة إيمانية شاملة ومتنوعة للحضارة الصينية التقليدية. تمتد مجموعة من البنايات بوسط المدينة في بكين القديمة، عبر المناطق ذات الوظائف المعقدة، حيث تعرض حياة الأباطرة في مجمع القصر، وحياة الأمراء والبيروقراطيين في المدينة الداخلية، وحياة السكان العاديين في المدينة الخارجية، والتي شكلت الداعم المادي الأكثر اكتمالا للحياة الاجتماعية الصينية التقليدية. وينعكس هذا التعبير عن الحياة التقليدية أيضا في التراث الثقافي غير المادي الغني المرتبط بالبنايات الواقعة على امتداد المحور المركزي لبكين. تطور المحور المركزي لبكين تزامن التطور التاريخي للمحور المركزي لبكين مع التطور الحضري لبكين منذ فترة أسرة يوان (1267- 1368). بدأ بناؤه في عام 1267 لأسرة يوان، وتم تشكيله واكتماله في فترة أسرتي مينغ (1368- 1644) وتشينغ (1616- 1911) والعصر الحديث والمعاصر. لقد مضى أكثر من سبعة قرون على إنشاء مجمع البنايات الحضري التاريخي العظيم والمنظم الذي نراه اليوم، والذي يعد تجسيدا كاملا للمناظر الحضرية التاريخية الفريدة لبكين القديمة. بدأ المحور المركزي لبكين ببناء مدينة دادو عاصمة أسرة يوان، التي بُنيت على أساس نظام مياه بحيرة شيتشاهاي الحالية، واتخذت الضفة الشرقية لبحيرة جيشويتان (بحيرة شيتشاهاي حاليا) كقاعدة المدينة، حيث أنشئت منصة مركزية، يمتد منها إلى الجنوب المحور المركزي الذي استند إليه تخطيط المدينة بأكملها. بدأ بناء مدينة دادو ببناء القصر الإمبراطوري على المحور المركزي أولا، واتخذت المنصة المركزية كنواة لتعيين الحدود الأربعة للمدينة وبناء هيكل سور المدينة. بعد ذلك حُددت مواقع المعابد والدور الحكومية، وبُني معبد أسلاف الإمبراطور ومعبد إله الأرض والحبوب بشكل متناظر على الجانبين الشرقي والغربي للمحور المركزي. بعد تحديد المنطقة السكنية، تم تشكيل نمط منتظم يشبه رقعة الشطرنج من الشوارع والأزقة. تعد طريقة تخطيط مدينة دادو، التي حددت أولا قاعدة تخطيط المدينة ثم مدينة القصر وجدران المدينة والشوارع عملا رائدا في بناء العواصم الصينية المتعاقبة. في المرحلة الأولى من البناء، كان طول المحور المركزي لبكين حوالي 75ر3 كيلومترات، ويمتد من المنصة المركزية شمالا، عبر جسر واننينغ والمرعى الإمبراطوري ومجمع بنايات القصر والمدينة الإمبراطورية، إلى بوابة ليتشنغ جنوبا. من هنا تم تحديد الموقع والشكل الأساسي للمحور المركزي لبكين، وأصبح مركزا لتوجيه تخطيط وبناء النمط الحضري لبكين. خلال عهد الإمبراطور يونغ له (1403- 1424) في لأسرة مينغ، بنيت مدينة بكين الداخلية لأسرة مينغ على أساس المحور المركزي لمدينة دادو، حيث حافظت على الأسوار الخارجية الشرقية والغربية لمدينة دادو، مع نقل الأسوار الجنوبية والشمالية نحو الجنوب، وما زالت بوابات المدينة متناظرة على المحور المركزي. إن جميع المواقع التراثية المهمة على المحور المركزي لبكين، والتي ما زالت موجودة حتى اليوم، تشكلت خلال هذه الفترة التي شهدت امتداد المحور المركزي بنحو كيلومتر، ليبدأ طرفه الشمالي من برج الجرس الذي بني في عهد الإمبراطور يونغ له لأسرة مينغ، ويصل طرفه الجنوبي إلى بوابة ليتشنغ (بوابة تشنغيانغ حاليا)، البوابة الجنوبية للمدينة الداخلية. خلال عهد الإمبراطور جيا جينغ لأسرة مينغ (1553- 1564)، بنيت مدينة خارجية في جنوب المدينة الداخلية لتعزيز الدفاعات العسكرية في بكين. احتفظت الشوارع والأزقة في الطرف الشمالي للمدينة الداخلية بالتخطيط المنظم من فترة أسرة يوان، بينما كانت الشوارع والأزقة في الجزء الجنوبي من المحور الواقع في المدينة الخارجية هي في الغالب شوارع متعرجة وضيقة تتشكل بشكل طبيعي وفقا للبيئة الجغرافية، باستثناء الطرق الواسعة والمستقيمة في الوسط. إلى هنا، امتد الطرف الجنوبي للمحور المركزي لبكين من بوابة ليتشنغ (البوابة الجنوبية للمدينة الداخلية) إلى بوابة يونغدينغمن (البوابة الجنوبية للمدينة الخارجية)، بطول 8ر7 كيلومترات. توارثت أسرة تشينغ (1644- 1901) التخطيط المكاني الكلي للمحور المركزي لبكين. خلال عهد الإمبراطور تشيان لونغ لأسرة تشينغ، نُقل مجمع قصور شوهوانغ من الزاوية الشمالية الشرقية لجبل جينغشان إلى المحور المركزي، كما بنيت خمسة جواسق على المحور المركزي، مما عزز النمط المتناظر للمحور المركزي. في عام 1914، تم فتح معبد إله الأرض والحبوب للجمهور كحديقة مركزية، وبدأت عملية التحول العام للمحور المركزي لبكين. خضعت البنايات الإمبراطورية على المحور المركزي والجانبين للعديد من التعديلات في الوظيفة والتخطيط، حتى تحولت مواقع الطقوس الأصلية التي خدمت السلطة الإمبراطورية تدريجيا إلى أماكن مفتوحة للجمهور. في السنوات الأخيرة، شهد النمط التاريخي الكلي للمحور المركزي لبكين مزيدا من الحماية والتطوير من خلال سلسلة من أعمال التخطيط الحضري على مستويات مختلفة، بما في ذلك التخطيط الحضري العام والتخطيط التفصيلي للمناطق الأساسية وتخطيط الحماية الخاص. المحور المركزي لبكين هو جوهر العاصمة القديمة للصين وعاصمة الصين الحديثة، ويرتبط اختيار موقعه وبنائه بالجبال في غرب وشمال بكين ونظام الأنهار والبحيرات التي تمر عبر بكين من الغرب إلى الشرق. لذلك، تشكل التكامل المتناغم بين الثقافة والطبيعة، والتراث المادي والتراث الثقافي غير المادي، والآثار التاريخية والحياة المعاصرة. المحور المركزي لبكين له قيمة عالمية بارزة، سواء كحامل فريد للحضارة الصينية أو كمثال بارز لمجمع البنايات الأساسية للعواصم التقليدية في الحضارة الشرقية، في التخطيط الحضري والهندسة المعمارية وتصميم المناظر.