الشَّربينِهْ المُهَرْهِرة هَرْهَرَتْ (قصة حقيقية طازجة، بقلم: إيمان بقاعي)

  • 2/5/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بينما كنتُ وابنتي نشربُ قهوةَ الصَّبَاح في المطبخِ، اتَّصَلَت جارتُنا (ميشلين) التي يطلُّ مطبخُها على فسحةِ موقِفِ سياراتنا، وقالت بصَوْتٍ متهدِّج: – الحمدُ لله على سلامَتِكُم، “بالمال ولا بصحابو“! وأردفَتْ: – على كلِّ حال، ما تعتَلوا هَمّْ، تلفنْت للبلديِّة تجيب الجرَّافة وترفَع الشَّربينِهْ المْهَرِهْرَة يلي وقعِتْ بسببِ العاصِفَة على سيارتِكُم الكحليَّة تَ تشوفوا إذا فيكم تزيحوها. خرجْنا تحت المطرِ نرقبُ السّيارةَ التي غطَّتْها أغصانُ الشَّربينةِ التي يتجاوز طولُها سبعةَ أمتار. ثم اقتربْنا نمسِكُ قلوبنَا لنتفحصَ الأضرارَ بمجردِ أن غادَرَتْ جرّافةُ البلديّةِ. وعُدْنا فتراجَعنا نرقبُ المنظرَ من مسافةٍ أبعدَ. ولم أشأْ أن أعاقِبَ جذعَ الشَّربينةِ المُبْعَدِ ليلاصِقَ سورَ حديقةِ بيتِ الجيرانِ، بل أخفضْتُ صوتي، وقلتُ لجذعِها الذي ما زالَتْ بقاياهُ تحرس البوابةَ بعتاب: – طيبْ، هرّبْتُ السّيارةَ من يمين المدخَلِ الموحِلِ إليكِ، فإذا بي أتَّرنَّحُ “مِنْ تحت الدِّلْفْ لتحت المزراب”! وهدّأْنا أنفسَنَا، ورحْنَا نفكر، كعادتِنا أنا وابنتي وحفيدي، بطريقة إيجابيَّةٍ: – طيِّبْ، الطِّينُ أسهلُ، أم ضربةُ الشّربينَةِ؟ طرحْتُ سؤاليَ الفلسفيَّ العظيمَ على مائدةِ الحَدَثِ كما يحدثُ دائمًا. ولئلّا يُصابَ أحدُنا باكئابٍ، فيعدي الباقيَيْنِ، أجابَتْ ابنتي: – ضربةُ الشّربينَةِ أسهل! وبررَ حفيدي: – أسهلُ على “الهوندا سيفيك”، لأنَّها قوية، حديدُها قويٌّ، لونُها قويٌّ، والدَّليل أن الضَّربة لم تستطعْ أن تلصِقَ السَّقفَ بالأرضِ. وخبأ ابتسامةً خبيثةً يخبئها دائمًا كلما حاول إقناعي بتغيير السَّيارة ورفضتُ مدّعيةً أنها “دبَّابة”، وأن صديقتي (زاهو) قالَتْ لي مرةُ إنَّ ابنها، لو لم تكُنْ سيارتُه (هوندا سيفيك) عندما اصطدَمَتْ بالجدار الفاصلِ على الأتوستراد، لما نجا! وأردف حفيدي وهو يضرب بنعومةٍ على حديد بابِها الخلفيِّ المشمولِ بالضّربةِ: -عن جَدّْ، قويِّة كدبابةِ (التَّايغِرْ) التي كانَتْ من أقوى دبابات الحربِ العالميَّة الثَّانية. نهرتُه: – روحْ من هون! فتراجع ضاحكًا: – والله، هذه المرة “عَمْ إحكي جَدّْ. كتييييير حديدها قوي“! وتابَعْت ابنتي رافعةً كتفيها متابعَةً الإجابة عن السؤال الفلسفيّ ذاتِه: -على كل حال، لو غرزَتْ في الطِّينِ، ما كانتْ البلديَّة لِتُسارعَ، كما سارَعَتِ اليومَ وساعدَتنا في انتشالِها. ووافقَها