قصيدة النثر تجاوزت المماحكات النقدية

  • 1/28/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

منذ نشأت قصيدة النثر في السعودية حتى توهجها في تسعينيات القرن الماضي، لم تظهر على أغلفة المجموعات "قصائد نثر" كما في كتب القصة القصيرة والقصص القصيرة جداً والرواية، كما ايضاً في تصنيف المسرحيات القصيرة منها والطويلة، بخلاف ما يوجد على أغلفة الأعمال الشعرية في عدد من الدول العربية. هل هذا التردد في وضعها على أغلفة الكتب هو حضورها المتردد على استحياء تحت عنوان نصوص شعرية أو شعر؟ أم أنها بخلاف القصص تندرج تحت الاسم الأكبر "شعر" لتشرعن وجودها؟. فمن جهته أوضح د. سعد البازعي أن قصيدة النثر لم تقدم نفسها في الدواوين تحت اسم قصيدة نثر، لكن هل الأشكال الأخرى للقصيدة، العمودية أو التفعيلة، قدمت أو تقدم نفسها من خلال الشكل الذي تنتمي إليه؟ وقال البازعي إنه لا يذكر أنه قرأ ديواناً من الشعر العمودي أو التفعيلة ظهر على غلافه "شعر عمودي" أو "شعر تفعيلة"، فقصيدة النثر ليست بدعاً في ذلك. وأضاف أن شعراء النثر واجهوا ولا يزالون الانتقاد والرفض، ولربما كان وصف القصائد بنصوص فيه تلافٍ لذلك النقد، لكن ذلك الوصف يظل دقيقاً فهي نصوص بالفعل، لكنها في ذلك مثل بقية الأنواع الأدبية، فكلها نصوص. وقال البازعي إنه لا يظن أن السبب هو البحث عن الشرعية، فقصيدة النثر لم تعد بحاجة إلى اعتراف من لا يراها شعراً لأن أولئك قلة وغير مؤثرة في المشهد الأدبي العربي والعالمي. وذكر أن قصيدة النثر اليوم هي شكل شعري واسع الانتشار مؤكداً أنه لا يشك في أن أفضل ما لدينا من شعر يكتب اليوم من خلال ذلك الشكل، ذلك أن المهم ليس النوع نفسه، وهل هو مشروع أم غير مشروع؟. د. البازعي: من لا يراها شعراً قلة غير مؤثرة في المشهد الأدبي المهم هو ما ينتج من خلاله من أدب، ومن يقرأ بتمعن ووعي شعراء مثل إبراهيم الحسين، وأحمد الملا، ومحمد الدميني، وعلي العمري، وهاشم الجحدلي، على سبيل التمثيل فقط، سيدرك أن نصوصهم الشعرية من أهم ما لدينا من نتاج شعري. وأما الشاعر محمد عابس قال لابد من الإشارة إلى أن صراع الأجناس الأدبية ليس جديدا، فالمقامة والموشح تعرضا لانتقادات وتهميش ومصادرة قديما، وفي العصر الحديث وجدت قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر حربا واسعة من قبل رافضيها والأمر نفسه انتقل في التعاطي مع قصيدة النثر فمنهم من لا يعتبرها شعرا ومنهم من يعترض على الاسم وآخرون يسمونها "نثيرة" ونحو ذلك ومنهم من يعدها شعرا من دون استخدام مصطلح "قصيدة نثر". أما الدواوين الصادرة لشعراء قصيدة النثر فيتم تصنيفها شعراً ويكتب عليها "شعر" كغيرها من دواوين التفعيلة والقصيدة البيتية التناظرية، ومنهم من يكتب "نصوص" أو "كتابة" ولا أعتقد أن هناك نظرة استحياء او نحو ذلك، أما الرواية والقصة والقصة القصيرة والقصيرة جدا فهي تختلف لانها أشكال مختلفة من حيث النوع عكس قصيدة التفعيلة والنثر والبيتية لأنها تندرج تحت جنس الشعر. طبعا بعض كتاب قصيدة النثر أساؤوا لها لأنهم لا يجيدون كتابتها وبعضهم استسهلوا كتابتها من دون إلمام بتاريخ الكتابة الشعرية، ولكنني أرى في الختام أن الأهم هو الشعر والشعرية ومدى تحققها في النص ليكون شعرا بأي شكل كان. وذكر الشاعر محمد السعدي