فاطمة عقيلي عندما نبحث عن الأمان العاطفي لا نجده إلا عند مَنْ وثقنا بهم، ومنحونا الثقة، ومَنْ شعرنا باحتوائهم لنا، أقرباء كانوا أم لا. الأمان العاطفي لا يمنحه إلا مَنْ «سَمَت نفسه»، وتعفَّف عن الإساءة إلى الآخرين، ولم تكن السخرية والتهكم يوماً منهجه، وشعر بتقصيره فاعتذر، وقمت بلومه يوماً ولم يبح لك عن ظرفه حتى لا يشغلك، أو يجعلك تعيش لحظة قلق وحزن لأجله. الأمان العاطفي نجده عند مَنْ استمعوا إلى آلامنا وهمومنا دون ملل، أو ضجر منا، وظلوا صامتين لم يشكوا همهم لنا حتى لا يزيدوا آهاتنا، بل بالعكس كانوا لنا عوناً وبلسماً، يُسَكِّن ما بنا، وبكلماتهم الحانية لامسوا مشاعرنا، ومدوا لنا يد العون، وفتحوا أمامنا أبواب الأمل بنصائحهم، وسمو أخلاقهم، ورقي عقولهم. كلما كان الشخص صافي النية، رقيق القلب، عفوي التعامل، «سمح المحيا»، كان مصدراً للسعادة، يستطيع منح الآخرين الأمان العاطفي. الأمان العاطفي هو عندما تنظر إلى الطرف الآخر، وتجد في نظراته بريقاً يعكس ما في داخله من حنان وعطف وفرحة بك، وقد تجد في تلك النظرات عتباً، أو لوماً من شخص منحك كثيراً، ولم تمنحه إلا قليلاً، ولكن مازلت عنده أغلى البشر، ومهما قصَّرت في حقه، تجده يلتمس لك ألف عذر وعذر حتى تكون معه، ويكون قريباً منك، حينها تشعر بالأمان العاطفي. الأمان العاطفي تجده في نبرات صوت الطرف الآخر، تجده في طريقة كلامه بانتقاء ألفاظ رقيقة، تلامس جوارحك، وتُشعرك بأنك شيء مهم في حياته، تجده حتى في صمته. الأمان العاطفي ترسله إلينا أرواح بَعُدت عنا مسافات طويلة، أو رحلت عنا إلى العالم الآخر، والبعد ليس في بُعد الجسد، وإنما في بُعد الروح، فكم من أجسادٍ اقتربت، وغابت أرواحهم، وتنافرت، فقرب الروح أبلغ من قرب الجسد. نجد أرواحهم ترفرف بالقرب منا، ونشعر بهم، ونَحِنُّ إليهم، فهم بمنزلة الشيء المحسوس، نحس بهم، وتتلاقى أرواحنا، وتتخاطب مع بعضها بلغات حانية رقراقة، وهذا أسمى وأرقى أنواع الأمان العاطفي. الأمان العاطفي هو تلك الطبيعة الكامنة في داخلنا، الطبيعة الخضراء الفاتنة في كل زواياها. الأمان العاطفي هو ذاك الشعور الذي لا توقفه رسميات، ولا ينتظر لتفتح له الأبواب. الأمان العاطفي هو حروف أبجدية روحية، تعيها كل اللغات. الأمان العاطفي حالة شعورية تكمن فينا، يغذيها الطرف الآخر لتنمو وتثمر. قليلة تلك القلوب التي تتقنه، وعندما نفتقده، ينعدم الشعور به، وقد نتوه في عالم غامض المعالم. الأمان العاطفي باختصار هو أرواح تتلاقى، فتتداخل دون حواجز، تسلك نوافذ أرواحنا فتنعشها كنسيم الفجر الممتلئ بجرعات التفاؤل.
مشاركة :