ابنُها: -وكانَ علينا الانتظار حتى انتهاء العاصفة، وجفاف الطِّين، يعني سننتظر أسبوعًا! قالَتْ أمه: -على أقلِّ تقديرٍ! هززتُ رأسي مقتنِعَةً: – نعم، البلديَّة لا تسعفُ المغروزَ في الطِّين، بل… قال حفيدي: – بل المصفوعَ على رأسِهِ. ولكزَتْه أمُّهُ، فعدَّلَ الجملةَ: – حتى لو كانَ الصّافِعُ عجوزًا مُهَرهِرًا. وساندَتْه أمُّه: – الصّافِعُ المهرهِرُ أفضلُ من من الصَّافِعِ الشّابِّ. تصورا لو كانَتْ الشّربينةُ شابّةً، ووقعَتْ على رأسِ سيارةِ جدتي… أكملَ حفيدي بعد أن أطلقَ صفرةً طويلةً: – كانت هزِّتْ الضّيْعَة! وقلقْتُ وأنا أرقبُ أشْجارَ الشَّربين التي تسورُ الحديقةِ من الخارجِ، والتي سُحِبَتِ السّيارةُ لتكونَ قريبةً منها. وكدْتُ أتساءَلُ عن مدى أمانِها هي الأُخرى. وقبل أن أبثَّهما مخاوفي التي حاولا جاهِدَيْن ألا تتحولَ إلى (فوبيا)، قالَتْ ابنتي: – هذه الشّربينات خضراء، لا تقعُ! وصحح حفيدي كلمتها: – قصدُكِ: لا تَصْفَعُ! ومسحَ بقايا أورقِ الشّربينةِ العجوز عن سطح السَّيارة، ونظر إلي مُطَمْئِنًا: -شَغْلَتْها بسيطة! قالَتْ أمُّه: – حدَّاد الضَّيْعَة شاطر، يعيدها جديدة خلالَ يومينِ فقط. قال حفيدي: – بل ربما خلال يومٍ واحدٍ. سمعْتُ أن هناك مغناطيسًا يسحب السَّقف بربع ساعة. ودهشتُ: – متأكد؟ – لم تسمعي به من قبل؟ – لم تَصْفَعْ سيارتي شربينةٌ مهرهِرةٌ مِن قبلُ! وانتهى الاجتماعُ! دخلْنَا إلى الحديقة، وأغلقْنا وراءَنا البوابةَ. كانَ الهرُّ “الجِلِقّْ” (فانْ كوخْ) ينتظرُنا عند بوابة البيت، ويموء مواءً متواصلًا مطالِبًا، كعادته مذ وُلِدَ في حديقتِنا بالطَّعام. همسَ حفيدي: – أتصدِّقان؟ كنتُ خائفًا أن تكون الشَّربينةُ وقَعَت على (فان كوخ)، فطريقُهُ إلى البيت المهجورِ مِن هناك، ولكنني لم أشأْ أن أشغلَ بالَكُما. ولمعت عيناه بامتنانٍ: – لكنه بخير! وهمس: – لأول مرة أشعر أنني أحب (فانْ كوخْ)! نظرتْ أمُّه إليه ثم إلي: – قلتُ لكِ يا أمي إنَّه بدأ يحبُّ (فانْ كوخْ)، ولكنه لا يعترفُ، لأنه يخافُ أن نعتبَ عليهِ ونتهمه أنه استبدلَ حُبَّ الهرِّ الأسمر الوسيم (فرفور) الذي مات منذ سنتينِ بحبِّ هذا الأشقرِ المُحْمَرِّ. قلتُ: – لكنه اعترفَ الآنَ! وحاول التَّمَلُّص من تبعةِ اعترافِهِ: – يعني، أكيد كنت سأحزنُ لو ماتَ (فانْ كوخْ) بصفْعَة الشّربينةِ المُهَرهِرَة، خاصة وأنه صغير، وضعيف، وليس قويًا مثل (الهوندا) العظيمة. والتفتَ نحونَا مستفيدًا، كالعادة، من المناسبةِ: – ما رأيكُما أن نحتفلَ بنجاةِ السَّيارة و(فان كوخ) ونتروَّق كَعْكِةْ كْنافِهْ؟

مشاركة :