أنه يشكّ أن الاعتراف بقصيدة النثر لا يزال مشوّشّاً والرؤية النقديّة تجاهها أضعف ممّا يجب، لكن هذا ليس عليه أن يدفع بالشعراء للركون إلى المواربة، والبعد عن تسمية الشيء بمسمّاه، بل خوض التجربة الشعريّة والثقة بها، حيث التجربة اليوم لم تعد كما هي في التسعينيّات وما قبلها، بل عليها أن تكون أكثر انفتاحاً وتشضّياً، وأكثر من كونها محاولة تغيير شكلي. من جهة أخرى السؤال الملحّ هو السؤال النقدي، و دوره في التأثير على التجربة؟ ومن جهته كشف الشاعر زكي صدير أنه منذ نصه المطبوع الأول وهو غير مؤمن بتصنيف القالب الشعري تحت تشظيه الثابت على عدّة مستويات بين العمودي والتفعيلة والنثر، فكان - مثلاً - يبدأ كتابته بالتفعيلة لأجد نفسه منتهياً بالنثر أو حتى العامية، بعد أن يشيد منطقة من النص بالعمودي. هذا الفعل الكتابي التجريبي كان يستهدف القفز على الهندسة الشعرية المعمارية الجاهزة للنص تحت مناخ فني واحد. لهذا كان من الصعب تصنيف ما يكتبه إلا بعنوان "نصوص"، تاركاً للقارئ أن يصنّفه فيما بعد كيما أراد، وذكر الصدير أنه شعر لاحقاً أن الغلاف الخارجي - الذي هو عتبة تأويلية للمجموعة - عليه ألا يصنّف إلا تحت عنوانه العام المدرج من قِبَل دار النشر نفسها... "شعر". وقال إنه لا يعتقد أن غياب التصنيف يعود لتردد قصيدة النثر أو استحيائها، فهي تجاوزت هذه المرحلة، وقفزت على المحاكمات النقدية، واستطاعت من وقت مبكر أن تقدم نفسها ضمن تجارب ناضجة ومتماسكة، أضف إلى ذلك المواكبة النقدية التي أصبحت واضحة المعالم بسبب حضور جيل من النقاد ساهموا عبر كتاباتهم ومطالعاتهم في ترسيخها الجماهيري. وأخلص حديثه أن هنالك صراعا حقيقي بين سدنة مدرستين شعريتين كبيرتين، مدرسة هرمة، وأخرى يافعة، لكن هذا الصراع واهن وغير حقيقي حتى على مستوى التصنيف الخارجي لكتبهم. وأما الشاعر محمد خضر قال لو بحثنا قليلاً عبر استفتاء لوجدنا أن كثيراً من التجارب التي كتبت قصيدة النثر لديها إشكالية مع المسمى يدعمه رغبتهم في كتابة شعر متخلص من النمطي وخارج عن السياقات المألوفة، وذكر بأنه يعتقد أن كتابة النوع الأدبي أو التصنيف الأدبي على غلاف المجموعات الشعرية في قصيدة النثر كواحدة من عتبات النص لم يشغل أصحاب هذه التجربة منذ البدء، لكن ذلك لم يكن له علاقة في حضورها في المشهد أو عدمه والدليل استمرارية عدم كتابة ذلك حتى بعد أن أصبحت هذه القصيدة ذات شأن وامتداد واسع في المشهد الإبداعي عربياً. لا بأس من كتابتها، لكني أعتقد أن قصيدة النثر فن مستقل ومتحرر من الصياغات الجاهزة وبالتالي هو أفق وفضاء منفتح خارج محاولات تقنينهِ بشكل صارم من ناحية ولا يزال كتابها في تساؤلات حول تسميتها هذه من ناحية أخرى. وفي حين أطلق بعض الدارسين أسماء مستعجلة وغير عميقة كاسم "نثيرة، ومنثورة" جعل الأمر ينم دائماً عن عدم استيعاب هذه القصيدة وتساؤلاتها وأفقها. مشكلة الدارسين والأكاديميين منهم والقادمين من مستويات متعددة ومتباينة من المدرسة الشعرية والنقدية يغرمون في تصنيف الأشياء وحجتهم في ذلك قائمة على مبدأ علمي بحت أو أكاديمي. في حين يرى الشاعر أفقاً مختلفاً متجاوزاً نحو انصهار الأشكال وامتزاجها والرغبة في القطيعة الواعية وتقديم هذا اللون أو الشكل الشعري بعيداً عن صراعات التصنيف.

مشاركة :