الأحياء العشوائية التي تشكل حيزا كبيرا لكثير من المدن، كان وما زال ساكنوها ينشدون التطوير، خاصة في ظل أزمة الإسكان القائمة الآن.. وفي جدة.. وبعد أن خبأ مشروع تطوير أحياء خزام، طرأت تساؤلات كثير من الملاك والساكنين في تلك الأحياء: لماذا لا يتم فسح البناء للأنقاض والمباني القديمة وفقا لشروط الأمانة، بدل أن يظل استثمار تلك المباني مرهونا بتأجيرها على الوافدين.. لاسيما المخالفين منهم لأنظمة الجوازات؟ في البدء تحدث محمد الصاعدي (أحد سكان حي السبيل) قائلا: أولا.. لا أدري إلى متى سيظل التضارب حول مسألة إعطاء المواطن تصريحا للبناء في الحي، فالبلدية تقول إن جميع التصاريح موقوفة باعتبار أن الحي مزال، وهذا ما يتردد منذ قرابة الثلاثين عاما، وفي الوقت نفسه تجد أن هناك بنايات سكنية أقيمت في الحي خلال السنوات العشر الماضية، وفي نفس الحي الذي يوصف بأنه عشوائي. وقال الصاعدي: الحقيقة أننا كنا في انتظار التطوير الذي وعدت به الأمانة أهالي الحي، لكنه اقتصر على توسعة بعض الشوارع، برغم أن هذه التوسعة تركت في الحي العديد من التشوهات حي تركت المنازل المهجورة والآيلة للسقوط دون ازالتها بالكلية. مضيفا: لِم لا تعطي الأمانة تصاريح البناء للأهالي، على أن تشترط البناء وفق المعايير التي تريد، فاستثمار هذه المساحات الشاسعة من العشوائيات وفي كثير من المدن، لاسيما مدينة جدة، سيسهم في حلحلة أزمة الإسكان.. وبجهود ذاتية من الأهالي، وسيكون دافعهم لذلك إما السكن أو الاستثمار، خاصة إذا ما توفر لهم التمويل الحكومي أو حتى التجاري. ومن جانبه تساءل سعد مفرح: لماذا ترفض الأمانة إعطاء تصاريح البناء لملاك العقارات في الأحياء العشوائية في ظل أزمة الإسكان التي يعانيها معظم المواطنين؟. وقال: أسعار العقار في ازدياد كل يوم، في حين أن ملاك تلك العقارات القابعة في الأحياء العشوائية لا يستطيعون العيش فيها بسبب تردي الخدمات وهو ما نسأل عنه البلدية.. كما نسأل عن إيقاف تصاريح البناء في تلك الأحياء. وأشار سعد إلى أن مساحة مشروع تطوير خزام والذي كان من المزمع تنفيده، تقدر بأكثر من 300 ألف متر مربع، وهي مساحة لو أعطي فيها المواطنون تصاريح للبناء وفق شروط محددة تقرها أمانة البلدية، لأسهم ذلك في حل جزء كبير من إشكالية الإسكان في مدينة جدة - على حد قوله. وأضاف: هذه الأحياء (العشوائية) التي كنا نسكنها، تكالبت عليها الأخطاء، وأصبح الإهمال عنوانا واضحا لها.. دون أن يكون هناك مسؤولون عن هذا الإهمال، فطفح المجاري أصبح من مسؤولية الأهالي، وضيق الشوارع كذلك، وضعف الإنارة.. وتفشي التسول والجريمة، ووجود المخالفين لأنظمة العمل والإقامة.. يزعم أنها من مسؤولية الأهالي، الذين نزح أكثرهم للأحياء الشمالية. ويشير أبو سامي إلى أن مشروعات التطوير لو تمت وفق ما كان مقررا لها، لتسببت في ارتفاع أسعار العقار، فضلا عن تفاقم مشكلة الإسكان.. وهذه وجهة نظر، أراها أمرا واقعا شهده سوق العقار في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة واللتين شهدتا ولا تزالان توسعات متتالية للمسجد