الشيعة العرب واستعادة المرجعية من إيران

  • 1/28/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

من المعلوم أن أصل المرجعية الشيعية وأساسها العراق، بغداد أولا ثم النجف، وقد استمر ذلك لقرون. أما قم فلم تظهر كمدينة دينية إلا في الربع الأول من القرن العشرين، ولم تبرز كمرجعية للشيعة إلا بعد الثورة الإيرانية عندما استولى الملالي على السلطة في إيران. بعبارة أخرى، على مر التاريخ كان العرب هم قادة المذهب الشيعي ومرجعيته وليس الفرس. بعد الثورة الإيرانية عملت إيران على استراتيجية تروج لزعامة الشيعة في العالم واحتضانهم وبخاصة في محيطها الجغرافي ونصبت نفسها مدافعا عنهم إلى درجة وضع مادة في الدستور الإيراني تنص على الدفاع على ما تطلق عليه طهران مصطلح "المستضعفين" وهي كلمة ترادف الشيعة والتشيع ولكن مع بعض مساحيق التجميل. لقد سعت إيران عبر ما يسمى بنظرية أم القرى إلى جعل قم عاصمة للعالم الإسلامي بدلا من مكة، الواقع يقول إنها فشلت في ذلك فشلا ذريعا، لذا فقد عملت على خط متواز بجعل مدينة قم عاصمة للمذهب الشيعي بدلا من النجف، وعملت على استقطاب بعض رجال الدين الشيعة العرب، ودعمت بقوة الحوزات العلمية التي تدرّس باللغة العربية في هذه المدينة الصغيرة، وقدمت المنح الدراسية لشباب الشيعة، حيث يتم تجنيد كثيرين منهم في إيران ليعودوا ويصبحوا خلايا إيران في المنطقة العربية، وبهذه الطريقة يتم تصدير أيديولوجيا ولاية الفقيه وأدبياتها ذات الصبغة الفارسية المتطرفة إلى المجتمعات الشيعية في الوطن العربي. لكن هدف إيران الرئيس لن يتحقق بالتركيز على قم وإبرازها فقط، بل إن الواقع يقول إن إيران وصلت إلى قناعة بأن هذا الهدف لن يحقق مبتغاها إلا من خلال تهميش المرجعية الشيعية العربية العروبية في المنطقة وإضعافها في الوقت ذاته، فعمدت إلى استخدام سلاح الترغيب والترهيب، الاغتيال والشيطنة وتلفيق التهم، والتحذير من بعض الشخصيات الشيعية المدركة جيدا للمشروع الإيراني الذي لا يهتم بالمذهب في حد ذاته بقدر اهتمامه بتهيئة كل الوسائل والسبل لإنجاح الهدف القومي والسياسي تجاه دول المنطقة، ‏ومن بين هذه الرموز الشيعية التي تم استهدافها أو تهميشها في العراق ولبنان، الحسني والوايلي والخوئي والصرخي والحسيني والأمين وغيرهم كثيرون. إن نقل المرجعية من العراق إلى إيران و"فرسنة المذهب" يعنيان أيضاً استيلاء طهران على أموال الخمس والنذورات ليتم استخدامها في دعم أجندتها السياسية والطائفية في المنطقة، حيث زرعت أذرعا عسكرية وميليشيات لها في كثير من الدول التي يوجد بها بعض الشيعة ليعملوا لحسابها ضد أبناء وطنهم وأرضهم وأرض أجدادهم. في هذا الصدد، هناك حاجة ماسّة لإصدار قرارات وتشريعات تجرم تصدير أموال الخمس والنذورات، ونحو ذلك إلى إيران أو خارج حدود أي دولة، بحيث يتم صرفها على الفقراء والمعوزين من أبناء المذهب في الداخل، حتى لا تعود تلك الأموال رصاصا وقنابل، كما أن الأقربين أولى بالمعروف. وبعد هذا كله نتساءل سويا هل يقع اللوم على إيران وحدها؟ بكل تجرد وحيادية، أرى أن ذلك ليس دقيقا، فقد أسهم بعضنا بشكل مباشر أو غير مباشر في رمي الشيعة في حضن إيران. عندما نجعل إيران والشيعة وجهان لعملة واحدة فهذا خطأ فادح. فليس كل الشيعة يقلدون الخامنئي أو يؤمنون بولاية الفقيه أو لديهم من التطرف المذهبي ما أقحمته إيران الصفوية في المذهب قبل ما يربو على خمسة قرون، وأعادت إيران ما بعد ثورة 1979 إحياءه وتكريسه والعمل على نشره. كنت ولا أزال أكرر أن إيران ليست الشيعة والشيعة ليسوا إيران. وبعبارة أخرى، ليست إيران شيعية خالصة 100 % بل إن السنة هناك يمثلون ما يربو على 25 % من المجتمع، كما أن هناك العديد من الملل والنحل والأديان المختلفة داخل جغرافية ما يسمى بإيران. أيضا، لا يفترض، عقلا ومنطقا، أن نعتبر جميع الشيعة تابعين لإيران، فهناك شيعة وطنيون ومخلصون لأوطانهم ويدركون الخطر الإيراني. نعم قد يكون كثيرون منهم لا يبرزون ذلك خشية بطش أتباع إيران بهم، أو مضايقتهم وإلصاق التهم بهم. لكن ذلك لا ينفي وجودهم، والواجب على الجميع تشجيع هذه الفئة والدفاع عنها وجعلها الأغلبية بين الشيعة في الأوطان العربية. إن إعادة الشيعة العرب المغرمين بإيران إلى الحضن العربي وإبعادهم عن إيران يتحقق من خلال عدة خطوات يقوم بها الشيعة العرب قبل غيرهم، كما أن إعادة المرجعية الشيعية إلى النجف بعد اختطافها ونقلها إلى قم الفارسية ضرورة قومية أيضا. فمن الأهمية بمكان أن يعمل الشيعة في دول الخليج العربي على إيجاد مرجعيات تقليد لهم في دولهم، يرتبطون بهم ويقدمون إليهم الخمس والنذورات، ويغلقون الباب الذي تتسرب من خلاله إيران إلى مجتمعاتهم ودولهم، ويتعظون من وضع الشيعة غير الفرس في إيران قبل غيرها، وكيف تُمارس طهران ضدهم أصناف العذاب والظلم والاضطهاد في الأحواز وأذربيجان وغيرهما. إن العرب والأذريين والأتراك في إيران لم يشفع لهم انتماؤهم المذهبي أمام السلطة الحاكمة في طهران فكيف سيكون موقف هذا النظام من الشيعة خارج حدوده؟ خلاصة القول أن الهدف الأكبر للنظام الإيراني من وراء مزاعم دعم الشيعة في المنطقة والدفاع عنهم لا يمكن إخراجه من سياق واحد وهو خدمة المشروع السياسي الإيراني تجاه المنطقة واستخدام الأقليات الشيعية لخدمة هذا المشروع ولا شيء غير ذلك، فهل يدرك من خدعته إيران هذه الحقيقة؟ والأهم هل يستعيد الشيعة العرب المذهب الشيعي ويحرروه من القبضة الفارسية؟ الإجابة لدى المعنيين بذلك!

مشاركة :