الحرام والمسجد النبوي. وأضاف: لكن في المقابل ستجد أن الأحياء العشوائية لا تفتقر إلا لتوسعة الشوارع والارتقاء بالخدمات المقدمة كي تعود إليها الحياة من جديد، وهو أمر شهده كثير من أحياء مكة المكرمة، كما شهده حي بريمان في مدينة جدة بعد أن كان مرمى للسيارات التالفة. برنامج للتطوير وتعليقا على ذلك، أشار الرئيس السابق للجنة التطوير العقاري في غرفة جدة المهندس عبدالمنعم مراد، إلى أن مدينة جدة مثلا تتضمن 55 منطقة مصنفة على أنها عشوائية، وهي مناطق تفتقر إلى الخدمات. وقال: إن تصنيف المناطق العشوائية قد يختلف من منطقة إلى منطقة، ومن مدينة إلى أخرى، إلا أنه من المتفق عليه أن معظم العشوائيات ينحصر تأثيرها السلبي على المنطقة الحضرية وعلى المجتمع عموما.. وأضاف مراد تجد أن من خصائص المدن الإسبانية ضيق الشوارع بكثير من الأحياء، ومع ذلك لا نستطيع أن نسمي تلك الأحياء بالعشوائية، طالما ليس لها أي تأثير سلبي على المجتمع،.. بخلاف العشوائيات في مدننا التي يتركز تأثيرها السلبي أولا على الأمن الاجتماعي. وقال مراد: لذا يجب أن نتفق على أن العشوائيات تتطلب برنامجا تطويريا يتم تنفيذه على مراحل وفق خطة زمنية واضحة، وعلى أن المسؤولية تقع على عاتق الأمانات نحو تلك العشوائيات إلى جانب مسؤولية المواطن الذي أسهم في تطبيق أسلوب بناء تخطاه الزمن، فهذه الأحياء كانت مطورة بحسب المفاهيم السابقة، ولذا تأتي مشروعات التطوير الحالية التي تدعمها الدولة كإعادة للتطوير وبمفاهيم عصرية، ووفق إستراتيجية زمنية تمتد لعقود قادمة، وبإشراف الخبراء والمختصين. وبدوره وصف المثمن العقاري المعروف عبدالله الأحمري، الأحياء العشوائية بمثابة العبء على برامج التخطيط. وأردف قائلا: تلك الأحياء بحاجة إلى فتح للشوارع، كي تستطيع عربات الإسعاف والمطافئ والأمن الدخول لها لخدمة المواطن، كما أن تلك الأحياء بحاجة للتطوير لإقامة أبراج سكنية من شأنها حلحلة أزمة الإسكان، إلا أن ذلك يفتقر لآلية العمل، ويتطلب كلفة مالية باهظة. وقال الأحمري: من المؤكد أن إيقاف تصاريح البناء في بعض تلك الأحياء يعود لأسباب موضوعية، منها أن يكون الحي المعني ضمن خطط التطوير والإزالة، ولذلك يمنع المواطن من الاستفادة من عقاره حتى لا يمنى بخسارة في حالة تم إقرار إزالة عقاره. مستدركا: لو كنت مسؤولا لوضعت مخططا شاملا للبناء والتطوير في تلك الأحياء يمنح للمواطن الحق في التصرف بعقاره ضمن شروط ومواصفات المخطط. واقع إنساني وعودا على بدء، لا يزال كثير من سكان الأحياء العشوائية يسألون عن مصيرهم في ظل تردي الخدمات المتاحة لهم: هل ستكفل مشروعات التطوير إن بدأت.. السكن أو التعويض المناسب في ظل ارتفاع أسعار العقار؟ وهل صحيح أن بعض تلك المشروعات قد تلاشى بسبب تدني الجدوى الاقتصادية؟ فلماذا إذن يحجر على الأهالي تصريح البناء في بعض الأحياء؟ تلك التساؤلات حملتها عكاظ إلى المتحدث الإعلامي لأمانة جدة المهندس سامي نوار، إلا أنه لم يجب عليها طيلة عشرين يوما من الاتصال والمتابعة، وهو الحال نفسه مع عضوي المجلس البلدي الدكتور خالد باجمال وسامي أخضر، إلى جانب الدكتور أيمن فاضل رئيس المجلس السابق الذي أحالنا إلى رئيس المجلس الحالي الدكتور عبدالملك الجنيدي، والذي لم يجب على الأسئلة المرسلة له بالإيميل. فهذا هو حال سكان الأحياء العشوائية في مدينة جدة مع أمانة مدينتهم ومجلسهم البلدي، حيث كانوا ولا يزالون في انتظار إجابة حاسمة منذ سنوات طويلة عن مستقبل أحيائهم ومنازلهم. لا أن تكون الإجابة تسويفا وتوقعات فضلا عن تجاهل واقعهم المعاش. وتتضاعف مرارات هؤلاء السكان حين يتحدث عنها الأرامل والمعاقون، الذين لا يملكون من حطام الدنيا إلا هذه الدور المتهالكة التي تسترهم عن التشرد والحاجة. أم عبدالرحمن تعيش مع بناتها الأربع وابنها الوحيد في أحد الأحياء العشوائية، تقول: كنت أعيش مع أبنائي إلى جوار أخواتي ووالدتي التي توفيت مؤخرا في نفس البيت الذي تربينا فيه منذ الصغر، لكن وكما تشاهد كيف اختلف وضع الساكنين في الحي، وكأنه أصبح حيا من أحياء المدن الصومالية.. بل إن أحد الأحياء المجاورة لحينا تمت تسميته بحي مقديشو تيمنا بالعاصمة الصومالية. وتضيف: وجود العمالة الصومالية بهذا الكم الهائل في الحي كان سببا كافيا لهجرة كثير من السكان لمنازلهم، والمفارقة في هذا الأمر أن هؤلاء السكان هم من قاموا بتأجير سكناههم إلى هذه العمالة التي أصبحت تقض مضجع النائمين بسبب إزعاجهم المتكرر وفي أوقات متأخرة. وتقول: كان بالإمكان أن يكون الحي أفضل حالا مما هو عليه الآن، لو توافرت الخدمات، وتمت توسعة مدخل الحي الوحيد الذي لا يزيد عن ثلاثة أمتار فقط، وتم ترحيل هؤلاء المخالفين الذين لا يزالون رغم بدء حملة التصحيح لمخالفي أنظمة الجوازات. وتضيف أم عبدالله التي تسكن في هذه الأحياء قائلة: منزلي الذي يؤويني ويؤوي ابني المتزوج، أقوم بتأجير جزء منه وهو ما يساعدني على مواجهة مشاق الحياة. وتضيف: لكل شيء عمر افتراضي بما في ذلك المنزل، الذي يحتاج إلى ترميم وربما إلى إعادة بناء من جديد، وما يتردد الآن أن رخص الترميم والبناء موقوفة بحجة أن الحي الذي نقطنه حي عشوائي، لكنني في حقيقة الأمر لم أتأكد من هذه المعلومة التي آمل أن تكون غير صحيحة. وتقول: الحديث عن بدء مشروعات التطوير التي توقفت هو أكثر ما أقلقني حينها، فلا أعتقد أن أي تعويض سيوفر لي سكنا لي ولولدي إلى جانب الأجرة الشهرية التي أتحصل عليها من تأجير جزء من المنزل، وهو ما درج عليه كثير من سكان الحي، وهو ما جعلنا جميعا حينذاك نترقب كثيرا الأخبار عن مشروعات التطوير التي توقفت الآن. وتستدرك أم عبدالله قائلة: نحن بحاجة للتطوير، وهو مطلب جميع السكان، لكن يجب أن يكون التطوير ممنهجا ومحددا في بعض مواضع الحي التي تشكل خللا في البنية التحتية، فالحي كان ولا يزال يشكو من تجاهل القائمين على الخدمات وفي مقدمتهم البلدية، التي اقتصرت خدمتها على النظافة فقط، دون إضافة على ذلك، بل إنها وحين شرعت في توسعة بعض الشوارع تركت أنقاض المباني المنزوعة الملكية مشرعة أمام العابثين والمخالفين للأنظمة، فضلا عن أن تلك المباني تهدد السلامة العامة للمجتمع.
مشاركة :